الساعة 00:00 م
الأحد 05 مايو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.66 جنيه إسترليني
5.24 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4 يورو
3.72 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

قنابل وصواريخ غير متفجرة.. خطر يداهم حياة الغزيين

عدنان البرش .. اغتيال طبيب يفضح التعذيب في سجون الاحتلال

حُلم بالهندسة لم يكتمل..

خاص بالفيديو تفوق بمعدل 90.4%.. الطالب مجدي عرعراوي نال الشَّهادة قبل الشِّهادة

حجم الخط
الشهيد مجدي عرعراوي
غزة/جنين – إيمان شبير – وكالة سند للأنباء

قُرعت طبول الفرح، وعمّت الزغاريد في بيوت الناجحين في الثانوية العامة، أجواء البهجة تملأ شوارع فلسطين اليوم، لكن مهلًا، هناك فرحة مخطوفة في جنين، انقلبت لدموع وقهر وحزن في منزل الطالب مجدي عرعراوي (17 عامًا)، الذي تقدم للامتحانات في مدرسة جنين الصناعية، لكنّه رحل شهيدًا بعدها.

داخل منزله، اختلطت المشاعر بين فرحة تفوقه بمعدل 90.4% وبين حزن على فراقه وعدم احتضانه في يومٍ كهذا، وتبدّل كل شي اليوم لغصة في حلق عائلته، بعد أن ارتقى خلال العدوان الإسرائيلي على مخيم جنين شمال الضفة الغربية، في 4 يويليو/ تموز الجاري، فنال ما هو أعظم من نتيجة الثانوية.

وصباح اليوم، أعلنت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية نتائج الثانوية العامة، وسط أجواء من الفرحة في أرجاء الوطن، ومشاعر مختلطة في منازل الطلبة الشهداء.

"مجدي"، واحد من بين ثلاثة أقمار، خطفتهم رصاصات الاحتلال في عدوان مخيم جنين عن مقاعد الدراسة، وهم: عبد الرحمن حسن صعابنة من مدرسة ذكور فحمة الثانوية، ومصطفى قاسم من مدرسة ذكور فرحات الثانوية.

كان "مجدي" يحلم أن ينتهي العام الدراسي بتفوق، ليلتحق في أحد الجامعات تخصصه الذي تمناه "هندسة الإلكترونيات"، لكن رصاصات الاحتلال التي استقرّت في رقبته وصدره أنهت أحلامه، وحرمته حتى أن يعيش فرحة التفوق.

"وعدٌ لم يكتمل"..

"الله أعطاكِ ولدين، اوهبيني أنا لله".. لم تكن هذه الكلمات مجرد حروف، كانت إشارات ربانية لقلب الأم بأن تتهيأ لخبر استشهاد نجلها مجدي عرعراوي (17 عامًا) الطالب في الثانوية العامة لهذا العام.

أم الشهيد مجدي تنهدت قليلًا، قبل أن تستهل حديثها: "تربطني علاقة قوية بابني مجدي، كنتُ له الأم والأب والصاحب وكل شيء، وكان هو السند الذي لا يميل في غياب والده المتوفى منذ سنوات.

وعن صفاته التي لا مثيل لها، تُبيّن لـ "وكالة سند للأنباء"، "ابني حنون، عطوف، خلوق، مجتهد، خدوم، ويتمتع بالذكاء جدًّا، وهذا ما كنت ألاحظه عندما كان يدرس المواد العلمية، وكان لديه حماس ورغبة بالحصول على درجات عالية في شهادة الثانوية العامة".

أما عن حلمه وأمنيته في إكمال دراسته، تخبرنا أم الشهيد: "وعدني مجدي أنه سيتخصص في الجامعة هندسة إلكترونيات؛ ليُعيننا على مصاريف الحياة".

وقبل استشهاده، لم تمر فترة الثانوية العامة على عائلة مجدي بشكل طبيعي، فقد اعتقل قبل شهرين من استشهاده، وأطلق سراحه بعد انتهاء الامتحانات التجريبية للثانوية العامة، وتحدثنا والدته عن أيامه تلك: "اجتهد مجدي كثيرًا، وكل الأساتذة تعاونوا معه وساعدوه في المواد التي تأخر عنها كثيرًا، وعدني أنه سيرفع رأسي عاليا يوم النتائج، لكنه نال الشهادة وهو أشرف ما ينال".

