لعلنا تساءلنا يوماً عن شعور الشهيد الأخير، عن الساعات واللحظات التي تسبق ارتقاءه، بمن كانت آخر محادثاته، وكيف كانت كلماته؟ وسرعان ما تنقلنا أيدينا إلى صفحاتهم الشخصية على مواقع التواصل الاجتماعي لنرى بماذا خُتِم له، وما آخر ما خطه قلمه من شعور أو ربما عبارات وداع، حيث كتاباتهم الأخيرة وأمنيات ما قبل الرحيل!
وبعد 400 يومٍ من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، 13 شهراً من القتل والدمار، والفراق وحسرات المحبين، فقد ارتقى 43,508 شهداء و102,684 مصابا، مخلِّفين وراءهم أكثر من 43 ألف قصة وذكرى، وأمنيات ودعوات والكثير من الدمعات، قتلها صاروخ غاشم!
وفي إطار متابعتها، رصدت "وكالة سند للأنباء" بعضاً من ذكريات الشهداء، وكتاباتهم قبل الرحيل، على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي.
كتبوا قبل رحيلهم..
الشهيد صهيب الحاطوم، أحد ضحايا استهدافات الاحتلال الإسرائيلي كتب على صفحته الشخصية في فيسبوك "جاهزون نحن للشهادة كما كنا جاهزين يوماً ما للحياة، جاهزون لأن تُسمع أسماؤنا من الجميع ويُزخرف بعدها بـالشهيد".
أما الشهيد مراد أبو غولة، كتب بحزن الفاقد المشتاق، الذي تجرع ألم فقد نجله الذي سبقه إلى جنان الخلد، "من أكتر الشغلات إللّي بفتقدها وبتمناها أنه أضم عُدي، كتير بيجيني عدي بأحلامي وبضمه بقوة، إلا أنه صارت هاد الأحلام متعبة، وأنا بحضنه داخل الحلم بقول هاد حلم وبصير ألمسه لأتأكد أنه مش حلم، وفي كل مرة بكتشف أنه حلم وبصحى على الواقع المر، اللّهم اجمعني به ولا تحرمني لقاءه".
وهذا الشهيد فنان المقاومة، علي نسمان، ارتقى شمال قطاع غزة، خاطاً قبل رحيله "إذا انقطعنا عنكم فسنلتقي إما في القدس أو الجنة".
وعن صمود واختيار الشهيد رمزي مقداد، الذي رفض النزوح وخيارات النزوح، فكانت وجهته التالية إلى جنة عالية "اعمل ما بدالك مش طالعين من الشمال".
وهذه الشابة الحافظة لكتاب الله عبير توفيق جبر، ناجت الله قبل رحيلها "يا الله اُمنن على أجسادنا الضعيفة بتحمل كل هذه المشاق، وعلى قلوبنا الصغيرة باستيعاب كل هذه المشاعر، وعلى أرواحنا الهائمة بالمُضيّ في كل هذه الأعباء.. يا رب خفِّف أثقال الدنيا على عبادك".
أما الشهيدة نور الهدى خالد شاهين كتبت قبل رحيلها "نحن في هذه البلاد من صبر إلى تمحيص إلى تكفير ذنوب وتطهير إلى تمكين، ونرجو الثمن الجنة، لبيك ربنا اللهم لا عيش إلا عيش الآخرة".
وكان آخر ما خطته..
نعم! وقد كان للشهيد مخاوف، ورعب يحتل قلبه من الفقد من الحزن ومن حياة ليست كالحياة، فهذه الشهيدة نسرين شحادة قد خطّت قائلةً "خايفة كل هالقهر اللي عشته أنا وغزتي إني أموت قبل ما أشوف يوم حلو".
أما الشهيد جهاد فيصل بصل، فقد اقتبس جزءاً من خطبة وداع الرسول صلى الله عليه وسلم "أيها الناس.. والله ما الفقر أخشى عليكم، ولكني أخشى عليكم الدنيا، أن تنافسوها كما تنافسها الذين من قبلكم، فتهلككم كما أهلكتهم، سيدنا محمد في خطبة الوداع".
بينما تمنى الشهيد عز الدين الحصري في كتاباته ألّا يفجعه الله في حبيبٍ أو قريبٍ ولا أخٍ أو صديقٍ، ورسم على صورته عبارةً ودعوة، واجعل اللهم نفسي روحاً تحبها أنت".
عشرات آلاف الشهداء، وعشرات آلاف الدعوات والأمنيات بقيت حبيسة صدور أصحابها، مضوا حيث الراحة الأبدية، وتركوا مَن خلفهم يخلدون ذكرى، ويقرأون نصاً ويُحيون حباً خالداً للشهداء.