الساعة 00:00 م
الإثنين 12 مايو 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.72 جنيه إسترليني
5 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
3.99 يورو
3.55 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

وداع عن بُعد.. في غزة قد يكون العناق الأخير للشهداء "ترفًا"

أيادٍ نحيلة وأجسادٌ بخُف ريشة.. سوء التغذية يهدد أرواح الأطفال في غزة

حجم الخط
سوء التغذية في قطاع غزة
غزة – فاتن عياد الحميدي – وكالة سند للأنباء

أطفال بعمر الزهور يسرق الجوع منهم صحتهم وأرواحهم، أجساد نحيلة بخُف ريشة، تخاف أن تلمسها خشية أن تُكسر بين يديك، فلم يعد سوء التغذية حالة عابرة في قطاع غزة، بل أصبح ظاهر منتشرة تُعبّر معاناة تتفاقم وتهدد تداعياتها حياة أكثر من مليون طفل مصابون به. 

فمنذ الثاني من مارس/ آذار الماضي، تُشدد سلطات الاحتلال، حصارها المطبق على قطاع غزة، عبر منع إداخال أي مساعدات إغاثية وغذائية وطبية ووقود، وكذلك كلّ الإمدادات الأخرى التي من شأنها إبقاء أهل القطاع على قيد الحياة.

هذا الإغلاق المشدد، تسبب بتفاقم أزمة الجوع لدى 2.4 مليون إنسان في القطاع، كانوا يعتمد غالبيتهم بشكلٍ أساسي على المساعدات الإغاثية الدولية؛ جراء تداعيات حرب الإبادة المتواصلة من أكثر من 17 شهرًا.

وتضاعفت بسبب الإغلاق المشدد، حالات الإصابة بسوء التغذية في قطاع غزة وطالت النساء والأطفال والكبار والمرضى، فيما تسبب ذلك بوفاة  57 طفلًا حتى اللحظة وفق إحصاءات وزارة الصحة الفلسطينية.

"أطفال لا يقووا على الحركة"..

ترافق السيدة نادية أبو عرار طفلتها مي التي لم تتجاوز من عمرها 7 أعوام، في قسم المبيت بمستشفى أصدقاء المريض في مدينة غزة، جراء معناتها من سوء التغذية ونقص للبروتين.

فقد حرمت الحرب الإسرائيلية الطفلة "مي" أشهى المأكولات وأفيدها والتي كانت قد اعتادت عليها قبل الحرب الشرسة من أكل للحوم والدجاج والخضراوات، حتى باتت آنفاً لا تقوَ على الحركة أو الأكل.

سوء التغذية في غزة 6.jpg
 

تقول السيدة "أبو عرار" لـ"وكالة سند للأنباء"، إن حالة ابنتها بدأت بإرهاق بدى عليها منعها من القيام بأنشطتها وأرغمها على النوم طيلة الوقت، حيث تعمدت السيدة إشراك طفلتها في بعض الأعمال الخفيفة لكن دون جدوى، فبقيت ملازمة الفراش.

وتضاعفت حالة الطفلة "مي" بسبب قلة الطعام وسوء التغذية، حتى تعرضت لتورُّم في القدم ألجأها لزيارة الطبيب بعد شهر ونصف من فقدان الشهية والخمول، وتبين أنها تعاني من نقص في البروتين، وفقاً لوالدتها.

سوء التغذية في غزة 2.jpg
 

وفي ظل انعدام الأغذية الملائمة، أصبح الغذاء الوحيد لـ"مي" زبدة الفول السوداني "المكمل الغذائي"، والأرز والعدس، أو حبة بندورة "طماطم" إن توفرت!

وزن بخُف ريشة..

إلياس الزق لم يتجاوز أعوامه الأربعة، تعرض لسوء تغذية منذ نزوح عائلته إلى مدينة دير البلح وسط قطاع غزة قبل اتفاق التهدئة "الهشة"، تقول والدته إنه بدأ بالتحسن مع عودتهم إلى غزة، وفتح المعابر ودخول الأغذية.

سوء التغذية في غزة 5.jpg
 

وتستدرك والدة "إلياس" في حديثها لـ"وكالة سند للأنباء"، ومع استئناف الحرب وإغلاق المعابر تراجعت الحالة الصحية لابنها منذ ما يقارب أسبوعين، حتى باتت بالكاد توفر له حبة من البطاطا أو الكوسا، التي يحتاجها في غذائه.

