الساعة 00:00 م
الثلاثاء 19 مارس 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.65 جنيه إسترليني
5.15 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
3.97 يورو
3.65 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

"وكالة سند" تكشف تفاصيل جريمة إعدام الاحتلال مسنا جنوب غزة

بعد ما شاب ودّوه عَ الكُتاب.. "غناء" تتجاهل ذلك وتتفوق

حجم الخط
IMG_9876.jpg
آصال أبو طاقية - وكالة سند للأنباء

"بعد ما شاب ودوه عَ الكُتاب"، الكثير من العبارات التي طرقت مسامعها، لكنها لم تجد سبيلاً إلى عقلها ونفسها، فقطعت عليها الطريق، وأشاحت بوجهها إلى حيث تريد، إلى الهدف والحلم الذي لم يغب عنها عاماً بعد الآخر، ينتظر الوقت الذي يشاء فيه القدر والظروف أن يتحقق، وبالفعل تحقق وبأحلى وأجمل هيئة.

اضطرت غناء البرغوثي (42 عاماً) من كفر عين، برام الله، ترك المدرسة منذ أن كانت في الصف التاسع الإعدادي، بسبب اشتعال الانتفاضة الفلسطينية الأولى، وسجن بعض إخوانها، وسفر الآخر، لتجد نفسها المعيل الوحيد لأسرتها، فودّعت العلم مجبرةً والحب يكبر إليه.

توالت الأحداث والانشغالات على غناء، لتجد نفسها ربة بيت ولها من الأبناء أربعة، يشغلون وقتها طيلة اليوم، تصارع الدقائق من أجل إنجاز مهامها اليومية من عملها كعاملة مساعدة في مدرسة كفر عين، وكزوجة، وكأم لأطفال، لها من الأعباء الكثيرة.

بعد 29 عاماً

حب العلم والدراسة كان رفيقاها في كل يوم كبرت فيه غناء، حتى تكلل ذلك برؤيتها لابنتها تتخرج من قسم الصحافة والإعلام، والتحاق بعض أبنائها بالجامعة وآخرين بالمدرسة، إلا أنها لم تستغن عن حب العلم وطلبه يوماً، وصلواتٍ أن يكرمها الله بتحقيق حلمها الذي سقته في أعماقها.

بعد 29 عاما ًمن ترك الدراسة، قررت غناء العودة إلى الدراسة من جديد، حيث وجدت الفرصة المقدّرة لها والتي تنتظرها منذ سنوات طويلة، حيث تخففت من الأعباء، وخاصة أن طفلها الأخير يحتاج لسنوات من أجل الالتحاق بالتوجيهي لتنشغل فيه من جديد.

تلك الفرصة، لم تكن وليدة لحظة، بل جاءت بعد دعم مستمر، من قِبل مديرة المدرسة زهية عرار، والتي تعمل فيها غناء منذ سنوات، لتردد على مسمعها دائماً "أنا سأراك بأعلى المراتب"، "أنا أرى فيك شخصاً ناجحاً"، "يجب أن تكوني مدرسة"، "يليق بك التفوق"، "أكملي دراستك".

بعد الدعم المتتالي قررت غناء خوض تجربة العودة إلى التعليم، حيث التحقت بامتحانات المستوى العام الماضي واجتازته، وفي هذا العام توجت شوق السنوات الطويلة الماضية لتلتحق بامتحانات الثانوية العامة وتحقق نجاحاً بمعدل 83.6%.

وعن ذاك الدعم المميز والفريد تقول غناء لـ "وكالة سند للأنباء": "بالرغم من أن لمديرة المدرسة ابنٌ في الثانوية العامة، إلا أنها أخبرتني بسعادتها الكبيرة جداً، والتي تضاهي سعادتها بنجاح ابنها وأكثر، كوني حققت حلمي، وكنت عند حسن ظنها وزيادة".

توفير البيئة المناسبة

لم يكن الأمر سهلاً على غناء، إلا أن توفير البيئة المناسبة لها من قبل زوجها وأبناءها وعائلتها والمحيط الذي تعمل فيه دوراً كبيراً، فقد تولت ابنتها تعليمها مواد اللغة العربية والتاريخ والجغرافيا، وأبناءها الآخرين الإنجليزية والرياضيات والعلوم والإدارة، فيما يُساهم زوجها في إيجاد أجواء هادئة لها، وكذلك عائلتها التي كانت تُحفزها بالتشجيع والابتعاد عن زيارتها من أجل منحها وقتاً أكبر لدراستها.

وفي حال تصعبت في بعض المسائل توضح غناء لـ "وكالة سند للأنباء" أنها كانت تنهي عملها باكراً في المدرسة، ومن ثم تلتحق بأحد الحصص الدراسية مع الطالبات المتواجدات في المدرسة، من أجل تسهيل عملية الفهم والاستيعاب.

محاولات حضورها بين الفينة والأخرى للحصص الدراسية مع الطالبات، جاء بدعمٍ لطيف من المدرسات اللواتي لم يألون جهداً في تخفيف الأعباء عن غناء، وتنفيذ بعض الأعمال المناط بها بأنفسهم، من أجل دعمها، وأملاً في تحقيق رغبتها وتلبية طموحها الذي تريده.

وعن أكثر الصعوبات التي واجهت غناء تذكر منها، مشكلة الوقت الذي كانت تُصارع من أجل استغلال كل ثانية فيه، منذ أول لحظة في الصباح وحتى حلول المساء، حيث تغادر عملها الثانية ظهراً، ومن ثم تكمل مهامها المنزلية في بيتها، وتتفرغ ليلاً من أجل مراجعة المواد التي درستها خلال اليوم، وكذلك يومي الإجازة الجمعة والسبت.

رب ضارة نافعة

بعض الظروف التي حدثت خلال هذا العام وكانت بالنسبة للبعض "ضارة" كانت بالنسبة لغناء "رُب ضارة نافعة"، فبسبب انتشار فايروس كورونا، وقلة التواصل والزيارات وعدم انتظام الدوام، سنح لغناء استغلال ذلك كله في الدراسة وتحقيق أملها الوحيد في النجاح، لأن لا فرحة تعادل فرحة النجاح _كما تبين لوكالة سند للأنباء_.

وعن توقعها لحصولها على هذا المعدل، تضيف غناء: "بعد تقديمي لكل امتحان واجتيازي له، أعود للمنزل وأحسب العلامات، حتى في نهاية الامتحانات، توقعت نفس المعدل، وحين ظهور النتائج لم تسعنا الفرحة جميعاً، أنا وزوجي وأبنائي، عشنا مشاعر مختلطة، ودموع الفرحة والفخر كانت حاضرة بقوة".

ستبدأ غناء مشوارها العلمي من جديد، وبالرغم من عملها ستلتحق في كلية التربية قسم التعليم الأساسي، وستستمر إلى أن تحقق رغبتها في أن تصبح معلمة.

غناء التي عاشت فرحة النجاح كاملة، كانت دائماً نموذجاً يُحتذي فيه في المدرسة وأمام الطالبات، أن العمر لا يحده شيء، والعلم يحتاج فقط لرغبة وهمة.

وتنصح غناء كل شخص مر بظروف سيئة أو اعتقد أنه لا يمكنه الاستمرار، عليه أن يتوقف عن ذلك وأن يشمر عن ساعده، ويسير في الدرب الذي يريده، وأن يصم أذناه عن كل حديث محبط، لأن الناس سيتحدثون سواء بالسلب والإيجاب، والناجح لا يشتته ذلك، بل يركز على هدفه ليصل، وسيصل، لأن الحياة فرص، ويجب استغلالها قدر الإمكان.