يواصل جيش الاحتلال الإسرائيلي شن عدوانا واسع النطاق في عدة مدن في الضفة الغربية المحتلة ما تسبب في تهجير نحو 40 ألف فلسطيني من منازلهم ــ وهو أعلى رقم منذ الاحتلال الإسرائيلي للضفة قبل نحو ستة عقود، وفقاً للباحثين تحدثوا لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية.
ويقول المؤرخون والباحثون إن الضفة الغربية المحتلة تشهد أكبر عملية نزوح للمدنيين منذ الحرب العربية الإسرائيلية عام 1967.
فقد أجبرت العمليات العسكرية الإسرائيلية آلاف السكان على اللجوء إلى اللجوء إلى الأصدقاء والأقارب، أو التخييم في قاعات الأفراح والمدارس والمساجد والمباني البلدية وحتى حظيرة المزرعة.
ويخشى الفلسطينيون أن تكون هذه العملية محاولة مبطنة لتهجير الفلسطينيين بشكل دائم من منازلهم وفرض سيطرة أكبر على المناطق التي تديرها السلطة الفلسطينية.
وأبرزت الصحيفة أن العديد من النازحين هم من نسل اللاجئين الذين طردوا أو فروا من ديارهم خلال الحروب التي أحاطت بإنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلي في عام 1948، وهي الفترة المعروفة باسم النكبة.
ونبهت الصحيفة إلى أن النزوح المتجدد، حتى لو كان مؤقتًا، يثير ذكريات مؤلمة للصدمة المركزية في التاريخ الفلسطيني.
فلسطينيون بلا مأوى
بينما عاد نحو 3000 فلسطيني إلى ديارهم، فإن أغلبهم ظلوا بلا مأوى بعد أكثر من ثلاثة أسابيع ــ وهو نزوح أكبر من النزوح الذي شهدته حملة إسرائيلية مماثلة في الضفة الغربية في عام 2002، وفقاً لخبيرين فلسطينيين وإسرائيليين في تاريخ الضفة الغربية.
ففي ذلك العام، داهمت القوات عدة مدن في ذروة الانتفاضة الفلسطينية، المعروفة باسم الانتفاضة الثانية، والتي بدأت باحتجاجات قبل أن تؤدي إلى زيادة في الهجمات الفلسطينية على أهداف إسرائيلية.
وكما حدث في عام 2002، فإن بعض النازحين خلال هذه الحملة الجديدة لن يجدوا مسكناً يعودون إليه، فقد هدمت القوات العسكرية الإسرائيلية عشرات المباني في المناطق التي غزتها، ومزقت الطرق وأنابيب المياه وخطوط الكهرباء.
وقال مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إن أنظمة المياه والصرف الصحي دمرت في أربعة أحياء حضرية كثيفة السكان، والمعروفة باسم مخيمات اللاجئين لأنها تؤوي النازحين في عام 1948 وأحفادهم. وأضاف أن بعض البنية التحتية للمياه تلوثت بمياه الصرف الصحي.
وقال حكيم أبو صفية، الذي يشرف على خدمات الطوارئ في مخيم طولكرم: “لقد وصلنا إلى نقطة أصبحت فيها مخيمات اللاجئين خارجة عن النظام. إنها غير صالحة للسكن. وحتى لو انسحب الجيش، فإننا لسنا متأكدين مما سيبقى لإصلاحه”.
محو مخيمات اللاجئين!
لم يتضح على الفور حجم الأضرار الكاملة التي لحقت بمدينة جنين، لأن جيش الاحتلال الإسرائيلي ما زال يواصل عدوانه، لكن الأمم المتحدة سجلت بالفعل أضراراً جسيمة لحقت بأكثر من 150 منزلاً في جنين، وبحلول أوائل فبراير/شباط، اعترف الجيش الإسرائيلي بتفجير ما لا يقل عن 23 مبنى، ولكنه رفض تأكيد العدد الأخير من المباني التي هدمت.
ويقول النازحون الفلسطينيون في جنين وطولكرم إنهم تلقوا تعليمات بالمغادرة من جنود استخدموا مكبرات الصوت لإصدار أوامر عامة بالإخلاء.
ويبرز الفلسطينيون دعوات أطلقها وزراء رئيسيون في الحكومة اليمينية المتطرفة الإسرائيلية لتشجيع تهجير ب الفلسطينيين من الضفة الغربية المحتلة وضم الأراضي.
وعلى مدار عقود سعت دولة الاحتلال إلى ترسيخ سيطرتها تدريجيًا في الضفة الغربية، فبنت مئات المستوطنات، غالبًا على أراضٍ فلسطينية خاصة، لمئات الآلاف من المستوطنين الإسرائيليين، وبنت هيكلًا قانونيًا من مستويين وصفه المنتقدون بنظام الفصل العنصري.
وتسارعت الجهود الرامية إلى تعزيز السيطرة الإسرائيلية على المنطقة بعد أن تولت الحكومة الإسرائيلية الحالية السلطة في عام 2022.
فقد تم منح بتسلئيل سموتريتش ، أحد زعماء المستوطنين الذي أصبح وزيراً للمالية، سلطة على جزء من وحدة عسكرية مؤثرة تسيطر على مشاريع البناء الفلسطينية في معظم الأراضي.
وقد أدى تمكينه إلى زيادة الشكوك حول نوايا الحكومة: فقد نشر سموتريتش خطة مطولة في عام 2017 اقترحت سيطرة إسرائيلية دائمة على الضفة الغربية ودفع الأموال لأولئك الذين لا يقبلون السيطرة الإسرائيلية للهجرة، أو قتلهم إذا لجأوا إلى المقاومة.
كما فرضت الحكومة الإسرائيلية قيوداً متزايدة على حركة الفلسطينيين في الضفة الغربية؛ وحظرت عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)؛ ولم تفعل الكثير لكبح الجهود التي يبذلها مستوطنون إسرائيليون من اليمين المتطرف لإجبار آلاف الرعاة الفلسطينيين على مغادرة المناطق النائية ولكن الاستراتيجية في المنطقة.
وقالت مها نصار، المؤرخة الفلسطينية الأمريكية في جامعة أريزونا: “ما يجعل هذه اللحظة غير مسبوقة ليس فقط حجم النزوح ولكن أيضًا الخطاب المصاحب، والذي يعمل بشكل متزايد على تطبيع فكرة النزوح القسري الدائم”.
وأضافت أن “هذا يمثل تصعيدا كبيرا في الصراع المستمر منذ فترة طويلة، والذي يهدد بتغيير المشهد السياسي والديموغرافي في الضفة الغربية بشكل جذري”.