"الوضوء الأخير"..

بصوتٍ يملأه النحيب تقول إم الشهيد مجدي، "قلب الأم لا يُمكن أن ينحرف عن الحقيقة، ثمة إحساس داهمني صباح استشهاده، كنت أتأمله كثيرًا، أتأمل حركاته كأي شابٍ ينتظر الجيش، أيضًا تأملتُ ضحكته الجميلة وكأنه كان يصنع لي ذكريات ليومٍ لا أراه فيه".

وماذا عن اللحظات الأخيرة قبل استشهاده؟، تُجيبنا بصوتٍ متقطع من الدموع، "كنتُ مع ابني مجدي في الحارة عند الاجتياح، أرافقه مثل ظله، أحاول إقناعه للرجوع إلى البيت، اقتنع لأجل أن يفطر معي ويرجع مرة أخرى، وكأنه كان يدري أنه الفطور الأخير".

وتسرد والدة الشهيد تفاصيل الوجع، "ابني مجدي كان يأكل بسرعة غير طبيعية، ويشرب الشاي على عجالة، وكأن شيئًا ما كان في انتظاره، ذهب ليتوضأ لصلاة الظهر، فزوجة أخيه قالت له: "مش وقت تطلع بهاد الوقت".. نظر إليها بنظرةٍ وقال: "ربما يكون الوضوء الأخير، واليوم الأخير".

وتُتابع، "سمع صوت إطلاق رصاص، فـعَلِم أن صديقه الشهيد علي الغول أصيب، فذهب مُسرعًا لانتشال صديقه وانقاذه، لكنّ قنّاص الاحتلال كان يرقب خطوات مجدي، حتى استقرّت رصاصات الغدر في جسد فلذة كبدي".

وتعود بذاكرتها قليلًا إلى اليوم الأخير في تقديم اختبارات الثانوية العامة 28 يونيو/حزيران الماضي، تقول: "كان يوجد حديث بين ابني مجدي وقريبته "زينة" من جيله حيث كان يساعدها في مادة الرياضيات تسأله قريبته: "كيف شعورك وأنت اليوم أنهيت آخر اختبار في توجيهي؟"، يُجيبها: "شعوري اكتئاب حاسس حالي رح أطلع من الحياة مش بس من التوجيهي".

وتؤكد والدة الشهيدة، أن نجلها مجدي أكرمه الله -عز وجل- بشهادةٍ أعظم من الثانوية العامة، وبات اسمه على كل لسان وفخر للجميع بأفعاله وبطولاته.

توضح أم مجدي، أن ابنها تأثر بصديقه أمجد الفايد الملقب بـ "فرعون" الذي ارتقى العام الماضي، وأصبحت المقاومة تجري في دم ابنها بعد استشهاد صديقه.

وبألم تسرد، "كنتُ دائمًا أقول له يما أنا ماليش غيرك يما ضلك عندي، لكن كان حب الوطن أكبر من أي شيء آخر وكان يُردد "أنا واهب نفسي لله".

وبدموعٍ سبقت حديثها تُردف، "كلما اقتحم الجيش الإسرائيلي مخيم جنين، كنت أركض خلف ابني مجدي وأبحث عنه في الشوارع لأجل أن يبقى في المنزل، لافتةً إلى أن يوم اجتياح جنين الأخير في 4 يوليو/تموز كل المقاومين عندما انتهت ذخيرتهم انسحبوا إلا مجدي، قلت له "لا يوجد أحد، الحارة سقطت".. فردَّ عليًّ "معلش إلى النفس الأخير يا إمي".

وتُكمل بنبرةٍ شجية، "كان دائمًا يقول لي، الله وهبك ولدين اوهبيني أنا لله، مستذكرةً شعورها عند سماع خبر استشهاده: "لا لا أنا لم أصدق أن مجدي استشهد، لم أتخيل يومًا أن يذهب عني بهذه السرعة، غادرني مبكرًا دون أن يكمل وعده لي أنه سيبقى بجانبي ولم يجعلني أدفع شيكلًا واحد عليه، لكنني دفعت الآن ثمن غيابه وفراقه".