الساعة 00:00 م
الجمعة 19 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.72 جنيه إسترليني
5.35 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.04 يورو
3.79 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

مكتبة المعمداني من رُكن ثقافي إلى مقر إيواء للجرحى والمرضى!

هدية أخيرة من روحها الجميلة..

بالفيديو آلاء الطهراوي.. قلب البيت الذي صار "كومة أشلاء"

حجم الخط
إسماعيل الملاحي زوج الشهيدة آلاء الطهراوي..
فاتن عيّاد الحميدي – وكالة سند للأنباء

لو أنَّ "آلاء" تحضر الآن إلى بيتها الذي تحوّل إلى كومة ركام، حيث زوجها "إسماعيل" وصغيرهما الوحيد "أحمد" الذي ما انفك يُنادي "ماما.. ماما"؛ ليُخبراها ما فعله غيابها بهما، وكيف صار العالم موحِشًا فجأة!  

لو أنَّ "آلاء" تحضر إليهم حالًا؛ تلّم الشمل، فيجتمعون ثلاثتهم على سفرةٍ واحدة بمساءٍ يملؤه سلام العائلة وأمانها، يأكلون من "الحاجيات" التي اشتراها "إسماعيل" على ذوقه، كما طلبت زوجته قبل دقائق من موعد الفاجعة. 

لو أنَّ ما مرّت به هذه العائلة من أحداث، في ذلك التاريخ: السادس من أغسطس/ آب 2022، تُمحى من سجّل الذاكرة، ويظّل فقط قلب "آلاء" شفّافًا دافئًا حانيًا، يحتضن زوجها وابنها! لكنّ محال أن تنعم بحياة وادعة (على الدوام) ما دمت فلسطينيًا وهناك محتل غادر اسمه إسرائيل.

في قصة الشهيدة آلاء الطهراوي (30 عامًا)، التي ارتقت بقصفٍ إسرائيلي على منزلٍ بحي الشعوت بمدينة رفح جنوب قطاع غزة، شيء يُؤكد المثل الشعبي القائل "الحيّ لا يُرافق الميّت"، تعالوا معنا ليقصّ لنا زوجها إسماعيل الملاحي، الحكاية.

وقبل أن يبدأ بسرد ما جرى، يُلخص "إسماعيل" فَقِده لزوجته بهذه الكلمات العفوية "اللى صار كارثة، أنا فقدت حياتي كلها.. آلاء ما بتروح عن بالي دقيقة"، قائلًا: "الفارق بين الحياة والموت في قصتنا دقائق ومن بعده كانت القيامة".

يزيد "إسماعيل" لـ "وكالة سند للأنباء": "طلبت مني شراء بعض الحاجيات من البقالة القريبة من المنزل، ونزولًا عند رغبتها الشديدة باصطحاب أحمد معي، رغم خطورة الأوضاع في الخارج، أخذت طفلي وخرجت".

مرّت دقائق على خروجهما من المنزل الذي استأجره "إسماعيل" لعائلته قبل 7 أشهر فقط، ثم ماذا؟ يُجيبنا بعد تنهيدة: "طائرات الاحتلال الإسرائيلي تقصف منزلًا بـ 6 صواريخ في الشعوت، يعني مخمينا الذي أعيش فيه! (..) هرعت دون وعي إلى المكان لتفقد ما حدث".

حين وصل "إسماعيل" إلى المكان عِلم أن المجزرة وقعت في البناية التي يسكنها، وأن الدمار الهائل الذي أمام عينيه يُخبر عن شيء مؤسف، لكن "لا وقت للانهيار" يقول: "بدأت بالبحث عن آلاء في بيوت الجيران، في المستشفيات، بين الجرحى، والشهداء أيضًا، دون جدوى، عرفت بعدها أنها تحت الأنقاض".

انتظر ضيفنا ثماني ساعات، على أمل أن تخرج "آلاء" من تحت الركام، وتُنهي هذا الكابوس البشع، يُكمل بحسرة: "حتى جثة لم يُخرجوا لآلاء.. يا الله ماذا يحدث! لاحقًا أخبروني أنهم جمعّوا كومة أشلاء لزوجتي ووضعوها بكيس قماش".
أشلاء الشهيدة آلاء الطهراوي.jpg
17DAFAF8-A003-49EF-B7B1-69F61B7775F4.jpeg
 

بكى "إسماعيل" كثيرًا أمام اللحظة التي لا نظرة وداع أخيرة فيها، مستحضرًا كل ذكرياتهما معًا صوت ضحكاتها، نقاشاتهما معًا، أحلامهما، صوتها الممتن عندما رزقهما الله بـ "أحمد" بعد خمس سنوات من الانتظار والشوق : "صار عنّا ابن يا إسماعيل.. الحمد لله".

الذي يستمع إلى "إسماعيل" وهو يحكي عن زوجته، يعرف يقينًا أن "آلاء" لم تكن إنسانة عادية في حياته، وأن أثر فقدها فيه سيكون ممتدًا؛ فهي التي يحلف بـ "حنيّتها ونقاء قلبها"، هي "الهادئة، التي طيّبت سنين عمره"، كما يُحدثنا.

هدية أخيرة..

قبل أن تستشهد كانت "آلاء" قد جهّزت هدية لزوجها بمناسبة عيد ميلاده الذي يُصادف 9 آب، وتركتها في بيت أهلها حتى لا يعرف "إسماعيل" بالمفاجئة، يُكمل: "جاء شقيقها ومد لي كيس هدايا، ثم قال: هاي هدية ألاء إلك لعيد ميلادك، كانت بتخطط لمفاجئة بس! قدر الله".

يعدّها صديقته، وزوجته، والحبيبة، أما طفلها "أحمد" فلم يشهد منها إلا الحنان والحبّ الكبير، تِبعًا لـ "إسماعيل"، كانا يحلمان أن يُصبح هذا الطفل رجلًا سعيدًا نجاحًا في ظلّهما! 

"أحمد" ما زال ينتظر عودة أمه من "المشوار البعيد" ليحتضنها بحرارة كما يفعل كل مرة منذ ثلاث سنوات ونصف، يُنادي عليها فلا يُجيب إلا الصدى. 

يقول والده: "إن أحمد لم يُفارق حضن أمه منذ والدته، لذا هو دائم السؤال عنها، والعجز هو إجابتنا الوحيدة (..) سيكبر ويعرف قصتها وأنها لم تختار البعد عنا طواعية".