جاءت حرب الإبادة التي ينفذها جيش الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة لتقدّم صورة مرعبةً عن الشكل الدموي الذي يتخذه استعمال الذكاء الاصطناعي في حرب غير متكافئة تكنولوجياً، يتحوّل فيها إلى أداة للتدمير تعزّز العقاب والقتل الجماعي للفلسطينيين.
طوال عقود شكلت غزة مختبراً لقوات الاحتلال اختبرت فيها أسلحة وتقنيات حديثة على الفلسطينيين قبل بيعها للخارج، وخلال السنوات الأخيرة، قبل 7 من أكتوبر/تشرين أول، استخدم الاحتلال طائرات من دون طيار وأسلحة آلية وأبراجاً تعمل بالذكاء الاصطناعي لإنشاء "مناطق قتل آلية" على الحدود مع القطاع.
وجاء العدوان الحالي ليدخل الاحتلال مرحلة جديدة تعتمد إلى حد كبير على التكنولوجيا لتنفيذ استهداف بالأنظمة الذكية لتحديد الأهداف خصوصاً مثل الصحفيين والقيادات السياسية والإغاثية وغيرها في غزة.
خلال الأشهر القليلة الماضية، كشفت تحقيقات وتقارير صحافية مختلفة أنّ قوات الاحتلال تعتمد على أنظمة تعمل بالذكاء الاصطناعي لتوليد الأهداف التي يتعين قصفها، وأبرزها "غوسبل" الذي يحدد مراكز وبنى تحتية، و"لافندر" الذي يحدد الأفراد، لتتبع المقاومين واستهدافهم عندما يكونون في المنزل مع عائلاتهم.
وكشف موقع مجلة 972+ الإسرائيلية مطلع إبريل/ نيسان الماضي، أنّ نظام "لافندر" أنشأ قاعدة بيانات تضم عشرات الآلاف من الفلسطينيين في غزة والذين صنّفهم الاحتلال على أنهم أعضاء من ذوي الرتب المنخفضة في الجناح العسكري لحركة حماس (كتائب القسام).
وعلى الرغم من أنّ تحليلات جيش الاحتلال توصلت إلى أنّ معدل خطأ "لافندر" يصل إلى 10% في تحديد ما إذا كان الشخص ينتمي إلى "حماس"، إلّا أنّها اعتمدت عليه من أجل إنشاء قوائم قتل لكل الفلسطينيين الواردة أسماؤهمفي هذا النظام.
وأدى استعمال البرنامج الذي طوّرته الوحدة 8200 في استخبارات جيش الاحتلال إلى ارتفاع كبيرٍ في عدد الشهداء الفلسطينيين الذي تجاوز 40 ألفاً، إذ وصفت مصادر من جيش الاحتلال لـ"+972" كيف كان يُسمح للجنود بقتل المدنيين.
وقال مصدران إنه خلال الأسابيع الأولى من الحرب، سُمح لهم بقتل 15 أو 20 مدنياً خلال الغارات الجوية، مع العلم أنّ الهجمات على مثل هذه الأهداف تُنفَّذ باستخدام ذخائر غير موجهة تُعرف باسم "القنابل الغبية"، مما يؤدي إلى تدمير منازل بأكملها وقتل جميع ساكنيها.
وإضافةً إلى ذلك، وسّع الاحتلال نظام المراقبة البيومترية للفلسطينيين من الضفة الغربية والقدس إلى غزة. في مارس الماضي، إذ كشف تقرير لصحيفة نيويورك تايمز الأميركية أن جيش الاحتلال الإسرائيلي يستخدم نظام التعرف على الوجوه في القطاع، من أجل جمع وجوه الفلسطينيين وفهرستهم من دون علمهم. كما أشار التقرير إلى أنّ النظام يعتمد على تكنولوجيا من شركة كورسايت الإسرائيلية وشركة "غوغل" الأمريكية لاختيار الوجوه من الحشود وحتى من لقطات الطائرات بدون طيار.
وأثار استخدام الاحتلال للذكاء الاصطناعي في حرب الإبادة المستمرة على غزة مخاوف جهات مختلفة، من بينها خبراء الأمم المتحدة الذين أدانوا في إبريل/ نيسان الماضي، لجوء جنود الاحتلال إلى أدوات الذكاء الاصطناعي في عملياتهم العسكرية، واعتبروا أنّها "تساهم في تفسير العدد الكبير للقتلى وتدمير المنازل في غزة".
بحسب خبراء في الأمم المتحدة فإن استعمال أنظمة الذكاء الاصطناعي يتناقض مع حقوق الإنسان، وتحوّل المدنيين الفلسطينيين إلى أرقام إحصائية، وتخفّف من المسؤولية البشرية في عمليات القتل الجماعي، عدا عن أنّ أنظمة التعلم الآلي أثبتت مراراً أنّها تفتقر إلى الدقة ولا تستطيع التنبؤ تنبؤاً موثوقاً بصفات بشرية معقدة، بالإضافة إلى أنها مدرّبة باستخدام بيانات معيبة أو منحازة.