الساعة 00:00 م
الأربعاء 03 يوليو 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.78 جنيه إسترليني
5.32 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.05 يورو
3.77 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

غزة.. حرب "إسرائيل" العدوانية تطال الأجنة في بطون أمهاتهم

بعد ثمانية ساعات من النزيف في حضنها.. أُم مصطفى تُفجع بعناق أخير

حجم الخط
سمية منون، نساء غزة
فاتن الحميدي - غزة - وكالة سند للأنباء

الموت مُر وكل ما يسلب الإنسان من الإنسان مُر، ثمانية ساعات من القهر وقلة الحيلة، بدأت بالعجز وانتهت بصرخةِ أمٍ مكلومة فُجِعت بطفلها الذي استمر نازفاً في حضنهاطيلة ذلك الوقت، فماذا سيُبرِّد قلب الأُم المُصاب؟ وبماذا ستشعر عند احتضان أي طفلٍ بعد الآن؟

 

السيدة سمية منون مُصابة نازحة من شمال قطاع غزة إلى مدينة دير البلح وسط القطاع، تروي لـ"وكالة سند للأنباء"بعضاً من تفاصيل قصتها، وما تجرعته من قهر جراء فقد زوجها ونجلها مصطفى منون، الذي استلقى نازفاً ثمانية ساعاتفي حضنها.

"من وين أبدأ؟"

"ايييه من وين أبدأ يا بنتي بعد ما سلبوا روحي"، بهذه العبارة حاولت السيدة "منون" أن تستذكر ما وصفته بـ" الكارثة" التيوقعت في تاريخ ٢٣ ديسمبر/ كانون أول ٢٠٢٣.

 

ترجع "منّون"، إلى ذلك التاريخ قائلةً: "نزحنا من بيوتنا إلى مدرسة الصحابة في مدينة غزة، بسبب الأحزمة النارية التيانهالت علينا فجر ذلك اليوم".

 

وتستطرد بالقول:" لم نلفظ أنفاسنا بعد من الخوف والفزع حتى دخلت طائرات انتحارية على الصفوف"، مردفةً " لقد كان ابنسلفي يقف على باب الفصل حتى انفجرت الطائرة به".

 

وبدهشة تقول: " الشاب تفتفت وايده طارت على بنتي عمرها ١٨ سنة، في مشهد مُرعب لا يُنسى".

 

وقررت العائلة بعد هذه الحادثة النزوح إلى مدرسة أخرى، لكنها لم تكن تعلم أن الدبابات كانت أمامهم!

 

وتروي السيدة "منُّون" لـ"وكالة سند للأنباء"، "خرجنا أفواجاً من المدرسة، حتى باغتتنا صواريخ الطائرات الحربية،واستشهد ١٩ شخصاً من العائلة أمام أعيننا، من بينهم زوجي وإخوته الثلاثة، واحدٌ منهم سقط رأسه في حضن طفله خالدذو الخمسة أعوام".

 

وبعد هذا المصاب، تضيف "اعتقدت أن ابني مصطفى استشهد، وبدأت الأحزمة تتجدد والقصف المدفعي يتواصل، ودخلناعلى المدرسة مرة أخرى".

 

تكمل ضيفتنا حديثها: " وبعد برهة من الوقت استهدفتنا قذيفة مدفعية حرقت ٦ أشخاص من ذوي الاحتياجات الخاصةأصبحوا كالفحم".

"أمل كاذب"..

وبعد مرور ثلاثة ساعات على المجازر المتتالية، بدأ الأمل يتسلل إلى قلب السيدة "سمية"، بعد أن أقبل عليها عدد من الشبابيحملون نجلها مصطفى الذي يبلغ ( ١٤ عاماً)، لكنه كما وصفت "كان أملاً كاذباً".

 

وتزيد:" احتضنت ابني مصطفى، وعانقته عناق الغريق الذي تعلق بِقشّة، رغم ما فيه من بتر لليدين والقدمين ونزيف حاد".

 

تتساءل السيدة "منون" بتعجب عن حالها كأم ترى طفلها يلفظ أنفاسه الأخيرة بين أحضانها، وتسترجع معه صوته وذكرياتهوضحكاته ومناكفاته في شريط ذكريات مَر، تمَنّت لو توقف عند ابتسامته الجميلة، ليقطع ذلك أنينه الموجوع.

 

"ما أقسى شعور العجز"، تقول "منون":" ما كنا قادرين نعمل أي شيء، فجُل ما فعلته أن وضعت له كانيولا كانت معي،ومحلول مكمل غذائي، ثم غسلت جرحه الذي ينزف، ولكن عن أي جرح وكلنا جراح".

 

وفي محاولة لإسعافه، خرج أحد الشبان المتواجدين داخل المدرسة براية بيضاء لجيش الاحتلال المتمركز خارج أسوار المدرسة،لإخباره أن لدينا مُصاب بحاجة لإسعاف، وفقاً لما ذكرته ضيفتنا.

 

وبعد برهة من الصمت ونظرة قهر، همست "منون"، "خرج الشاب وعاد مصاباً في قدميه الاثنتين"..

 

وتمر الساعات دقيقة تلو الأخرى كالجبال على صدر أمٍ مكلومة، لا تملك من أمرها شيء وهي ترى فلذة كبدها يتجرع الموتفي أحضانها.

 

تقول: " أنجبت ابني مصطفى بعد سنوات من العلاج، لأني انقطعت عن الخلفة بعد أبنائي لسنوات، وجاء طفلي بعلاج وتلقيح،كما دفعت كل ما أملك حتى أحظى به، فما ذنبنا أن يذهب بلمح البصر؟"

"عناق أخير.."

وحانت الساعة الأخيرة.. وبصوت متحشرج تصف السيدة "منّون" تلك الدقائق بقولها: "انشرخ قلبي، يا ليتني أعطيته روحييعيش واستشهدت بداله".

 

وتتابع لمراسلتنا:" كنت أحضنه حتى أشبع منه، ودمعتي تنزل على جبينه المليء بالندوب، كان بدي ابني يعيش لكن قدر اللهوما شاء فعل"..

 

ثم هدأت أنفاس "مصطفى" وسكت قلبه، وخرجت روحه إلى بارئها شهيداً، تبعتها صرخة أمٍ مفجوعة بطفلها وزوجها وأقاربهاوبيتها ومالها.

 

لكن القصة لم تتقف هنا، حتى بدأت مرارة النزوح إلى الجنوب للعلاج بعد أن أصيبت "منّون" وابنتها، نزوح ملطخ بدماء المأساة والفقد، وليس هذا حال سمية منّون فحسب، إنماحال آلاف الأمهات اللاتي ما زلن يتجرعن مرارة الفقد وغصة الحرب..

 

4a63fad4-4462-4edf-ab3b-267daa3654f2.jpeg