الساعة 00:00 م
الخميس 18 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.72 جنيه إسترليني
5.35 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.04 يورو
3.79 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

زُف شهيدًا من منزل صديقه..

خاص بالفيديو حوارٌ صامت وذكريات نازفة.. عن الشهيد عز الدين صلاحات وقلب الأم الذي احتضنه

حجم الخط
الشهيد عز الدين صلاحات
غزة/ جنين - فاتن عياد الحميدي - وكالة سند للأنباء

جلست بالقرب من جثمانه المسجّى على عتبة منزلها، بعد أن نجحت بإدخاله في محاولة لإنقاذه من إصابته برصاص قناص إسرائيلي صباح يوم الـ 26 من يناير/ كانون 2023، غطّت جسده النحيل المضرج بالدماء، وجلست قرب رأسه تلبسه الكوفية الفلسطينية، وتغني له بصوتٍ حزين مرتجف: "مع السلامة يما.. مع السلامة يا مسك فايح".

هكذا ودّعت السيدة أم العبد خريوش صديق ابنها الشهيد عز الدين صلاحات (22 عامًا)، الذي كان قدره أن يستشهد على باب منزلها خلال المجزرة البشعة التي نفذها جيش الاحتلال في مخيم جنين شمال الضفة الغربية يوم الخميس الماضي، وأدت لارتقاء 10 شهداء، بينهم سيدة مسنة.

ثلاث ساعات مرّت و"أم العبد" تعانق الألم، تمسح على رأس الشهيد بيدها، تتحسّس ملامحه، وتغني له، وكأنها تهيئ عريسًا لزفته.

خطوط الدم والذكريات..

لفظ "صلاحات" أنفاسه الأخيرة على مدخل بيت رفيق دربه جمال خريوش، الذي طالما دخله مراراً، ليخرج منه محمولاً على الأكتاف، مخلفاً وراءه خطوط الدم على الأرض وعشرات الذكريات.

بنبرة هادئة أشعلت في الذاكرة نار الجرح الذي لم ينطفئ، تقول السيدة أم العبد خريوش لـ"وكالة سند للأنباء": "كان عز الدين صلاحات أول إصابة وأول شهيد ارتقى في مجزرة جنين، حيث أودت به رصاصة قوة إسرائيلية خاصة اخترقت قلبه، من مسافة مترين وعلى باب بيتي".

ففي صباح السادس والعشرين من شهر يناير الجاري، استيقظ أهالي جنين ومخيمها على أزيز الرصاص الذي أودى بحياة 10 شبان من بينهم سيدة خلال اقتحام جيش الاحتلال للمخيم في عملية موسعة بذريعة اعتقال من وصفتهم بـ"المطلوبين".

وعن تفاصيل اللحظات الأولى تحدثنا "أم العبد": "لم نكن نعرف هوية الشهيد، فقد أصيب خارج البيت وكان ملثمًا، عندما رآه ابني رفض أن يتركه بالخارج، وقال: لو بدنا ننطخ معه، ما رح نتركه برة البيت".

كان "صلاحات" مرتدياً لثامه ليخفي بعضاً من ملامح وجهه، فلم يُعرف من هو هذا الشهيد حتى أُدخل المنزل، وكُشف اللثام، وارتسمت ملامح الصدمة "هذا عز الدين صلاحات يما صاحب جمال!".

بخطوات مثقلة نزلت عن سلم بيتها وبيدها كوفية فلسطينية، لتلف بها "العريس" الذي زار بيتها في ساعات الصباح الباكر، فتحدثنا قائلة، "نزلت عن الدرج ولفيته بالكوفية وسلمت عليه، ودعته وغنيتله لأنه عريس اليوم، وتحقق الحلم اللي كان يتمناه".

ثلاث ساعات من الوداع واحتضان الشهيد، كانت بمثابة ثلاثة أعوام قاسية مرّت على "أم العبد"، وبصوتٍ يخنقه الحزن تكمل حديثها: "حققتله حلمه وزُف شهيدًا كما تمنى".

مقطع الفيديو الذي جمع "أم العبد" بالشهيد "عز الدين" راج عبر منصات التواصل الاجتماعي، ومسّ قلوب الأمهات على وجه التحديد، فكل واحدة منهن تُفكر وتسأل: "هل أكون مكانها يومًا ما، وأتجرع هذه الحسرة؟"، ما دام الاحتلال على هذه الأرض، فنصيب الفلسطيني من الفقد كبير.

وتسرد لنا: "في صباح ذلك اليوم اعتلى قناصة جيش الاحتلال الإسرائيلي أسطح بيوت الجيران، وشرعوا بإطلاق النار على كل شيء، كما أن الدوريات تقف على أبواب المنازل، مانعةً أحداً من الاقتراب إلى المنطقة أو معالجة المصابين".

لم تستطع سيارات الإسعاف من الوصول لمنزل "أم العبد" لاستلام الشهيد، فكل شيء كان كان مستهدفًا من رصاص الاحتلال، وبعد 3 ساعات من الوداع والالتفات الصامت برهبة أمام جثمان الشهيد، تمكنت طواقم الإسعاف من نقل "صلاحات" إلى المستشفى، بعد أن انسحبت قوات الاحتلال من المخيم.

ولم تتمكن "أم العبد" من زيارة والدة الشهيد عز الدين صلاحات حينها، فرهبة الموقف كانت أقوى من كل شيء، لتزورها بعد يومين من الحادثة وتربط على قلبها وتساندها.

الوداع عُمرة..

لم تكن حادثة استشهاد "صلاحات" بالأمر الهيّن على قلب "أم العبد" وعائلتها، كيف لا؟ وهو رفيق درب ابنها "جمال، وصديق طفولته، إلا أنه لم يتمكن من وداعه والمشاركة في تشييعه، بسبب سفره لأداء العمرة.

وعن حال ابنها تقول لنا ضيفتنا: "لم يتوقف جمال عن البكاء منذ أن سمع خبر استشهاد صديقه، وليطفئ شيئا من ألمه أدّى مناسك العمرة عن روحه".

وتردف: "طلب مني جمال أن أبقي على دماء "عز الدين" أمام البيت حتى يأتي ويرى مكان استشهاده وآثار مروره، مضيفةً "حاولنا تهدئته بكل الطرق، إلا أن ألم الفراق أقوى".

ترقب وخوف..

تصمت الحاجة "أم العبد" قليلًا، وكأنها تسترجع مشاهد ذلك اليوم المؤلم، وتقول: "صرنا نخاف من يوم الخميس"، وصادفت معظم اقتحامات قوات الاحتلال لمخيم جنين يومي الأربعاء والخميس، فيدخل المخيم في حالة استنفار، وسط تحليق مكثف لطائرات الاستطلاع.

وتضيف: "خريوش": "معظم شهداء جنين تم استهدافهم يومي الأربعاء والخميس، كما الاقتحامات التي تنقض علينا في هذين اليومين بشكل أكبر، فمع كل فجر نردد الحمدلله الذي أبقانا الليلة أحياء!"