الساعة 00:00 م
السبت 05 يوليو 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.57 جنيه إسترليني
4.72 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
3.94 يورو
3.34 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

‏على حافة الموت.. "بتول" طالبة التوجيهي تفرّقها شظية إسرائيلية عن حلمها

ترجمة خاصة.. Middle East Eye: الميليشيات الاستيطانية أداة إسرائيل للتهجير في الضفة الغربية

حجم الخط
الميليشيات
غزة- وكالة سند للأنباء (ترجمة خاصة)

في مشهد أصبح مألوفًا لكنه لا يقل خطورة، وقف جنود إسرائيليون يحرسون المستوطنين أثناء تجوالهم في أزقة البلدة القديمة وسوق الخليل يوم 28 يونيو الجاري.

وأبرز موقع Middle East Eye البريطاني أن الصورة لجنود الاحتلال تلخّص التحالف غير المعلن بين الدولة الإسرائيلية والميليشيات الاستيطانية شبه العسكرية، التي أخذت تلعب دورًا متصاعدًا في استراتيجية دولة الاحتلال للسيطرة على الضفة الغربية وتهجير سكانها الفلسطينيين.

ميليشيات المستوطنين: من شباب التلال إلى تنظيم شبه عسكري

منذ مطلع الألفية، برزت جماعة “شبيبة التلال” كرمز للمستوطنين المتطرفين، لكنها كانت حتى وقت قريب تُقدَّم في الإعلام الإسرائيلي كحالة شبابية طائشة أو كعصابات صغيرة تنفذ هجمات عشوائية.

لكن التطورات الأخيرة تُظهر تحول هذه الجماعات إلى تكوينات منظمة، باتت أقرب إلى ميليشيا شبه عسكرية منه إلى مجرد تجمع شبابي.

هذا التحوّل تجلى بوضوح الأسبوع الماضي، حين اعتدى مستوطنون على جنود إسرائيليين قرب كفر مالك شمال شرق رام الله، بل اقتحموا قاعدة عسكرية لاحقًا.

وبينما أثارت هذه الاعتداءات موجة إدانة واسعة من قادة الاحتلال السياسيين، فإنها لم تُثِر غضبًا مشابهًا حين تعلّق الأمر بالإرهاب الذي تمارسه نفس الميليشيات ضد الفلسطينيين.

الإرهاب الذي ترعاه الدولة

على مدار سنوات، وثّقت المنظمات الحقوقية الإسرائيلية والدولية تصاعد عنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية. لكن الجديد منذ تولي بتسلئيل سموتريتش - وزير المالية ومسؤول عن الإدارة المدنية في الضفة - هو هذا التداخل العلني بين سياسات الحكومة وعمليات المستوطنين العنيفة.

وقد باتت الميليشيات الاستيطانية تتحرك في إطار استراتيجية تهدف إلى تهجير الفلسطينيين من المناطق المصنفة (ج) والتي تشكل حوالي 60٪ من مساحة الضفة الغربية، وإحكام السيطرة الإسرائيلية عليها.

وهذه الاستراتيجية لا تتم من خلال أوامر ضمّ رسمية بقدر ما تُنفذ ميدانيًا عبر تكتيكات العنف والترهيب والطرد القسري.

من أبرز الأدوات التي يجري توظيفها في هذه الاستراتيجية ما يُعرف بـ “مزارع الرعاة”، وهي نقاط استيطانية تبدأ عادةً بعدد قليل من المستوطنين يرعون الأغنام أو الأبقار، لكن سرعان ما تتحول إلى بؤر تسيطر على مساحات شاسعة.

ويمارس المستوطنون في هذه المزارع ن طردًا منهجيًا للرعاة والسكان الفلسطينيين، مستخدمين العنف والترهيب تحت حماية الجيش الإسرائيلي، ليخلقوا مناطق إقصاء بحكم الأمر الواقع دون أي إعلان رسمي بضمها.

الإرهاب الممنهج… وغياب المساءلة

ما يثير السخط الفلسطيني أن الإرهاب الذي تمارسه الميليشيات الاستيطانية لا يقابل بأي مساءلة حقيقية. ففي حين تحظى اعتداءاتهم ضد الجيش الإسرائيلي بإدانات صاخبة من المسؤولين، يبقى عنفهم ضد الفلسطينيين بلا عقاب تقريبًا.

