الساعة 00:00 م
الأحد 05 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.66 جنيه إسترليني
5.24 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4 يورو
3.72 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

قنابل وصواريخ غير متفجرة.. خطر يداهم حياة الغزيين

عدنان البرش .. اغتيال طبيب يفضح التعذيب في سجون الاحتلال

أتوق إلى غزة..

حوار "نظرة" جعلت من عارف حجاوي مُحبًّا مُخلصًا لـ "لغة الضاد"

حجم الخط
عارف صورة 2.jpg
رام الله - غزة/ حاورته إيمان شبير

"سياحةٌ في دُنيا رأيتُها وذَهبَت، وفي دنيا ما زالت، جولةٌ في الشوارعِ الخلفيةِ للمعرفة، نقرأ في الصحف والأخبار.. سيداتي سادتي مرحبًا بكم".

ما سبق هو إعلانٌ تشويقي لبرنامجٍ تلفزيوني "سيداتي سادتي"، عُرِف صاحبُه بقوةِ بلاغتِه، وأسلوبه التشويقيّ المتميّز عبر شاشات التلفاز، وصوته الهادئ الجذّاب.

سافر إلى أعماق اللغة العربية، وأصبح مهووسًا بـِ "الفصحى" التي تفرّد بمصطلحاتها عبر منصاته الإلكترونية وكتاباته الورقية، وعبَّر عن اللغة بأنها "بحرٌ لا ساحلَ له".

أما في طفولتِه في عُمر السبع سنوات، لم يفهم شيئًا من المطالعة، ولم يستطع أن يفك الأحرفِ عن بعضها؛ لكن عن طريقِ صدفةٍ أخذ يقرأ في المجلات والصحف التي توجدُ في منزلهم، وعبّر عن ذلك بأحرفٍ كتبها بنفسه، ليتفاجأ بنظرةِ أستاذ اللغة العربية له مُعبِّرًا عنها: "هذه النظرة صنعتني، وفتحت لي عهدًا من المطالعة، وبدأت أفهمُ بعد ذلك".

اتضحت ملامح شخصيته البسيطة خلال هذا الحوار الذي بدأ بطرحِ سؤال "ما الشيء الذي لم نعرفه عن عارف حجاوي"؟ فأجابنا بابتسامة: "رغم الشخصية الجادة المعروف بها؛ لكن أنا أحضر توم وجيري، وأشاهد الأشياء المُضحكة لغرض الضحك".

ملامحُ أخرى أضافها "حجاوي" خلال حوارٍ هاتفي مطوّل وثمين أجرته "وكالة سند للأنباء"، إذ اتسم أسلوبه بالمرونة والفصاحة في التعاطي مع أسئلتنا.

عارف حجاوي (65 عامًا)، وُلِد في مدينة نابلس شمال الضفة الغربية، متزوج وله ابنتانِ "سمر، ومريم".

ضيفنا كاتبٌ وإعلامي فلسطيني، عمل في مهنتي التعليم والإعلام، ومُعظم كتُبِه في هذينِ المجالين، وبرز عمله الإعلامي في القسم العربي لهيئة الإذاعة البريطانية (BBC)، التي استمر عمله فيها 10 سنوات، من بينها أربع سنوات مديرًا للبرامج.

عمل مترجمًا، ومذيعًا، ثم محررًا، فمديرًا للبرامج التلفزيونية في هيئة الإذاعة البريطانية – لندن، وقناة الجزيرة الفضائية.

وكتب "حجاوي" العديد من الكتب والمقالات، وأبرز مؤلفاته المشهورة: "المسألة الفلسطينية، وحرية الإعلام في فلسطين، والمراسل التلفزيوني، وموجز النحو".

عاش طفولة عادية جدَّا، ولم يكن فيها شيء شدَّه إلى حُبِّ اللغة العربية، تحدث لنا بشفافية بعيدًا عن رسمِ المثالية قائلًا: "نشأت في بيئة تقليدية، والدي وجدّي وأعمامي يعملون مهنة "الخياطة"، وكانت الأسر الفلسطينية -آنذاك- ما يشغلُ تفكيرَها هو كيفية توفير القُوت اليومي، فعشتُ في هذا الجو الذي فيه "الفلكلور العائلي" موضحًا أنه استفاد من جده وأحاديثه".

وبالانتقال إلى علاقته ببناته، يستطرد: "علاقةُ محبةٍ وصداقة، وبيتنا فيه جوّ "ليبرالي" تمامًا، يعني لا أجبر البنت على شيء، وابنتاي "مريم، وسمر" كل واحدةٍ منهما تزوجت برأيها، مُردفًا أنه لا يؤمن بالزواج المُرَتّب من الأهل".

"بحرٌ لا ساحل له"

عارف صورة.jpeg
 

وفي سؤالنا " هل اكتفيت من أصول اللغة؟" يُجيبنا: "أصول اللغة وفروعها بحرٌ لا ساحل له، فالإنسان يستزيد من الكلمات التي لا نهاية لها، مُعبّرًا أنه محتار مع اللغة العربية".

ويستنكر "حجاوي" أن الجيل الجديد يحتفظ في أذهانه بمعجمٍ هزيل، فلا يستطيعون التعبير عن أنفسهم، أو عن الأشياء التي يتحدثون عنها عن العلم والأدب، إلا بمفردات بسيطة ضعيفة.

