الساعة 00:00 م
الجمعة 19 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.72 جنيه إسترليني
5.35 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.04 يورو
3.79 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

كابوس الاحتلال المُزعج..

تحليل عملية القدس.. خرق أمني من العيار الثقيل ماذا بعد؟

حجم الخط
عملية القدس
رام الله – يوسف فقيه – وكالة سند للأنباء

مثّلت عملية إطلاق النار التي نفذها الشهيد الشاب خيري علقم (21 عامًا) مساء أمس الجمعة في مدينة القدس، خرقًا أمنيًا جديدًا في منظومة الاستخبارات الإسرائيلية، لكن هذه المرّة من العيار الثقيل، بعد أن خلّفت 8 قتلى مستوطنين وإصابة 10 بينهم حالات خطيرة.

هذه العملية التي نفذها "علقم" منفردًا، وتلاها عملية أخرى صباح اليوم أصابت مستوطنين اثنين جراح أحدهما وصفت بـ "بالغة الخطورة" ، أعادت الضوء مجددًا على الدور الذي تلعبه العمليات الفردية في تاريخ النضال الفلسطيني، وما تُشكله من أرق للحكومات الإسرائيلية المتعاقبة في ظل تآكل سياسة الردع ضد منفذي العمليات.

هذا القلق عبّر عنه بشكلٍ واضح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي صرّح عند مغادرته موقع العملية أمس بالقول: "العمليات الفردية التي لا تقف خلفها بنية تحتية، هي أكثر ما يقلق المؤسسة الأمنية للاحتلال".

323947541_1126376274704884_3470880508103034481_n.jpg
 

مختصون يجمعون في أحاديث منفصلة مع "وكالة سند للأنباء" أن عملية القدس شكلّت مفاجأة لـ "إسرائيل" على مختلف المستويات الأمنية والسياسة والعسكرية، والتي اعتُبرت كردٍ طبيعي على مجزرة جنين التي سبقتها بيومٍ واحد فقط، وارتقى فيها 9 شهداء.

ويعتقد المختصون أن وتيرة هذا النوع من العمليات قد ترتفع في ظل استمرار جرائم الاحتلال بحق الفلسطينيين بالضفة الغربية ومدينة القدس، والتي أسفرت منذ مطلع العام وحتى الآن عن 32 شهيدًا بينهم أطفال وسيدة مسنة.

حالة الإرباك ظهرت جليًا في "إسرائيل"..

يقول المختص بالشأن الإسرائيلي عمر جعارة، إن الجانب الإسرائيلي نظر إلى عملية إطلاق النار في القدس بأنها "فريدة ومميزة" على أكثر من ناحية سواءً مهارة المنفذ، وموقعها، بالإضافة للحصيلة الثقيلة التي أوقعتها وتركت صعقة لدى الإسرائليين.

ويشير "جعارة" إلى أن حالة الإرباك الاسرائيلي ظهرت جليًا في وسائل الإعلام والدوائر المختلفة حول ما جرى، فالمنفذ استمر بإطلاق النار لـ 20 دقيقة دون وصول قوات الشرطة، وقطع مسافة 250 مترًا من موقع العملية إلى حاجزٍ عسكري قرب بلدة بيت حنينا، وصمم على الاشتباك حتى آخر نفس.

ويلفت إلى أن هذه التفاصيل، جعلت "نتنياهو" ووزير "الأمن القومي" في حكومته إيتمار بن غفير، في حالة صمت مطبق خلال تواجدهم في مكان العملية.

استنفار.webp
 

ويشكك "جعارة" في جدوى القرارات الإسرائيلية وطبيعة الرد على العملية مشيرًا إلى أنها لن تتجاوز العقاب الجماعي بحق المنطقة التي خرج منها المنفذ وعائلته وهدم بيته، وهذه الوسائل ثبت للإسرائيليين أنها لا تُشكل رادعًا لأي شخص يُفكر بتنفيذ عملية فدائية لاحقًا.

