مع مرور 612 يوماً على حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، لا تزال "إسرائيل" تستهدف بشراسة العاملين في المجال الطبي، دون حساب للقوانين والضمانات الدولية والإنسانية، ضاربةً بجميع المواثيق عرض الحائط.
ولعلَّ آخر حادثة كانت الليلة الماضية حيث استشهد مدير الإسعاف والطوارئ بمحافظة غزة حسين محيسن، والمسعفين وائل العطار وبراء عفانة، جراء قصف إسرائيلي خلال محاولتهم انتشال مصابين من منطقة المحطة بشارع يافا في حي التفاح بمدينة غزة.
وفي السياق، أكد مسؤول الإسعاف والطوارئ في الخدمات الطبية شمال قطاع غزة، فارس عفانة، أنّ قوات الاحتلال تواصل استهدافها الممنهج لطواقم الإسعاف، في انتهاك صارخ للقانون الدولي الإنساني
وأوضح عفانة لـ "وكالة سند للأنباء"، أن الشهداء الثلاثة بينهم نجله براء ارتقوا أثناء تأدية واجبهم الإنساني في إسعاف المصابين، رغم وضوح هويتهم الرسمية، ووجود إشارات الإسعاف والمركبة الطبية، بالإضافة إلى ارتدائهم الزي الميداني المعروف.
قتل العدو الاسرائيلي قبل قليل ثلاثة مسعفين في غزة.. كانوا يجمعون الأشلاء، يرفعون الأطراف المبتورة من بين الركام، يواسون المفجوعين ويُسابقون الزمن لإنقاذ من تبقّى حيًّا.. أبطال لم يتركوا الميدان يومًا حتى تركوا فيه أرواحهم. حسين محيسن، وائل العطار، براء عفانة إلى العلياء والمجد pic.twitter.com/Jb8l72tyQ4
— مُنى حوّا • Muna Hawwa (@MunaHawwa) June 9, 2025
وعن تفاصيل ما جرى، أفاد أن فرق الإسعاف، تلقت نداء استغاثة من مواطنين جراء قصف إسرائيلي طال منطقة المحطة في حي التفاح شرقي مدينة غزة، وعند وصول الطواقم لموقع الحدث، تم استهدافهم أثناء نقلهم أحد الجرحى.
ووصف ما جرى بأنه عملية إعدام ميدانية بكل وضوح، فالاحتلال تعمّد استهدافهم في منطقة مكتظة بالنازحين، رغم معرفته الكاملة بأنهم طواقم إغاثة، وتجاهل تمامًا القوانين والأعراف الدولية التي تحمي العاملين في القطاع الطبي.
وتابع في وصف المشهد: "كان مأساويًا وقاسيًا، حتى حين حاولنا إنقاذهم تم إطلاق النار علينا وانسحبنا بصعوبة بالغة".
وتطرق في حديثه عن نجله براء قائلًا: "التحق بالعمل في الطوارئ منذ بداية العدوان في أكتوبر 2023، بعد نزوح العائلة للجنوب، وكان لديه شغف كبير في توثيق جرائم الاحتلال والعمل على إنقاذ أرواح الناس".
وأكد عفانة أن الطواقم الطبية تعمل في ظروف شبه معدومة، بعد تدمير الاحتلال لنحو 80% من قدرات الطوارئ شمال القطاع، بما في ذلك تدمير خمس مركبات إسعاف خلال الأشهر الثلاثة الماضية، واستشهاد واعتقال عدد من المسعفين.
وبحسب احصائيات رسمية صادرة عن المكتب الإعلامي الحكومي في تاريخ 28 مايو/ أيار الماضي، فإن نحو 1580 شخصا من الكوادر الطبية ارتقوا منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة في السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023، من بينهم 35 من طواقم الإسعاف الفلسطيني.
قتلت إسرائيل أربعة أبطال هذا المساء في مدينة غزة: ثلاثة مسعفين وصحفي، بصاروخ واحد.
— Tamer | تامر (@tamerqdh) June 9, 2025
المسعف الذي يظهر في الفيديو قُتل مع من صور الفيديو.
وائل ، حسن ، براء ومؤمن شهداء . pic.twitter.com/ODYrczYHDd
من جانبه قال مدير العلاقات العامة والإعلام في جهاز الدفاع المدني محمد الميدنة؛ إن استهداف الاحتلال لمقدمي الخدمة الإنسانية؛ أمر جديد قديم؛ من بينهم 116 شهيدا تابعين للدفاع المدني.
وأضاف الميدنة لـ "وكالة سند للأنباء"، أنّ الاحتلال استهدف طواقم الإسعاف أمس في مناطق لا تصنف على أنها خطيرة؛ وهذا يعكس الرغبة الإسرائيلية في استهداف الطواقم الإغاثة والمسعفين..
وجدد مطالبته لمجلس الامن والأمم المتحدة؛ بضرورة التدخل؛ لوقف المجازر بحق مقدمي الخدمات الإنسانية والاستهداف المباشر لهم.
استهداف ممنهج.. "إعدام المسعفين في رفح"
وتتزايد المخاطر خلال المهام الليلية، إذ يكثف جيش الاحتلال الإسرائيلي قصفه في ساعات الليل، ناهيك عن معاناة أخرى تتمثل في نقص المعدات والمستلزمات اللازمة لإنقاذ المصابين، أو انتشال الشهداء.
وتُعيدنا هذه الحادثة إلى جريمة حرب سابقة ارتكبها جيش الاحتلال في 23 مارس/ أذار الماضي، بإعدامه 15 من أفراد طواقم إنقاذ فلسطينية، في حي تل السلطان في مدينة رفح.
