يعيد مشروع القانون الذي أعده وزير الأمن القومي الإسرائيلي المستقيل إيتمار بن غفير، لطرحه أمام الكنيست الاسرائيلي لإلغاء الاتفاقيات مع الجانب الفلسطيني، الإشارة للتوجه الاسرائيلي لتهديد الوجود الفلسطيني، وتغيير المفاهيم السياسية بشأن الضفة، وتحويلها لقضية داخل الدولة اليهودية.
ويرى مختصون بالشأن الإسرائيلي، أن فرص تمرير مشروع القانون قائمة، في ظل تركيبة الكنيست الحالية، لكنها ربما بحاجة الى ضوء أخضر أمريكي في ظل خطورة التوجه، وحجم تأثيره الكبير بالمنطقة، بإعادة هندسة القضية الفلسطينية برمتها.
وقبل أيام؛ طرح بن غفير مشروع قانون يهدف إلى إلغاء اتفاقيات أوسلو، واتفاق الخليل، واتفاق واي ريفر، بحيث تعيد "إسرائيل" الوضع الذي كان عليه، بما في ذلك استعادة الأراضي التي تم تسليمها في إطار هذه الاتفاقيات.
وضمن المخطط الإسرائيلي؛ سيتم إلغاء القوانين التي سُنّت لتنفيذ هذه الاتفاقيات، وسيتم منح رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو صلاحيات لوضع اللوائح اللازمة لتنفيذ القرار.
الشرعية الدولية
ويعتبر المختص بالشأن الإسرائيلي عادل شديد، أن برنامج الحكومة الاسرائيلية الحالية يرتكز على عملية استئصال شاملة، لا لمنع إقامة دولة فلسطينية فحسب، وإنما هو منع بقاء الوجود الفلسطيني.
ويرى شديد في حديث لوكالة سند للأنباء أن طبيعة الكنيست والحكومة الحالية والرأي العام الإسرائيلي المعبأ ضد الفلسطيني، والعدوان الذي يتعرض له الشعب الفلسطيني في الضفة والقطاع، ووجود الإدارة الأمريكية الحالية بطاقمها اليميني المنسجم مع "إسرائيل"، كلها عوامل تسهم في ترجمة هذا المشروع على الأرض.
لكن شديد يعتبر أن مشروع القانون بحاجة إلى شرعية دولية، هي غير متوفرة، حتى لو أقدمت "إسرائيل" على إلغاء الاتفاقيات، فإن ذلك لن يحدث تغييرا بالموقف الدولي خاصة الأوروبي والعربي.
ويشير إلى أن هذا المشروع ينسجم مع مخطط الضم، حيث إذا ما تم ضم 40- 50% من الأراضي، ستتحول السلطة الفلسطينية إلى عشرات ومئات السلطات المتناثرة اللامركزية، وكل سلطة في مدينة وقرية بمضامين خدماتية.
ويضيف أن تركيبة الكنيست الحالية تسمح بتمرير القانون، لكنها بحاجة إلى موقف أمريكي داعم، ولا يمكن تمريره دون ذلك.
ويعتبر المختص بالشأن الإسرائيلي ياسر مناع، أن اليمين الإسرائيلي تعامل مع الاتفاقيات الموقعة مع الفلسطينيين ضمن ثلاثة أطر، تتراوح ما بين القبول بها كأمر واقع، والتغيير ضمن فرض الواقع الميداني، وحرية العمل في مناطق السلطة الفلسطينية.
ويتطرق مناع في حديث لوكالة سند للأنباء، الى أن مشروع القانون جزء من جوهر الضم حيث أن الحاكم العسكري للضفة الغربية، ومن ضمن صلاحياته الإدارة المدنية، هو المخول بإصدار القرارات والأوامر في الضفة، لكن التغيير في حالة الفراغ هو أن تتولى الوزارات الاسرائيلية المسؤولية المباشرة في الضفة الغربية، وهذا هو فحوى مشروع الضم.
ويؤكد أن الواقع السياسي في "إسرائيل" يسمح بتمرير أي قرار في الضفة الغربية، ويغير من شكل العلاقات مع الفلسطينيين أو السلطة وحتى الأرض والمكان.
تغيير المفاهيم والعلاقات
أما مدير مركز يبوس للدراسات الاستراتيجية، سليمان بشارات، فيرى أن مشروع القانون وما يرافقه من تصريحات قيادات الصهيونية الدينية، فيما يتعلق بفرض السيطرة على الضفة الغربية، يأتي في سياق عملية التسويق الداخلي لهذه الأفكار.
ويعتقد بشارات أن مثل هكذا طرح "يدغدغ" الأيديولوجية المتطرفة داخل "إسرائيل"، ويمنحهم انطباعًا أن هذه الشخصيات تعمل لصالح الدولة اليهودية ومستقبلها، بالسيطرة الكاملة على الأرض الفلسطينية.
ويرى بشارات، في حديثه لوكالة سند للأنباء، أن هذه التصريحات والخطوات ليست بريئة بالمفهوم السياسي، كونها صدرت من القيادات اليمنية المتطرفة التي تسيطر على القرار السياسي في الوقت الحاضر، وهي تسعى لتغيير المفاهيم والمعالم السياسية للقضية الفلسطينية، والعلاقة التي تربط الاحتلال بالقضية.
ويلفت بشارات إلى أن الاحتلال يريد أن يغير هذه المفاهيم ويفرض مفاهيم جديدة، لتتحول العلاقة بين الاحتلال والشعب المحتل، إلى علاقة دولة يهودية مع الوجود الفلسطيني، وإلغاء مفهوم الاحتلال، والتحلل منكل ما تفرضه القرارات والاتفاقيات الدولية.
سلطة خدماتية
ويعتقد بشارات في حديث لوكالة سند للأنباء، أن ما يقوم به الاحتلال بإعادة هندسة القضية الفلسطينية بما يزيح مفهوم الاحتلال ويشرعنه على أنه بات جزءًا أصيلًا، وليس طارئًا على الحالة الفلسطينية.
ويعتبر أن الخطورة تتأتّى بإعادة إنتاج القضية الفلسطينية، ضمن قضية جزئية في الدولة اليهودية، كما هو الحال في التعامل مع فلسطينيي الداخل 1948، بحيث يصبح من غير الممكن الاعتراض على السياسات الإسرائيلية، وإنما الاضطرار للتعايش معها.
ويرى بشارات أن الاحتلال عمل على تفريغ المظلة السياسية الفلسطينية، ويريد إبقاء سلطة إدارية خدماتية مرتبطة بحالة جزئية محصورة في بعض المناطق بالضفة الغربية.
ويشدد على أن إقرار القانون سيتيح للاحتلال التدخل في كل الجزئيات المرتبطة بالحالة الفلسطينية، لكنه لن يشغل نفسه بالذهاب إلى العمل بها، وهذا ما أشار له الاحتلال بتغيير المناهج وهدم وإعادة هندسة مخيمات الضفة، تمهيدا لهذه الخطوة.