وقرر جيش الاحتلال تعزيز قواته في الضفة الغربية، ورفع حالة التأهب إلى أعلى مستوى بدءًا من صباح اليوم؛ استعدادًا لأي تطورات ميدانية أخرى قد تحدث.

كما توعد "بن غفير" بـ "رد قوي وبتغيير الأوامر المنظمة لإطلاق النار، وتسليح المزيد من المستوطنين في الفترة المقبلة"، ترافق ذلك مع تصريحات لـ "نتنياهو" ومفوض شرطة الاحتلال يعقوب شبتاي وصفا فيها العملية بـ "أسوأ وأقسى ما شهدته إسرائيل خلال السنوات الماضية".

لكنّ "جعارة" يؤكد بأن "إسرائيل" مقتنعة بـ "عدم قدرتها على ردع الفلسطينيين، وإيقاف مقاومتهم بشكلٍ مطلق (..) لن يحصلوا على صفر مقاومة في الضفة حتى لو كانت حكومتهم يمينية متطرفة كالتي تحكمهم الآن، والدليل ما جرى أمس واليوم، هم يقفون بعجز أمام نمط العمليات الفردية".

ويشعر الإسرائيليون – وفقًا لجعارة - بخطر العمليات الفردية التي تأتي بمبادرة ذاتية وليست من بنى تنظيمية معروفة أو من الفصائل، وتقف المخابرات الإسرائيلية عاجزة عن الحصول على معلومات محددة.

وبالتالي يقول "جعارة" إن "الخطر الذي تخشاه إسرائيل هو أن تكون أمام انتفاضة فلسطينية شعبية يقودها أفراد، وتفوق قدرة الأمن الإسرائيلي على مواجهتها".

2.jpg
 

عملية القدس.. تطور حالة التحدي

من جهته يلخص اللواء المتقاعد والخبير العسكري يوسف الشرقاوي وصف عملية القدس بالقول: "إنها تُشكل تطور لحالة التحدي والمواجهة التي تشهدها الضفة الغربية والقدس"، لافتًا إلى أنها واحدة من العمليات التي تمتاز بـ "الجرأة" أكثر من سابقاتها.

عسكريًا يتم وصف هذا النمط من العمليات بـ "الذئاب المنفردة" والشكوى هي أن تتبعها صعب جدًا بل هي الأخطر على الإطلاق كونها لا تتعرف على شخصية المهاجم إلا حين تنفيذ العملية أول استشهاده، وفق "شرقاوي".

ويُرجح بعد عمليتي إطلاق النار بالقدس أن يكون هناك تدحرج في حالة التحدي والعمليات الفردية وأن تكون أكثر إيلامًا وإيقاعًا للقتلى والإصابات، وقد تتوسع دائرتها، وبذلك حتما ستُحدث "كيّْ وعيّْ" متسارع في الشارع الإسرائيلي ودوائر أمن الاحتلال.

قتلى.jpg
 

ومن وجهة نظر "الشرقاوي" فإن تطورة حالة المواجهة والتحدي تكسر كل قواعد المكافأة بالسلاح والتدريب والإعداد، وهو ما أظهره خيري علقم من خلال مسدسه الشخصي الخفيف، موقعًا هذا العدد من القتلى والجرحى.

يُضاف إلى ذلك أن الشباب الفلسطيني أيقن مؤخرًا بأن الحراكات الدبلوماسية لن تُمكنه من نيل حقوقه، فاختار أن يُعبّر عن ذاته بحالة التحدى الموجودة الآن.

وبالرغم من ذلك يرى أن التحليل العسكري الإسرائيلي لهذا النمط من العمليات لا زال قائمًا على موقف الغطرسة والقوة الذي يغيب عنه تقدير الموقف الجيد، وسط انسياق لعجرفة العقلية اليمينية المتطرفة.

وحول قرار الاحتلال نشر مزيد من قواته ووحدة "اليمام" في الضفة الغربية، لا يستبعد "الشرقاوي" أن يزيد ذلك من مساحة الخسائر الإسرائيلية ولا يقللها، وتكون حينها هذه القوات هدفًا لعمليات قادمة.

