يُتمٌ فوق يُتم، حكايات تخرج من تحت الأنقاض بعد كل ضربةٍ يطلقها الاحتلال، ففي كل ضربةٍ حكاية مجزرة، صواريخ تغتال الطفولة الإنسانية هكذا هم حال أطفال فلسطين.
عاش الطفل أحمد محمد اليازجي، اليتمَ مرّتين، بعد استشهاد عمته "ديانا أبو العوف" قبل أيام، وهي والدة الشهيدتين شيماء وروان، التي تكفّلت برعايته وتربيته بعد وفاة أمّه "نازك اليازجي" أثناء ولادته عام 2018، ليكون شاهداً على مجزرة بشعة بعد انتشاله من تحت الأنقاض حيًا بسبب صواريخ الاحتلال.
بداية الحكاية
بدأت حكاية الطفل اليازجي ذي العامين، عندما توفت والدته نازك اليازجي عام 2018 نتيجة خطأ طبي أثناء الولادة، ليعيش مرحلة اليتم الأولى، حيث قررت عمته "ديانا" وأصرت على احتضانه ورعايته وتصبح له بمثابة الأم والملاذ الآمن.
لكن الطفل أحمد لم ينعم بهذا الاحتضان والدلال طويلاً بقرار من الاحتلال، الذي لم يجد سوى الطفولة البريئة أهدافاً للاغتيال، لتأخذ حياة أحمد منحى مأساوياً جديداً خلال العدوان الأخير على منزل عائلته في شارع الوحدة بغزة.
كل من شاهد المجزرة وسمع بها، يؤكد أن أحمد نجا بأعجوبة من مجزرة مروعة، ليخرج حياً من تحت أنقاض بناية مكونة من 5 طوابق.
"حبيبي يا بابا ..يالله يا الله"
"دوت هذه الكلمات، من قلب والد حزين، في ظلمة ليل حالك، فلم يصدق والد الطفل أحمد أن ابنه لا يزال حياً من حجم الركام فلا شيء أغلى من فلذة الكبد، ورغم إصابة طفله إلا أن الشكر والحمد كانا حاضران بسجدة شكر وسط الركام".
كذلك لم يسلم والد الطفل أحمد من بطش الاحتلال الهمجي واستهداف المدنيين، حيث تعرضت بنايته الكائنة في شارع اليرموك للقصف هي الأخرى.
حزن متكرر
وقال مصطفى اليازجي عم الطفل أحمد، إن حادثة استشهاد "ديانا" جددت الحزن والمآسي، لتذكرنا بوفاة والدته "نازك" قبل عامين، وهي أم لخمسة أطفال، والتي توفيت أثناء الولادة بسبب خطأ طبي.
وتابع في حديثه لـ"وكالة سند للأنباء"، أن الشهيدة ديانا كانت بمثابة أم حقيقية له، وهو ما أثر نفسياً على حالة الطفل أحمد والذي لا يكاد بشكل شبه لحظي لا يتوقف سؤاله وين "دودو".
وقال "حين يسألنا أحمد عن شقيقتي ديانا "عمّة الطفل" نحاول جميعا إخفاء الحقيقة عنه، نحاول أن نقول له راحت تشتري إلك العاب وستعود بسرعة".
وأردف "تلقينا خبر مجزرة عائلة أبو العوف بصدمة كبيرة، بعد أن بقينا ساعات طويلة ونحن لا نعرف مصيرهم، ومن بقي تحت الركام ومن تم انتشاله".
مستقبل واعد
وأوضح عم الطفل أحمد، أن أحمد سيعيش حياة جديدة، حيث سيعود إلى بيت والده، وأشقاؤه، بعد استشهاد "شقيقته" التي كانت مصرة على احتضانه، وستقوم زوجة أبيه برعايته.
وأشار إلى أن ما حصل لعائلة شقيقته مصاب جلل، صواريخ عدة تزن أطنان سقطت عليهم دون سابق تحذير وهم نيام داخل شقتهم السكنية بالعمارة، حولت لحظات الفرح والسعادة التي كانوا يحلمون أن يعيشوها أيام عيد الفطر لكآبة وحزن.
دون إنذار
ويقول الناجي الوحيد من المجزرة الشاب عمر أيمن العوف، إن المجزرة كانت دون إنذار أو تحذير، حيث تم إطلاق عدة صواريخ على المنزل المكون من 5 طوابق.
ويضيف "احتضنت شقيقتي الصغيرة، ولم أجد والدي والذي يعمل دكتوراً في قسم الباطنة ووالدتي، بعد سقوط السقف علينا، وانهيار العمارة بأكملها".
وتابع "بقيت تحت الأنقاض ما يقارب 12 ساعة، في الطابق الثاني، وفوقي ركام 3 طوابق، حيث فقدت أيضاً الجد والجدة كذلك في هذه الجريمة".
وتساءل عمر "ما هو ذنب عائلتي، ما هو ذنب إبادة عائلة كاملة مدنية ومحوها من السجل المدني، مضيفاً أنه لن يتوانى لحظة وسيلاحق إسرائيل في المحاكم الدولية ولن يذهب دمهم هدراً رغم ارتقائهم شهداء".
وقدمت عائلة أبو عوف في قصف الاحتلال على شارع الوحدة بمدينة غزة، 15 شهيدا بينهم نساء وأطفال، إلى جانب إصابات عديدة أخرى، من بين 45 شهيدا سقطوا في ليلة دامية التي استهدفت فيها طائرات الاحتلال الشارع السكني ومسحت عائلات بأكملها من السجل المدني.
وشهداء عائلة أبو العوف هم: الحاج الدكتور توفيق أبو العوف وزوجته مجدية، والدكتور أيمن أبو العوف وزوجته ريم وأبناؤهم جميعاً: توفيق وعمر وتالا وروان، والشهيدات شيماء وصبحية، والدكتورة رجاء أبو العوف "الإفرنجي" وأطفالها ديما ويزن وأمير وميرا.
وارتقى في العدوان الإسرائيلي الأخير على القطاع 274 شهيداً، من بينهم 66 طفلاً و39 سيدة و 17 مسناً، إضافة إلى 1910 إصابة بجراح مختلفة.