حقق الموسم الأول من مسلسل "آخرنا" (The Last of Us) عام 2023، نجاحا على مستويات عدة، بدءا من نسب المشاهدات، وإعجاب النقاد والمتفرجين، وصولا إلى فوزه بعدد كبير من الجوائز.
واعتبره الكثير من النقاد أفضل عمل درامي مقتبس عن لعبة فيديو. وخلال عرض الموسم الأول، تم الإعلان عن تجديده لموسم ثاني، بدأ عرضه في 2025.
"آخرنا" مسلسل تلفزيوني من إنتاج ""HBO، وهو من أعلى المسلسلات التلفزيونية ميزانية، ويشارك في صناعته فريق متغير من حلقة لأخرى، ومن بطولة بيدرو باسكال وبيلا رامزي.
أحداث الموسم الأول..
تبدأ أحداث الموسم الأول بشرح الكارثة البيئية التي تؤدي إلى انهيار الحياة كما نعرفها؛ فبعدما ينتشر وباء، يتحول ملايين البشر إلى ما يشبه "الزومبي"، قتلة بلا عقل لا يرغبون سوى في تحويل غيرهم.
وتقفز الأحداث بعد ذلك بـ 20 عاما لنتعرف على المجتمعات التي شيدها الناجون، مجتمعات يسودها العنف والقسوة والقمع بكافة أنواعه.
وتدور أحداث مسلسل "آخرنا" في مجتمع خيالي أو مستقبلي يتسم بالظلم، والقمع، والبؤس، والفساد. ويتقاطع هذا الطابع في المسلسل مع نوع "ما بعد الكارثة"، الذي يُعرف أيضا بمجتمع ما بعد المحرقة.
ويصوّر (ذلك الطابع) عالمًا يواجه تداعيات كارثة مدمرة أدت إلى انهيار الحضارة أو إلى تغيّر جذري في نمط الحياة كما نعرفه.
يفرق المسلسل بين نوعين من البشر بعد الكارثة: هؤلاء الذين اختبروا الحياة القديمة قبل انتهائها، وأبناء ما بعد الكارثة، أطفال الوباء الذين لم يعرفوا معنى الحضارة كما كانت. حيث يمثل الفريق الأول شخصية جول (بيدرو باسكال)، بينما تقدم إيلي (بيلا رمزي) مثالا على الفريق الثاني.
وبينما جرب "جول" رؤية حياته تنهار أمام عينيه، ويضطر للبحث عن سبل للنجاة حتى وإن كانت الجريمة، تتمرد "إيلي" على قوانين عالم ما بعد الوباء، خاصة أنها تمتلك مناعة خاصة تحميها من الإصابة.
ويركز الموسم الأول على رحلة إيلي وجول، بحثا عن أحد مستعمرات المتمردين لاستخلاص علاج من خلايا إيلي ذات المناعة.
وخلال المغامرة، تنسج علاقة الأبوة والبنوة خيوطها بينهما. وينتهي الموسم بشكل دموي، عندما يكتشف جول أن ثمن العلاج هو حياة إيلي، فيقتل تقريبا جميع من علموا بحقيقتها.
الموسم الثاني..
تقفز أحداث الموسم الثاني 5 سنوات إلى الأمام، بعدما استقر جول وإيلي في قرية "جاكسون"، التي يسكنها مجموعة من الناجين، وأقاموا فيها مجتمعا تعاونيا آمنا.
نتعرف في هذا الموسم على نسخة أخرى من جول، النسخة المسنة التي تفتقد المغامرات، والأهم، تحن إلى العلاقة السابقة التي جمعته بإيلي، خاصة أن الأخيرة أصبحت امرأة شابة متمردة وغاضبة عليه لأسبابها الخاصة.
في الحلقة الثانية من الموسم الثاني، تتغير الأحداث بمفاجأة تُغير كل شيء، وتعيد إيلي إلى المغامرات التي تضع حياتها وحياة أحبائها على المحك.
وتتطور شخصية إيلي في الموسم الثاني، كما لو أن الموسم الأول كان تمهيدا لرسم هذه الشخصية، فتصبح الفتاة القوية التي تحتاج في كل خطوة إلى اتخاذ قرارات حاسمة.
