لم تترك حرب الإبادة التي تشنها "إسرائيل" على قطاع غزة منذ 13 شهرًا متواصلًا أحلامًا تذكر لدى أهالي القطاع المنكوب، فقد بات حلمهم المشترك والوحيد اليوم هو انتهاء الحرب، لا سيما عند من تقف الحرب حائلًا بينهم وبين الشفاء من جروحهم أو محاولة التعايش معها، كمبتوري الأطراف، الذين فقدوا الأمل بالعلاج داخل غزة.
وتنعدم سبل العلاج لمبتوري الأطراف داخل قطاع غزة، جراء الحصار الخانق وتدمير المنظومة الصحة وإخراج المئات من المستشفيات والمراكز والمرافق الصحية عن الخدمة بشكل كامل.
على كرسي متحرك يحاول الشاب عصام أحمد (32 عاما) من مخيم النصيرات وسط قطاع غزة، التجول في مستشفى شهداء الأقصى الذي لا زال يقبع فيه منذ إصابته فجر الرابع من يونيو/ حزيران الماضي، بصاروخ من طائرات الاحتلال الإسرائيلي استهدف منزله وأرداه طريح الفراش.
ذكرى ذلك الصباح لا تزال تطارده، حين دمر صاروخ للاحتلال منزل عائلته المكون من ثلاث طوابق، وكان يأوي ثلاثين نازحا فيه، ما أدى لاستشهاد 5 من أفراد عائلته وإصابة جميع من تبقى.
يروي "أحمد" ما يذكره من أحداث لـ "وكالة سند للأنباء":" صحيت على حالي وأنا تحت الأنقاض، كنا كلنا نايمين.. كانت الشظايا في كل جسمي، ومن ساعتها فقدت الإحساس بقدمي اليمنى".
ويضيف: "بعد عدة محاولات من الجيران والدفاع المدني تمكنوا من إخراجي من تحت الأنقاض ونقلي إلى مستشفى شهداء الأقصى، وأدخلوني لغرفة العمليات فورا بسبب إصابتي الحرجة وقتها".
بقي "أحمد" في غرفة العمليات لمدة ثلاث ساعات، قرر فيها الأطباء بتر قدمه اليمنى من فوق الركبة لسوء حالها، إضافة لإجرائهم عملية أخرى لساقه اليسرى التي عانت من إصابة بالغة حينها.
لم تكن هذه الصدمة أمرا سهلا على الشاب الثلاثيني، يحاول مغالبة مشاعر حزنه العميق ويحدثنا: "بدأت بعد ذلك رحلة علاج وتأهيل لقدمي اليسرى، ولكن انعدام الإمكانيات الطبية اللازمة يؤخر شفاءها".
وبألم يتساءل: "لماذا لا أستطيع تركيب طرف صناعي مثل من بترت قدمه أو ساقه وتمكن من السفر والعلاج في الخارج؟ وما ذنبي لأفقد قدمي؟ وما لذنب الذي اقترفته حتى أفقد 5 من أفراد عائلتي".
السفر للعلاج حلم للمصابين..
في حرب الإبادة المتواصلة منذ 394 يومًا، لا تعد حالة الجريح "أحمد" استثنائية، ولكن القدر كان أكثر لطفا مع الشابة شهد سليمان (24 عاما)، التي استطاعت السفر للخارج للعلاج.
تقول سليمان لـ "وكالة سند للأنباء": "في 11 أكتوبر من العام الماضي كنت أجلس بجانب أختي إيمان في غرفتنا، وعند الساعة الواحدة ونصف بعد منتصف الليل، قصف الاحتلال بيتنا بمدينة غزة، ومن شدة الانفجار طرت خارج منزلنا إلى الشارع".
وتسترسل وهي مغمضة عينيها: "ما كنت فاهمة شو بصير مع إني كنت صاحية بكل لحظة، بعدها استقريت بمكان بالشارع فتحت عيوني لقيت حالي بنص الشارع.. حاولت أنادي على أختي إيمان كانت على بعد أمتار منى على الأرض والناس حوالينا".
دخلت الجريحة "سليمان" لغرفة العمليات قرر فيها الأطباء بتر قدمها اليمنى إثر إصابتها، وبعدما أفاقت من التخدير على خبر استشهاد عدد من أفراد عائلتها فحمدت وصبرت رغم هول المصاب وحجم الألم.
تمكنت "سليمان" من السفر في شهر يناير/كانون الثاني، لدولة قطر لتلقي العلاج فيها، بسبب انعدام الإمكانيات الطبية اللازمة لها بمدينة غزة، فتروي: "أنا الآن أفضل نفسياً بعد وجود والدتي بجواري رغم فقداني لأخوتي.. فعلاجي متوفر واستطعت بعد مدة تركيب طرف صناعي لقدمي وها أنا اليوم أمشي".
وتتمنى "سليمان" أن يحظى جميع الجرحى ومن هم بحاجة للعلاج في قطاع غزة، بفرصة مثلها وأن يحصلوا على طرف صناعي يمكنهم من التحرك بحرية والاستغناء عن العكاز أو الكرسي المتحرك.
ويعد السفر للخارج حلمًا لمصابي الحرب، لا سيما من بترت أطرافهم، في ظل انعدام وسائل العلاج في قطاع غزة جراء استهداف المنظومة الصحية بشكل كامل بالقطاع خلال الحرب المستمرة.
وتشير إحصائيات رسمية محلية ودولية إلى أن الحرب المستمرة على قطاع غزة، تسببت في أكثر من 11 ألف حالة بتر أطراف، من بينها 4 آلاف حالة بتر في أوساط الأطفال، لا تتوفر لهم أطراف صناعية ومتطلبات العلاج اللازمة في القطاع المحاصر.
وتقدر منظمة الصحة العالمية عدد حالات البتر في قطاع غزة بما يتراوح بين 3105 إلى 4050 حالة، مؤكدة أن الإصابات الخطيرة في الأطراف هي السبب الرئيسي للحاجة إلى إعادة تأهيل.
وعلى مدار 13 شهرًا، مارست "إسرائيل" شتى أنواع القتل والإبادة في قطاع غزة، مستخدمة القنابل والأسلحة المحرمة الدولية، والتي تسببت حتى الآن باستشهاد 43,314 شهيدا، و102,019 مصابا، وفق التقرير الصادر عن وزارة الصحة ظهر أمس السبت.