أكدت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية على مسئولية رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تعمد إطالة أمد حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة وأنه يقود دولة الاحتلال إلى عزلة غير مسبوقة إقليميا ودوليا ويفاقم الانقسام الداخلي الإسرائيلي.
وأبرزت الصحيفة أنه في اليوم الـ600 من حرب الإبادة في غزة، تلقت الحكومة الإسرائيلية صفعة دبلوماسية جديدة، هذه المرة من أقرب شركائها العرب: الإمارات العربية المتحدة.
وبحسب الصحيفة لم تكن هذه الصفعة مجرد انتقاد عابر، بل تجسدت في استدعاء رسمي للسفير الإسرائيلي في أبوظبي، احتجاجًا على "الاعتداءات المؤسفة" التي ارتكبها قوميون إسرائيليون متطرفون في المسجد الأقصى.
وقالت الصحيفة إن هذه الخطوة، وإن بدت رمزية، تعبّر عن نفاد صبر حتى أولئك الذين راهنوا على مشروع التطبيع مع دولة الاحتلال، وهو ما يعكس اتساع رقعة العزلة الإقليمية والدولية التي تواجهها حكومة بنيامين نتنياهو بسبب سياساته المتعنتة واستمراره في الحرب.
غضب دولي متزايد: من أوروبا إلى الأمم المتحدة
رغم أن نتنياهو يبرر استمرارية القتال والحرب، إلا أن الواقع يكشف أن عناده السياسي بات عبئًا على دولة الاحتلال داخليًا وخارجيًا.
فبعد مرور أكثر من عام ونصف على بداية الحرب، لا يبدو أن دولة الاحتلال أقرب إلى تحقيق أي من أهدافها، بل إن الاستنزاف العسكري، والانقسام السياسي الداخلي، وتصاعد الانتقادات الدولية، باتت سمات يومية للمشهد الإسرائيلي.
ففي الأسبوع الأخير وحده، توالت الإدانات الدولية للعدوان الإسرائيلي المتجدد على غزة. فبريطانيا وفرنسا وكندا وصفت الهجمات الأخيرة بأنها "أفعال فاضحة"، في حين عبّر مسؤول رفيع في الأمم المتحدة عن استيائه من تحكم إسرائيل بالمساعدات الإنسانية، معتبرًا ذلك "إهانة لكرامة الإنسان".
وأكدت واشنطن بوست أن هذه ليست بيانات مناوئة تقليدية، بل صادرة عن دول حليفة لطالما وفّرت لإسرائيل الغطاء الدبلوماسي في المحافل الدولية.
أزمة قيادة داخلية: نتنياهو في مواجهة المؤسسة الأمنية
داخليًا، يتصاعد الغضب ضد نتنياهو. رئيس الوزراء الأسبق إيهود أولمرت كتب بوضوح أن حكومة نتنياهو "ترتكب جرائم حرب" وتقود "حربًا بلا هدف ولا خطة"، وهو توصيف لا يأتي من معسكر اليسار الراديكالي، بل من داخل المؤسسة السياسية والأمنية الإسرائيلية نفسها.
وحتى المؤسسة العسكرية، التي عادة ما تكون الحليف الأول لرئيس الحكومة في زمن الحرب، باتت متشككة في استراتيجية نتنياهو وتفتقر للدعم السياسي لتنفيذ خطط "اليوم التالي".
لكن التحدي الأخطر أمام نتنياهو يتمثل في تغير المزاج داخل واشنطن. فرغم أن دولة الاحتلال لطالما اعتمدت على الدعم الأمريكي غير المشروط، فإن صبر الإدارة الجديدة برئاسة دونالد ترامب بدأ ينفد.
ترامب نفسه صرّح بأنه حذّر نتنياهو من مغبة تنفيذ هجوم ضد إيران في خضم جهود البيت الأبيض لتقييد برنامجها النووي دبلوماسيًا.
ليس هذا فحسب، بل إن ترامب أوفد مبعوثه الخاص ستيف ويتكوف للتفاوض على اتفاق شامل بشأن غزة، في ظل قناعة أمريكية بأن استمرار الحرب أصبح عبئًا جيوسياسيًا وأخلاقيًا على واشنطن.
إصرار على القوة: لا خطة سياسية... ولا نصر عسكري
أكدت واشنطن بوست أن رفض أي تعاطي مع جهود وقف الحرب في غزة لم يكن مجرّد موقف سياسي، بل خطوة تعكس رهانه على البقاء السياسي عبر تغذية خطاب اليمين القومي، وتجنّب تقديم تنازلات تمس بتحالفاته الحزبية الهشة. النتيجة كانت حربًا متواصلة، تتغذى على دماء المدنيين، وتجرّ دولة الاحتلال إلى مستنقع من الاستنزاف الأخلاقي والسياسي.
وعندما استؤنفت الحرب في مارس الماضي بعد هدنة مؤقتة، بدا واضحًا أن لا استراتيجية جديدة لدى الحكومة سوى الإمعان في الخيار العسكري وهو ما يعزز التعاطف الشعبي الفلسطيني والعالمي مع قضيتها.
المفارقة أن المؤسسة العسكرية الإسرائيلية نفسها لا تزال تعمل على خطط لإعادة إعمار غزة تحت مظلة فلسطينية عربية، لكنها تصطدم بجدار الرفض السياسي.
يقول روبرت ساتلوف، مدير معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، إن "الحل موجود أمامنا منذ شهور"، ويقترح مزيجًا من القوات العربية والإدارة الفلسطينية يعيد بناء غزة لكن هذا الحل يفتقر للإرادة السياسية من جانب نتنياهو.
ثمن الحرب: تمزق المجتمع الإسرائيلي
الأخطر من كل ما سبق أن الحرب باتت تمزّق النسيج الداخلي الإسرائيلي. فقد تراجعت الثقة الشعبية بالمؤسسات، وتزايدت الاحتجاجات، وتعمّقت الانقسامات بين الحكومة والمعارضة، وحتى بين المدنيين والجيش.
وبات واضحًا أن استمرار الحرب لا يهدد الفلسطينيين وحدهم، بل ينهش دولة الاحتلال من الداخل، ويحولها إلى دولة محاصرة أخلاقيًا ودبلوماسيًا.
وختمت واشنطن بوست بالتأكيد على أن الحروب الكبرى لا تنتهي بالضربة القاضية، بل عبر صفقات سياسية. وإذا كان نتنياهو عاجزًا عن قيادة دولة الاحتلال إلى مخرج سياسي مشرّف، فقد تكون المهمة الآن بيد آخرين — سواء كانوا جنرالات، دبلوماسيين، أو حتى رجال أعمال مثل ويتكوف. لأن ما يجري في غزة لم يعد مجرد معركة عسكرية، بل أزمة وجودية لإسرائيل نفسها.