حيث كشف مقطع مصور عُثر عليه في هاتف أحد المسعفين الذين أعدمتهم قوات الاحتلال في حي السلطان حينها، لحظة إطلاق جيش الاحتلال النار عليهم، مفنّدًا الرواية الإسرائيلية حول الحادثة.
وتم العثور على المقطع في هاتف محمول يعود لمسعف، عُثر على جثته في مقبرة جماعية تضم جثث 15 من عمال الإغاثة الذين استشهدوا بنيران الجيش الإسرائيلي في رفح.
وأكد المقطع أن سيارات طواقم الهلال الأحمر والدفاع المدني وملابسهم، كانت مُعلَّمةً بوضوح، وأن أضواء الطوارئ كانت تعمل أثناء تعرضهم لإطلاق النار.
ويظهر المقطع لحظة ترجل المسعفين من السيارات لإنقاذ مصابين في المنطقة، ليباغتهم جيش الاحتلال بإطلاق كثيف للرصاص، تُسمع أصواته بوضوح في المقطع المصور، يتبعها صوت أحد المسعفين وهو يردد الشهادتين.
ويأتي هذا الكشف بعد أن ادّعى الجيش الإسرائيلي في وقت سابق، أن قواته لم تهاجم سيارات الإسعاف عشوائيًا، وأن بعض المركبات "تم التعرف عليها وهي تقترب بطريقة مريبة دون أضواء أو إشارات طوارئ باتجاه الجنود.
جريمة إعدام هند رجب وطاقم الإسعاف..
ولا يخفى على أحدنا جريمة إعدام جيش الاحتلال الإسرائيلي لعائلة الطفلة هند رجب وطواقم الإسعاف التي حاولت الوصول إلى مركبتهم في حي تل الهوا بمدينة غزة بتنسيق رسمي لإنقاذ المحاصرين.
ففي تاريخ 29 يناير 2024، تلقى الهلال الأحمر الفلسطيني اتصالًا من طفلة تطلب المساعدة، حيث ذكرت أن دبابة إسرائيلية قامت بإطلاق رصاص على سيارتهم في منطقة "دوار المالية" بحي تل الهوى جنوب غربي المدينة.
وخلال المكالمة، سُمع صوت صراخ الطفلة وصوت كثيف لإطلاق الرصاص، ثم توقفت المكالمة فجأة.
"أرجوكم، تعالوا وأنقذوني"
— Tamer | تامر (@tamerqdh) November 11, 2024
كانت هذه آخر كلماتها قبل أن تُقتل بـ 350 رصاصة. نحن نُقتل على يد وحوش تجاوزوا المرضى النفسيين والسفاحين.
هذه هي التجربة المروعة التي عانتها هند رجب في لحظاتها الأخيرة، والتي أُعادة تجسيدها بواسطة الذكاء الاصطناعي . pic.twitter.com/L1IO9ME8xd
وبعد 12 يوماً أعلن الهلال الأحمر العثور على مركبة الإسعاف التابعة له في منطقة تل الهوى بمدينة غزة، واستشهاد المسعفين يوسف زينو وأحمد المدهون، بعد فقد آثارهما أثناء مهمة انقاذ الطفلة هند.
وأوضح الهلال الأحمر أن الاحتلال تعمد استهداف مركبة الإسعاف فور وصولها الموقع، حيث عثر عليها على بعد أمتار من المركبة التي فيها الطفلة هند، رغم الحصول على تنسيق مسبق، للسماح بوصولها الى المكان.
بعد 12 يوم من فقدان الاتصال بها.
— 91,s 𓂆🇵🇸 (@SsedoOfficiaI) February 10, 2024
العثور على جثمان الشهيدة الطفلة هند رجب مع خمسة من أفراد عائلتها .. قتلهم المُختل بدم بارد
مش متخيل ان ده حصل والعالم كله كان بيسمعه وقدام عينه ومش اول جريمة !
صوت اختها الكبيرة وهي تصرخ من الرصاص مبيفارقش وداني حسبنا الله ونعم الوكيل في كل… pic.twitter.com/J6gr1OASlq
خرق للاتفاقيات..
ولم تكتفِ "إسرائيل" بما سبق، فمسلسل غدرها ما زال مستمراً حتى اللحظة، لتخرق به اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية، والقوانين الدولية كافة.
وكانت اتفاقية جينيف تنص على حماية الأشخاص الذين لا يشاركون في القتال (المدنيون والمسعفون وموظفو الإغاثة)، والأشخاص الذين كفوا عن المشاركة في القتال (أفراد القوات الجرحى والمرضى والغرقى وأسرى الحرب).
وتقع اتفاقيات جنيف وبروتوكولاتها الإضافية في صلب القانون الدولي الإنساني، وهو فرع من القانون الدولي ينظم السلوك في أثناء النزاعات المسلحة ويرمي إلى الحد من آثارها.
وتحمي الاتفاقيات تحديدًا الأشخاص الذين لا يشاركون في "الأعمال العدائية"، بمن في ذلك المدنيون والعاملون في مجال الرعاية الصحية وموظفو الإغاثة، والأشخاص الذين كفوا عن المشاركة فيها.
وتتضمن الاتفاقيات قواعد صارمة تتصدى لما يُعرف بـ "الانتهاكات الجسيمة"، ويجب البحث عن مرتكبي هذه الانتهاكات الجسيمة، ومحاكمتهم أو تسليمهم أيًّا كانت الجنسية التي يحملونها.