الساعة 00:00 م
الخميس 02 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.71 جنيه إسترليني
5.3 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.03 يورو
3.76 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

أطفال غزة يدفعون ثمن الأسلحة المحرمة

معروف: معلبات مفخخة يتركها الاحتلال بمنازل غزة

الشهيد بلال قدح.. إعدام بدمٍ بارد وفراقٌ صادم

حجم الخط
بلال قدح
رام الله- فرح البرغوثي- وكالة سند للأنباء

لم يكن العاشر من تموز/ يوليو الجاري يومًا عاديًا في حياة عائلة "قدح" من قرية شقبا قرب رام الله، بعد أن وقع عليها نبأ استشهاد ابنها "بلال" (34 عامًا) وإعدامه بدم بارد بعدة رصاصات اخترقت جسده، وتركه ملقًا على الأرض لنحو ساعتين دون تقديم العلاج له.

لم يكن "بلال" يعلم أنّ الكلمات الذي نشرها على صفحته على فيسبوك "اللهم ارزقنا حُسنَ الخاتمة"، ستكون منشوره الأخير، ولم يكن بعلم أطفاله الثلاثة أنهم سيكملون أيامهم ويكبرون أيتامًا، بعد أن قرر جندي إسرائيلي إنهاء حياة والدهم بدم بارد.

والشهيد بلال قدح، أب لثلاثة أطفال، ولدين وبنت، أكبرهم يبلغ من العمر عشر سنوات، سيُحرمون بعد اليوم من دفءِ المنزل وضحكته، لن يقولوا كلمة "بابا"، أو يلتقطوا معه صورًا في مراحلهم العُمرية كافة، وستراقبهم والدتهم وفي قلبها جرحًا غائرًا لن يندملَ.

واستشهد بلال بعد أن أطلقت قوات الاحتلال النار عليه بدمٍ بارد قرب قرية دير نظام غرب رام الله، في الـ10 من تموز الجاري؛ مُدّعية أنّه ألقى قنبلة يدوية عليهم، ثُمّ أطلق عدّة رصاصات نحوَ الجنود، ليُشعِلَ برحيله نارًا في قلبِ عائلته وكلّ من يُحبه، ويُحرم أطفاله من حُضنه الحنون، وشعور الأمان.

"مطرٌ من الرصاص"..

وعن تفاصيل ما جرى، يقول أحد شهود العيان الذي يقطن في قرية دير نظام، إن مركبة الشهيد "بلال" قد تعطلت، واضطرَّ للوقوف على مفترق الطرق المُؤدي إلى قريتي دير نظام وبيتلّلو، ومستوطنة "حلميش" غربي رام الله، محاولًا إصلاحها.

فيما يروي شاهد عيان آخر لـ "وكالة سند للأنباء": "ظهر يوم الإثنين الماضي، سمعنا إطلاق أكثر من عشر رصاصات، وعندما خرجنا وجدنا شابًا ملقىً على الأرض، بجانب مركبته البيضاء".

ويُبيّن أن أهالي المنطقة توجهوا مُسرعين للمكان من أجل إسعاف الشاب، ومحاولة إنقاذه؛ لكنّ جنود الاحتلال منعوهم من الوصول، وهددوهم بإطلاق الرصاص الحيّ تجاههم بشكلٍ مباشر.

ويتابع: "بقيَ الشاب مطروحًا على الأرض لأكثرِ من ساعتين، ومنع جنود الاحتلال مركبة إسعاف الهلال الأحمر الفلسطيني من الوصول لمكانه، كما استهدفوا الطواقم الصحفية بالقنابل الصوتية".

ويُكمل وصف المشهد: "تم تصفية بلال بدمٍ بارد، وإطلاق النار على مركبته من الجهة الخلفية، ولقد رأيناه وهو مُلقى، ولم يكن بجانبه أيّ شيء، وبعد دقائق قليلة، حضر جيب عسكري آخر، وألقى بجانبه سلاحًا من نوع كارلو، ونشروا صورًا لذلك عبر وسائل الإعلام العبرية".