وتعتمد عائلة "الزق" على طعام التكايا الخيرية والمعلبات إنْ وُجدت، والتي لا تسمن ولا تُغني من جوع، ولا تساعد في نمو الأطفال ولا حتى تقوية الكبار.

سوء التغذية في غزة 4.jpg
 

وتتكرر المعاناة ذاتها مع الطفلة "فرح" ذات الست أعوام، لكنها تحمل وزناً بخُف ريشة لا يتجاوز 7 كيلو غرامات، تبكي والدتها بحرقة:" بنتي لا يستقر في معدتها طعام، تتقيأ كل ما تأكل".

وتُناشد والدة "فرح": "حالة بنتي ستزداد سوءاً لو استمر الحال على ما هو عليه"، مطالبةً بفتح المعابر وإدخال المواد الغذائية والخضراوات واللحوم.

سوء التغذية في غزة 3.jpg
 

وتُباغتها دمعة وسط حديثها عند تذكرها بعضاً من حالات "التنمر" على صغيرتها التي كان يظهر القفص الصدري جلياً بسبب نحول جسدها، مضيفة "بنتي من الأساس مريضة فتاق وعملت أكثر من عملية رغم صغر سنها".

"حالات في ازدياد"..

إلى ذلك، تقول أخصائية التغذية في مستشفى أصدقاء المريض سوزان معروف، إن أكثر من 12 ألف حالة توجهت لفحص سوء التغذية منذ إغلاق معابر القطاع في الثاني من مارس الماضي، بينما يتم فحص ما لا يقل عن 200 حالة يومياً.

وتُفصِّل في حديثها لـ"وكالة سند للأنباء"، أن 700 حالة من إجمالي الفحوصات تعاني سوء تغذية متوسط، حيث تتم متابعتهم بشكل دوري كل أسبوعين من المنزل، مع إعطائهم المكملات الغذائية مثل البسكويت وزبدة الفول السوداني.

بينما تعاني 100 حالة من سوء تغذية حادة منهم من تُتابع حالتهم بشكل أسبوعي، وتزويدهم بالمكملات اللازمة، وآخرون بحاجة إلى مبيت في المستشفى، وإعطائه ما يلزم من أغذية وأدوية لتحسين صحتهم.

سوء التغذية في غزة 1.jpg
 

وفي تصريح خاص لـ"وكالة سند للأنباء"، حذر رئيس مستشفى "النصر- الرنتيسي" للأطفال، جميل سليمان، من تداعيات التدهور الخطير على الظروف الصحية العامة للأطفال؛ نتيجة استمرار الحصار ومنع دخول المواد الغذائية والطبية.

وشدد أن "المرحلة القادمة ستشهد تصاعدًا ملحوظًا بأعداد الوفيات في صفوف الأطفال ما دام الوضع القائم كما هو من حصار مشدد ومنع إدخال المواد الغذائية والإغاثية الأساسية".

وأوضح أن المستشفى يستقبل بشكل يومي حالات متفاقمة من سوء التغذية الكمي والنوعي، نتيجة عدم توفر الأطعمة المناسبة لنمو الأطفال، مثل الحليب، واللحوم، والبروتينات الأساسية.

وأشار رئيس المستشفى، إلى أن غياب هذه الأغذية يؤدي إلى إصابة الأطفال بالأنيميا، ونقص الأملاح والمعادن، مما يعرضهم لمخاطر صحية جسيمة قد تؤثر لاحقًا على نموهم الجسدي والعقلي.

وكان المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان، قد كشف في بيان حديث، أن أكثر من مليون طفل في قطاع غزة يعانون من سوء تغذية حاد نتيجة الحصار الإسرائيلي المشدد، ما يزيد من هشاشة وضعهم الصحي في ظل انهيار شبه تام للخدمات الطبية، مما ينذر بوقوع وفيات بشكل يومي.

وأشار المرصد إلى أن الاحتلال عمد خلال الأسابيع الأخيرة إلى تدمير ما تبقى من البنية التحتية الزراعية والغذائية في القطاع، الأمر الذي فاقم أزمة الإمدادات، وقطع سبل الإنتاج المحلي بشكل شبه كلي.