من رحم المعاناة والقهر المتراكم في غزة، تولد الأحلام بصناعة الأمل من العدم، فهنا حيث لا مقومات للحياة، يحاول الغزيون صناعتها من جديد، ويعيدون بناء حياتهم التي دمرتها حرب الإبادة عن بكرة أبيها.
في مدينة خانيونس التي دمّر الاحتلال كل معالم الحياة فيها، تنهض همّة الخمسيني أيمن قديح من تحت ركام مصنعه المدمر في بلدة خزاعة شرق المدينة، ويشقّ طريقه من نقطة الصفر، بعد أن أعادته الحرب إليها جراء تدمير مشروع عمره ومصنعه الذي كان مصدر رزقه ورزق العمّال فيه، فحوّل المخلفات البلاستيكية المدمرّة إلى فرصة جديدة لاستئناف عمله.
وقرّر "قديح" فتح مصنع صغير لإعادة تدوير المخلفات البلاستيكية في المدينة، التي كانت ضحية تدمير طال كل جوانب الحياة، بعد عملية عسكرية إسرائيلية قاسية استمرت أربعة أشهر، جابت المدينة من شرقها إلى غربها.
ويقول أيمن قديح لـ"وكالة سند للأنباء": "لم أكن مجرد رجل أعمال فقدت مصدر رزقي، بل كنت واحدًا من أولئك الذين دمرت الحرب كل شيء من حولهم".
ويكمل: "مصنعنا الذي كان تعتمد عليه العديد من الأسر، بما في ذلك عائلتي وعمالنا، تعرض للتدمير الكامل في بداية الاجتياح، وذلك حين تقدمت قوات الاحتلال من بلدية خزاعة والمناطق الشرقية المجاورة".
ولم تترك آلة الدمار الإسرائيلية شيئًا في مصنع "قديح"، وعن ذلك يحدثنا: "لم يبق لا الآلات ولا المخازن، وواجهت خسائر مالية هائلة كانت بمثابة ضربة قاسية لي ولعائلتي".
ويضيف: "مع مرور الوقت، عشنا فترات من النزوح والتشرد، لكنني لم أسمح لهذه الظروف أن تُقيدني. قررت أن أستعيد ما فقدته وأبدأ من جديد".
من الركام إلى الإبداع
وعن طريقة إعادة بناء مصنعه، يقول قديح: "لقد استطعت مع أبنائي إنقاذ بعض الآلات من تحت الركام، ثم قمنا بإصلاحها، وبعد ذلك، استأجرنا آلات إضافية لتأسيس مصنع جديد في شمال شرقي خانيونس".
كانت بداية جديدة، لكنها مختلفة تمامًا، فبدلاً من الاعتماد على المواد الخام التي كانت متوفرة سابقًا، بدأت في تدوير المخلفات البلاستيكية التي كان يجمعها الأطفال والعمال من الشوارع، وتلك البراميل التي دمرها الاحتلال في القصف، كانت تباع بأسعار زهيدة، ليجتمع لدينا مخزون من البلاستيك المدمر".
ويشرح: "تحوّلت هذه المخلفات بين أيدينا إلى منتجات حيوية ضرورية، فقد مررنا بعملية معقدة من الفرز والجرش، حيث قمنا بتقسيم البلاستيك حسب النوع، ثم قمنا بفرمه في آلة الجرش وتحويله إلى قطع صغيرة. بعد ذلك، مررنا به عبر مراحل الصهر والتشكيل، حتى خرج المنتج النهائي".
وقود غزة
ولم يتوقف المصنع عند ذلك الحد، فالمخلفات البلاستيكية المتبقية استخدمها قديح لإنتاج وقود غزة المحلي، ويقول: "لقد أصبح هذا الوقود بمثابة الحل البديل في ظل الأزمات المستمرة، نحن نستخدم هذا الوقود لتشغيل السيارات القديمة والمولدات الكهربائية".
ورغم أن هذا الوقود لا يصلح لكل أنواع السيارات، لكنه يمثل خطوة مهمة في تخفيف الأزمات اليومية التي يعاني منها أهل غزة بسبب نقص الوقود التجاري، وذلك نتيجة الحصار الإسرائيلي المستمر.
وفي ختام حديثه، يؤكد قديح: "قصتي هي قصة صمود في وجه التحديات، وإبداع في أوقات الحرب، رغم أن الحرب تسعى لتدمير كل شيء، إلا أن إرادة الحياة في غزة لا يمكن أن تُهزم".
ويقول: "نحن هنا نثبت أن الإنسان قادر دائمًا على تحويل المحن إلى منح، حتى في أصعب الظروف".
وفي ظل الحصار المستمر، لجأ الفلسطينيون في قطاع غزة إلى وسائل غير تقليدية لتلبية احتياجاتهم، حيث بدأ عدد من السكان في استخدام النفايات البلاستيكية كوسيلة لاستخراج كميات ضئيلة من الوقود، رغم المخاطر الصحية والبيئية التي قد تسببها.
وتفاقمت هذه الأزمة بعد قرار "إسرائيل" إغلاق جميع المعابر مع قطاع غزة عقب انتهاء المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في مارس/آذار الماضي.