ويلفتُ شاهد العيان، أنه يوجد في هذا الشارع مستوطن راعي بقر، يحتل أرضًا منذ عدّة سنوات، ويعتدي على الأهالي والمارّة بشكلٍ دائم، كما يشتكي لجنود الاحتلال عن أيّ مواطن يدخل هذا الشارع، ويُطلقون النار تجاهه.

"خبرٌ مُفاجئ"

لحظاتٌ قاسية لن تُمحى من الذاكرة، عاشتها عائلة قدح، بعد أن وصلها نبأ ارتقاء نجلها "بلال" عبر الهاتف، وانتشرت صور مركبته البيضاء عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام.

في مثلِ هذه المشاهد، تتجمدُ الكلمات، ويصبحُ ذرفَ الدموع وترديد الدعاء سيدا الموقف، ويصفُ والده "إبراهيم قدح" لـ "وكالة سند للأنباء" لحظة تلقيه خبر استشهاد نجله بقوله: "صُدمنا جميعًا وتفاجأنا.. الحمد لله رب العالمين الذي اصطفاه شهيدًا".

وعند سؤاله "كيف وصلكم هذا الخبر؟"، يُجيب: "بدأ أصدقاء بلال يتصلون بي واحدًا تلوَ الآخر، ويسألون عن حاله، ويخبرونني أنه لا يجيب على هاتفه.. يبدو أنهم جميعًا تعرّفوا على بلال من مركبته".

ويضيف: "عَلِمنا أن بلال استشهد من اتصالات الهاتف، وأخبار مواقع السوشال ميديا، ولم تتصل بنا أيّ جهة رسمية وتُبلغنا بذلك.. هذا أصعب خبر في الحياة أن نعلم أنه ارتقى شهيدًا وبشكلٍ فجائي".

ويُحدّثنا ودموعه تسبق كلماته: "نحنُ لا نعلم ماذا حدث معه، ولا نقول إلا إنّا لله وإنّا إليه راجعون.. اللّهمَّ صبرًا وجبرًا لقلوبنا وقلوب أطفاله وزوجته على رحيله.. الحمد لله".

"رحل دفء المنزل"

"رَحل بلال بعد 34 عامًا من الذكريات والمواقف التي لا تُنسى، تركَ حُزنًا كبيرًا وفراغًا أكبر، نسأل الله أنّ يجمعنا معه في جنّات النعيم"، يُردّد والده المكلوم هذه الكلمات، يصمتُ قليلًا ثمّ يحاول تمالُكَ نفسه مُجدّداً.

ويُخبرنا عن نجله: "بلال من أجمل الشباب، مُهذّب، يَهرع دومًا لمساعدة الآخرين، يُحبّه كلّ من يعرفه، يتمتّع بالأخلاق والهدوء، وطيبة القلب، والابتسامة الصادقة".

كان "بلال" يقضي ساعات يومه بين المنزل والعمل، فهو شابٌ طموح يعمل بكدٍّ وجدّ من أجل أن يعيشَ أطفاله الثلاثة، حياةً كريمةً، لكنّه الاحتلال يسرقُ برصاصه الحاقد أحلام الفلسطيني، ويخطفه من أحضان عائلته.

ويختم "ضيف سند": "بلال يعشق عائلته وأطفاله، كان يحبُّ شقيقاته وأشقائه، ويحترم الجميع، لكنه ارتقى شهيدًا.. اللّهمَّ تقبله".

ولم يكتفِ الاحتلال بهذا العذاب، بل احتجزَ جُثمان "بلال"، وحرمَ عائلته وأطفاله من إلقاءِ نظرةِ الوداع الأخيرة عليه، وطبعِ قُبلةٍ على جبينه البارد؛ لتبقى في قلوبِهم حسرةً وجراحًا لا تَبرأ مهما مرّت الأيام، وكلّما تذكروا أن جسده في ثلاجةٍ باردة، تشتعلُ بداخلهم نار القهر.