الوحوش في المسلسل..
الوحوش في "آخرنا"، تمثل رموزا لأشياء أخرى. فالفطريات التي تحول البشر إلى زومبي يمكن تفسيرها بأوجه متعددة، مثل الهوس بالحياة الرقمية الذي يسيطر على العقل البشري، أو أن كل إنسان يملك وحشا بداخله، أو العنف الكامن بداخل المواطن العادي الذي تغذيه أفكار سياسية متطرفة في ظل جنون عالمي.
ويمكن رؤية الوباء في مسلسل "آخرنا" كمفتاح لقراءة أميركا بشكل مختلف، بعد الوباء الذي يكثف كل الشرور التي يتعرض لها المواطن العادي.
خيارات عالم ما بعد الوباء..
ففي عالم ما بعد الوباء، هناك خيارات محدودة للغاية أمام هذا المواطن، ما بين الانطواء تحت راية مؤسسة "فيدرا" العسكرية، وهي مؤسسة قمعية تحكم مناطق تطلق عليها "الحجر الصحي" بالحديد والنار.
ويسخر أفراد تلك المؤسسة من المواطنين بتسميتهم "الناخبين" بعد انتزاع حقوقهم الانتخابية. فهم مقموعون من ولادتهم وحتى وفاتهم، ويعيشون تحت حكم عسكري واضح.
على الجانب الآخر، توجد أطراف متمردة على سلطة "فيدرا"، غير أنهم لا يختلفون كثيرا عنها من ناحية العنف والقسوة. أولهم "الفايرفلايز"، الذين لا يمكن اعتبارهم الأخيار بأي حال من الأحوال، فهم كانوا على وشك قتل فتاة مراهقة في الـ 14 من عمرها لاستخلاص علاج للوباء، ومعروف عنهم ميلهم للعنف وارتكاب الجرائم.
جماعات الموسم الثاني..
في الموسم الثاني، ظهرت جماعتان أخريان، الأولى جماعة من المتطرفين دينيا، يرفضون حمل الأسلحة النارية ويحاربون أعداءهم بأسلحة بيضاء وقوس وسهم، أما أعداؤهم فهي "جبهة تحرير واشنطن".
وتتقاتل هذه الجهات مع بعضها البعض، بينما في الوقت ذاته تتعرض للخطر نتيجة لانتشار الموبوئين حولهم في كل مكان.
وبين التيارات العنيفة والمتصارعة، لا نجد طرفا يميل إلى السلام سوى أهل بلدة "جاكسون"، تلك البلدة التي تبدو كما لو أنها خارجة من فيلم ويسترن أميركي قديم.
بلدة جاكسون..
"جاكسون" بلدة قائمة على المحبة والتعاون والتكافل، بعيدة عن الهوس التكنولوجي. يتحرك سكانها على ظهور الخيول، ويحكمها مجلس يتم التصويت عليه من قبل جميع سكانها.
تقبل البلدة كل اللاجئين، طالما أنهم غير موبوئين، وعندما يتذمر جول من كثرة عددهم، حيث يعتبرهم عبئا على موارد البلدة، أخبرته إحدى حاكماتها بأنه في يوم من الأيام كان أحد هؤلاء اللاجئين.
وتبدو "جاكسون" كأنها الحلم الأميركي الحقيقي، الحلم الذي تخلت عنه الدولة المعاصرة، التي تتجاهل الأخطار المحيطة والمتغلغلة داخلها -ويمثل هذه الأخطار في المسلسل الوباء- سعيا وراء حروب وصراعات لا تنتهي بين تياراتها السياسية، التي تبدو مختلفة، إلا أنها في الحقيقة أوجه متعددة لذات الصورة.
"آخرنا" يعكس بشكل خيالي صورة البلاد المختلفة التي مزقها الجبروت الأميركي العسكري على مدى العقود الماضية، عندها دخلها بقوة غاشمة، وتركها مناطق حرب تتنازع عليها المليشيات العسكرية والمتطرفون، كما لو أن المسلسل يقدم عقابا من جنس العمل لدولة تتلاعب بالعالم كما لو أنه دمية أطفال.