ويؤكد أن مواجهة العمليات الفريدة غير ممكن عسكريًا وأمنيًا، وهذا يحصر الخيارات أمام الجانب الإسرائيلي باثنين إما الإبادة الجماعية، أو الانصياع لحقوق الفلسطينيين؛ فهم لا يتعاملون مع قوات أو أفراد تنظيمات واضحين، وهذا ما يجعل المنظومة العكسرية بكل ما تملكه من قدرات عاجزة عن تحديد منفذ العملية القادمة وأين سيكون هدفه أصلًا.

قد نشهد تدخلات دولية وأمريكية..

وفي ضوء تزايد عمليات المقاومة والالتفاف الشعبي الكبير حولها، رغم انتهاكات الاحتلال التي لم تتوقف بشاعتها، يتوقع أستاذ العلوم السياسية في جامعة الخليل بلال الشوبكي، التدخل على المستوى الدولي وخاصة الأمريكي ودفع الساحة إلى الهدوء، لكن تطرف حكومة الاحتلال تُشير إلى التصعيد.

ويوضح "الشوبكي" أنّ مستقبل العلاقة بين السلطة الفلسطينية و"إسرائيل" سيكون رهنًا لما سيجري في الأيام القادمة من ردة فعل إسرائيلية على عملية القدس، فإذا لم تُقدم الأخيرة على أعمال عدوانية أخرى ستعود العلاقة إلى ما كانت عليه سابقًا وسيعود التنسيق الأمني رغم الحديث عن إيقافه.

لكن في حال تدهور الأوضاع بعدوانٍ إسرائيلي أكبر، فلن يكون بمقدر السلطة الفلسطينية القيام بأي أدوار أمنية في ظل هذه الحالة، وهذا ما شهدناه في بداية الانتفاضة الثانية.

ومساء اليوم حمّلت قيادة منظمة التحرير، حكومة الاحتلال المسؤولية الكاملة على التصعيد الخطير الذي وصلت  إليه الأوضاع بسبب جرائمها، مؤكدةً الاستمرار في تطبيق القرارات التي اتخذتها في اجتماعها الخميس الماضي بوقف التسنيق الأمني، على أن تواصل العمل مع الجهات الدولية، والعربية لتوفير الدعم، والإسناد، والحماية الدولية، للشعب الفلسطيني.

ويؤكد "الشوبكي" أن الإسرائليين معنيين بفتح جبهة ومواجهة مع الفلسطينيين، وهذا يتعلق بالدرجة الأولى إلى الضغوطات التي يُمارسها المجتمع الإسرئيلي، وأزماتهم الداخلية من مختلف النواحي القانونية والاجتماعية والسياسية قائلًا: "إنهم يريدون فتح جبهة خاريجة تُعيد رص صفوفهم".

لكنّ الحكومة الحالية في "إسرائيل" لا تُريد فتح جبهة في الضفة، إنما تريد مواجهة تُمارس من خلالها أبشع أشكال العنف، بحسب ما أورده "الشوبكي".

ويقرأ ضيفنا تعقيد المشهد بالنسبة لـ "إسرائيل" في أنّ ما نفذه الشهيد الشاب خيري علقم في القدس كان منفردًا، وسط تأكيدات أمنية بعدم انتمائه لأي فصيل فلسطيني، وهذا ما يصعب تتبعه أمنيًا وعسكريًا، ويُسقط خيار المواجهة مع فصيل واحد.

الجدير ذكره أن عمليات المقاومة تصاعدت العام المنصرم حيث بلغت في مجملها 7216 عملًا مقاومًا، منها 413 عملية إطلاق نار.

وأسفرت هذه العمليات في جملها عن مقتل 31 جنديًا ومستوطنًا وإصابة آخرين، وهي حصيلة ثقيلة من الخسائر البشرية الإسرائيلية في عام واحد تميز بازدياد عمليات إطلاق النار في الضفة قرابة 7 أضعاف ونصف العام الذي سبقه 2021، وسط تقديرات إسرائيلية سوداوية لشكل المواجهة في العام 2023.