رغم ما أثارته صفقة إطلاق سراح الجندي الإسرائيلي عيدان ألكسندر، من تكهنات سياسية حول تغيّر محتمل في طبيعة العلاقة بين حركة "حماس" والولايات المتحدة، إلا أن محللين سياسيين يرون أن ما جرى لا يتجاوز حدود التفاهمات المصلحية المؤقتة، في ظل تعقيدات ميدانية وإقليمية، تمنع أي تحول استراتيجي في المدى المنظور.
وفي 12 مايو/أيار الجاري، أطلقت حركة "حماس" سراح الجندي الإسرائيلي-الأمريكي عيدان ألكسندر (21 عامًا)، بعد أكثر من 19 شهرًا من أسره لدى كتائب القسام في قطاع غزة.
وجاءت هذه الخطوة نتيجة لمحادثات مباشرة بين "حماس" والإدارة الأمريكية، بوساطة قطرية ومصرية، واعتُبرت بادرة حسن نية من الحركة تجاه الولايات المتحدة، دون أن تتضمن أي تنازلات من الجانب الإسرائيلي.
خطوة محسوبة.. لا تحوّل سياسي
من جهته، يرى رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل، د. بلال الشوبكي، أن إطلاق سراح "ألكسندر" لم يكن ليتم لولا "وجود تطمينات من وسطاء تفيد بأن هذه الخطوة قد تدفع الولايات المتحدة لإقناع إسرائيل – أو حتى الضغط عليها – باتجاه صفقة أوسع".
ويضيف الشوبكي في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء"، أن "العملية التفاوضية لم تتقدم فعليًا بعد هذه الخطوة، إذ ما زال الوفد الإسرائيلي إلى الدوحة يحمل صلاحيات محدودة جدًا، والمواقف الأمريكية تتسم بالحذر الشديد تجاه أي انفتاح سياسي على حماس".
ويؤكد الشوبكي، أن الولايات المتحدة لا تزال تتعامل مع الحركة باعتبارها "واقعًا مفروضًا وليس شريكًا شرعيًا"، مضيفًا: "العلاقات بين الطرفين، حتى في هذه المرحلة، تبقى محكومة بالمصالح الآنية ولا يمكن البناء عليها كقاعدة لمسار سياسي دائم".
سيناريوهات الأيام المقبلة: هدنة أم تصعيد؟
من جانبه، يرى أستاذ العلوم السياسية في الجامعة العربية الأمريكية، د. أيمن يوسف، أن ما جرى يمكن قراءته ضمن ثلاثة سيناريوهات محتملة، أولها: استمرار الهدنة المؤقتة وتبادل الأسرى كجزء من تفاهمات إقليمية بوساطة قطرية ومصرية، يرافقها خفض نسبي للتصعيد".
ويضيف في حديثه لـ "وكالة سند للأنباء": "السيناريو الثاني هو: فشل المفاوضات وعودة إسرائيل لتوسيع عملياتها العسكرية، خاصة في رفح وخان يونس".
أما الاحتمال الأخير، بحسب يوسف، فهو "فصل المسارات كما فعلت الولايات المتحدة في ملفات أخرى، بحيث تستفيد من الحراك الاقتصادي والسياسي في المنطقة دون ربطه بشكل مباشر بملف غزة".
ويعتقد يوسف أن المفاوضات مع الولايات المتحدة، وإن عكست مستوى من الاتصال السياسي المباشر، لا تعني بالضرورة أن حماس باتت أقرب للاعتراف الدولي، موضحًا: "التواصل مع قوة عظمى لا يعني القبول، بل قد يضع الحركة أمام خيارين: إما تقديم تنازلات عميقة، أو الاصطدام لاحقًا معها".
الاعتراف لا يزال مؤجلًا
ويتفق الشوبكي ويوسف على أن الولايات المتحدة – رغم انخراطها في الوساطة – لا تزال ترفض الاعتراف بحماس كجهة شرعية فلسطينية.
ويؤكد الشوبكي أن "مجرد توسط واشنطن في ملف التفاوض لا يرقى لمستوى الاعتراف السياسي"، بل يعكس واقعية دبلوماسية تُبقي الأبواب مفتوحة دون تقديم التزامات.
في حين يضيف يوسف، أن "ما حصل مع حركة فتح والاعتراف بها لم يكن سهلًا، وقد استغرق سنوات من التحولات السياسية، أما في حالة حماس، فالبعد الإيديولوجي والديني للحركة يجعل الاعتراف بها أكثر تعقيدًا"، مشيرًا إلى أن "أي تحول محتمل مرهون بسياق فلسطيني داخلي، لا سيما ملف المصالحة".
اتصال لا يؤسس لمسار
ورغم رمزية إطلاق سراح ألكسندر، يرى المحللون أن هذا الحدث، في أفضل حالاته، يعكس لحظة توافق تكتيكي فرضتها الحسابات الميدانية، دون أن تشكّل منعطفًا في العلاقة بين حماس وواشنطن. فحتى اللحظة، تبقى العلاقة محكومة بالمصلحة المؤقتة، دون أن تتجاوز خطوط الرفض السياسي والاعتبارات الأمنية والإقليمية.
وعقب الإفراج عن "ألكسندر"، أكدت "إسرائيل" أنها لم تقدّم أي تنازلات، مشددة على أن العملية تمت دون وقف لإطلاق النار أو الإفراج عن سجناء فلسطينيين، بل تم توفير ممر آمن فقط لضمان تسليم الجندي الإسرائيلي للصليب الأحمر.
وكانت حركة حماس، أشارت في بيان لها، الخميس، أنها تنتظر، وفقًا للتفاهمات التي جرت مع الطرف الأمريكي وبعلم الوسطاء، أن يبدأ إدخال المساعدات الإنسانية بشكل فوري إلى قطاع غزة، إلى جانب إعلان وقف دائم لإطلاق النار، تمهيدًا لمفاوضات شاملة تضمن الأمن والاستقرار في المنطقة.
وأكدت الحركة أن تجاهل هذه الخطوات الأساسية، وفي مقدمتها فتح المعابر وإدخال الإغاثة، من شأنه أن ينسف فرص التقدم في ملف الأسرى، ويبعث برسائل سلبية حول جدية الأطراف المعنية بالوصول إلى حلول عادلة ومستقرة.
وتزامن الإفراج مع زيارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للمنطقة، حيث وصف الخطوة بأنها "بادرة حسن نية" من "حماس"، معربًا عن أمله في أن تسهم في دفع جهود التوصل إلى وقف لإطلاق النار في غزة.
ورغم هذه التطورات، لا تزال العلاقة بين "حماس" والولايات المتحدة معقدة، حيث تُصنّف واشنطن الحركة كمنظمة إرهابية، مما يجعل أي تحول استراتيجي في العلاقة بين الطرفين أمرًا بعيد المنال في الوقت الراهن.