ويصف "المفردات" أنها الثقافة وسعة العلم، ويُوضح رؤيته السابقة قائلًا: "عندما نريد أن نتحدث عن "فلاحة الأرض" هناك تعابيرُ يجب على الإنسان أن يعرفها جيدًّا، فلا يكفي أن يعرف فقط "زرعنا وانتهى الأمر"، موضحًا أن الشجرة لا تُزرع وإنما تُغرس".

أما عن "النحو" يُبيّن: "النحوُ صعبٌ وتشكيل الكلمات مسألة يمرض بها الكثيرون، لافتًا أنه لا يُعيره اهتمامًا كبيرًا، فليغلط الإنسان في القواعد، مُردفًا نحن لا نملك أن نضبط قواعد اللغة وتشكيل الكلمات ضبطًا تامًا، فلْيشكل الإنسان لا بأس؛ لكن أن تكون لغته غنية".

"صف لنا "اللغة العربية" بلسان ابنها البار؟"، بطريقته المعتادة في اتزانه يُجيبنا: اللغة العربية أداة نستعملها وليست حِليةً نضعُها على صدورنا، فمن أرادها حلية فهو يتحذلق ويستعمل الكلمات العجيبة ويلعب باللغة، أحيانًا نلعب باللغة.. لكن علينا دائمًا أن نفهم أن هذه أداة تساعدنا في التعلم والتعبير عن أمور حياتية، مؤكدًا أنها لغة غنيّة، وبها طبقات لم تعد تستعمل".

"وماذا تُريد من الفصحى؟" بنبرةِ حبٍّ يصفُ هذه العلاقة: "أريدها أن تكون لينة، وأريد -أيضًا- ألا نتشدد في النحو؛ لصالح أن نقرأ كثيرًا، ونكتب ونعبّر عن أنفسنا، وهذا يقودنا إلى التعلّم".

ويُتابع: " أنا تعلّمتُ أصول اللغة ذاتيًّا وقرأت، فالمدرسة في زمننا كانت أكثر اهتمامًا باللغة العربية، لكن المعوّل على القراءة، وأن يخلوَ الانسان بكتابه، وأن يغوص ويعيش في داخله، هذا ما لا يوفره الفيس بوك، موضحًا أن النقر بالأصابع على الهاتف المحمول هو قفز مثل الضفادع لا يُرسي في النفس "صبَّة اسمنت" متينة من اللغة والمعرفة".

ويرى "حجاوي" أن المدارس تُعطل الآفاق الإبداعية، وتُعيق أكثر مما تشجع، وطريقة تدريس بعض المهن تجعله يقول: إن خوض المهنة من دون دراستها أفضل، وخير مثال على ذلك تخصص الإعلام في الجامعات".

ويُكمل حديثه: "هدفي في الحياة إن كان هناك متسعٌ من العمر لتحقيق أي هدف، هو أن أحثّ الناس على القراءةِ كثيرًا، وأن يُدرك ما حوله".

وبنبرةٍ من الألم، يقول: " أنا كأي فلسطيني أعيش حالة صعبة، وهي حالة فقدان الوطن بالتدريج من تحت أقدامنا، ولكن مع ذلك يجب علينا أن ندرس ونقرأ، أريد العربية أداة نافعة، فضميرنا هو اللغة العربية، ولن ننهض إلا بها".

"سيداتي ساداتي"

عن طريقِ صدفة جاءت فكرة برنامج "سيداتي ساداتي" بعد زيارته إلى لندن في نوفمبر 2019، مبينًا أنه ذهب ليعمل مُدققًا لُغويًا، إلا أنه وفي اليوم الذي وصل فيه إلى لندن قال له مدير محطة التلفزيون العربي: "نريد منك برنامجًا"، فلمعتْ فكرةُ البرنامج كما يسرد لنا "حجاوي".

ويحدثنا عن فكرته: "البرنامج يُقدّم بالعربية الناصعة، قراءة معمّقة وحرّة لأخبار وصحف الأسبوع، ويعرض على محكمة التاريخ زعماء وحقبًا، بالإضافةِ إلى سياحة حرّة في تجارب "حجاوي" وقراءاته وخرائطه.

وعن الفئة المستهدفة في برامجه يُجيبنا: "أنا جمهوري محدود، وأستهدف المتعلمين، تعليمًا معقولًا ثانويًّا حتى الطلبة يمكنهم أن يستفيدوا مما أقول؛ لكن بالطبع أنا لا أقول إن هذا هو المثالي، موضحًا أننا بحاجة إلى برامج لمن هم أصغر سنًّا، ولمن هم أكبر وليسوا متعلمين، مُشيرًا إلى سيدات ورجال كبار بالسن لم يتعلموا جيدًا، هؤلاء أيضًا يجب أن تكون لهم برامجُ جيدة".

"شوقٌ لا ينضب"

مشاعر الحنين سيطرت عليه أكثر من أي شيءٍ آخر عندما سألنا ضيفنا عن "غزة"، مُردفًا بابتسامةٍ مدروسة: "غزة تعني لي الكثير، وآخر زيارة لها كانت في 1995، مكثت فيها أسبوعين، ومنذ ذلك الحين وأنا مشتاقٌ للعودة إليها، مُتمنّيًا بلهفةٍ ذلك".

ويتابع وصفه عن بساطة أهل غزة: "دائما الإنسان يتوق إلى البسطاء الذين يعيشون حياتهم رغم المعاناة، ويجدون طاقات فرح يتمتعون بها، وفيهمُ الكرمُ والنخوة، فأنا مشتاقٌ لغزة شوقًا لا ينضب".