خلال مايو 2021، شنت ميليشيات المستوطنين هجمات متزامنة على قرى فلسطينية في أنحاء الضفة، في عمليات بدت وكأنها جزء من خطة عسكرية أكثر منها أحداثًا عفوية. هذه الهجمات تكررت خلال الأشهر الماضية، خاصة في محيط وادي الأردن وشرق رام الله ونابلس، مع تقارير عن عمليات طرد جماعية للعائلات البدوية والرعوية.

وقد ترافق التوسع الملحوظ للميليشيات مع قرارات من حكومة نتنياهو – سموتريتش – بن غفير، تمنح المستوطنين مزيدًا من الغطاء القانوني.

بل إن سموتريتش لم يتردد في إعلان دعمه لرواية “شبيبة التلال” الأخيرة بشأن حادثة كفر مالك، رغم أن التحقيقات أظهرت لاحقًا أن روايتهم لم تكن دقيقة.

مشروع ترانسفير ناعم

أخطر ما في تحركات ميليشيات المستوطنين هو ما يسميه بعض الخبراء بـ “الترانسفير الناعم”. إذ يجري تهجير الفلسطينيين من أراضيهم عبر خلق بيئة أمنية واقتصادية مستحيلة للحياة.

الاعتداءات اليومية، تدمير المحاصيل، حرق الممتلكات، سرقة المواشي، وتهديد حياة السكان، كلها وسائل تدفع الفلسطينيين للنزوح الطوعي أو الإجباري.

يرى محللون أن ما يجري ليس مجرد عنف متقطع، بل تنفيذ لخطة أوسع تهدف لإيجاد “حقائق على الأرض” تستحيل إزالتها لاحقًا حتى لو تغيرت الحكومة.

ومع أن أحزاب المعارضة تدين إرهاب المستوطنين أحيانًا، إلا أن الغالبية لا تملك استعدادًا لمواجهة المشروع الاستيطاني فعليًا، خشية فقدان الدعم السياسي من الجمهور اليميني أو من لوبي المستوطنين القوي داخل الكنيست.

تأثير حرب غزة على الضفة الغربية

زاد العدوان الإسرائيلي على غزة منذ أكتوبر 2023 من جرأة المستوطنين. فالمناخ الذي أوجدته الحرب، وأجواء التصعيد القومي المتصاعد، شجعت هذه الجماعات على الاعتقاد بأن “الحل النهائي” لإخراج الفلسطينيين من الضفة قد يكون أقرب مما مضى.

ومع تكرار مشاهد تدمير مخيمات اللاجئين مثل جنين وطولكرم بالجرافات الإسرائيلية، يرى الفلسطينيون في الضفة إشارات واضحة إلى أن ما يجري في غزة قد يكون نموذجًا مصغرًا يُحضَّر لتطبيقه على أراضيهم، وإن بشكل تدريجي أو “جراحي”.

ورغم كل التقارير الصادرة عن الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والمنظمات الحقوقية، يبقى الموقف الدولي خجولًا في مواجهة الميليشيات الاستيطانية. وحتى الولايات المتحدة، التي تندد أحيانًا بعنف المستوطنين، تتجنب أي خطوات عملية قد تعاقب حكومة إسرائيل أو توقف الاستيطان فعليًا.

في غضون ذلك، يستمر المستوطنون في شق الطرق، نصب البؤر الجديدة، وممارسة العنف ضد السكان الفلسطينيين، في ظل حسابات سياسية إسرائيلية تعتبر أن “أزمة غزة” فرصة سانحة لتسريع مشروع ضم الضفة الغربية بحكم الأمر الواقع.

وعليه فإن صعود الميليشيات الاستيطانية شبه العسكرية لم يعد مجرد ظاهرة هامشية أو عابرة في المشهد الإسرائيلي. بل أصبح أداة مركزية في الاستراتيجية الإسرائيلية الهادفة إلى تغيير الخريطة الديموغرافية والسياسية للضفة الغربية.

فالإرهاب الممنهج، التهجير القسري، وتقويض إمكانية قيام دولة فلسطينية متصلة، كلها أهداف تتحقق ببطء لكن بثبات. وبينما تنشغل العواصم الغربية بأزمات أخرى، يواصل المستوطنون فرض وقائع جديدة، قد يكون ثمنها ضياع ما تبقى من حل الدولتين، وتفاقم الصراع إلى مستويات أشد خطورة.