أشهر عديدة مرت بين جنبات سياسة دعم صامت وخفي لعصابات نهب المساعدات وقُطَّاع الطرق في قطاع غزة، والتي استنزفت جهد المقاومة وجيوب المواطنين وفاقمت الأزمات المركبة بفعل الحرب، إلا أن الاحتلال الإسرائيلي اعترف مؤخراً وعلى الملأ بتمويل وتسليح هذه العصابات لتنفيذ أجنداته في غزة.
وتأخذ هذه السياسة أهمية خاصة في ظل استهداف الحالة الفلسطينية الداخلية وسط، في وقتٍ يتعرض فيه قطاع غزة إلى إبادة جماعية منذ أكثر من 20 شهراً.
عصابات "أبو شباب" أحد أبرز المجموعات المسلحة التي باتت تضم العشرات ممن ينشطون في المناطق التي تقع تحت السيطرة الإسرائيلية جنوب قطاع غزة، متخذين من "البلطجة وقطع الطرق"، نهجاً آخر وطريقاً مكشوفاً في حرب الإبادة على غزة.
ومؤخراً، اعترف رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو بشكل صريح بتسليح وتمويل وتوجيه عصابات مسلحة في قطاع غزة، بينما يُعد هذا الاعتراف متأخراً لا سيما بعد حديث وزير الجيش السابق، يوآف غالانت، في مارس/آذار 2024، عن محاولات تجنيد عائلات من شمال قطاع غزة وتسليحها بمسدسات لمواجهة حركة حماس إلا أنها فشلت بعد تعامل المقاومة الصارم مع هذه الظاهرة.
سيناريو يتكرر..
وبهذه السياسة تُعيد "إسرائيل" تكرار السيناريو نفسه، حيث حوَّل الاحتلال المنطقة الجنوبية الشرقية لمحافظة رفح في عقود سابقة إلى ملجأ للعملاء وأسرهم الذين تعاملوا مع "إسرائيل".
ولاحقت فصائل المقاومة الفلسطينية في سنوات الانتفاضة الأولى العملاء، سواء من خلال إطلاق النار عليهم بشكل مباشر وقتل عدد منهم، أو قمعهم بتكسير أقدامهم وأرجلهم لردعهم عن التواصل مع الاحتلال.
وفي تكرار لتعامل المقاومة نفسه مع المتعاونين مع الاحتلال، بثت كتائب عز الدين القسام، الجناح العسكري لحركة حماس، في 30 مايو/أيار الماضي فيديو لاستهداف مجموعة من "المستعربين" التابعين لجيش الاحتلال شرقي رفح بعدما كانوا يتحركون بملابس مدنية قرب الحدود ويقتحمون منازل في المنطقة.
وقبل أيام قليلاً، أعدمت المقاومة الفلسطينية عدداً من المتعاونين والمشاركين في عصابات "أبو شباب" في خانيونس جنوب قطاع غزة، ضمن كمين محكم أعدتهم لهم، حيث تضع المقاومة هذه العصابات في مقدمة أهدافها.
ماذا وراء تسليح العصابات؟
يقول المختص في الشأن العسكري رامي أبو زبيدة في حديثه لـ"وكالة سند للأنباء"، إن "إسرائيل" من خلال تمويل وتزويد هذه العصابات بالأسلحة، خلق حالة من الفوضى والتخريب من الداخل، مما يتيح لها الفرصة لمراقبة وتفكيك الفصائل المسلحة الرئيسية عبر تحريك هذه "الميليشيات العميلة"، وفقاً لـ"أبو زبيدة".
ويرى "أبو زبيدة" اختيار "إسرائيل" لهذه "الفئة المجرمة" التي تم جليها من خلفيات إجرامية، خطوة استراتيجية، حيث يتم استغلال هؤلاء كأدوات قابلة للتوجيه بسهولة.
ويزيد:" وبافتقار هذه الفئة للولاء الوطني" يمكن استغلالهم لتنفيذ أجندات الاحتلال دون الحاجة للردع الوطني أو الشعبي الكبير.
ويخلق دعم العصابات المدعومة من الاحتلال نوعًا من الشكوك حول فاعلية المقاومة الفلسطينية وتماسكها، - على حد قوله-، حيث قد يتم تصوير هذه العصابات كقوى موازية للمقاومة المسلحة الحقيقية، مما يؤثر على تأثير الحاضنة الشعبية تجاه المقاومة.
ويوضح ضيفنا أن اعتماد الاحتلال على هذه العصابات قد يؤدي إلى تصاعد شكوك الجمهور الفلسطيني حيال بعض الفصائل العسكرية، ما يخلق انقسامات داخل المجتمع الفلسطيني ويضعف الدعم الشعبي للمقاومة.
بينما قد تشكل العصابات التي تكون مرتبطة بالقوى المعادية تهديدًا مباشرًا للسلامة العامة للمواطنين الفلسطينيين، والتقليل من قدرة المقاومة على حماية المجتمع من مختلف التهديدات.
مفاقمة الأزمات المركبة..
ويشدد "أبو زبيدة" أن تسليح العصابات في قطاع غزة قد يفاقم الأزمات المركبة التي يعاني منها القطاع، من خلال تفكك الأمن الداخلي وما يترتب عليه من تصاعد النزاعات الداخلية في غزة، الأمر الذي يزيد الضغط على الأجهزة الأمنية للمقاومة ويُحدث فجوات أمنية في ظل الحرب المستمرة.
ويؤكد "أبو زبيدة" في حديثه لـ"وكالة سند للأنباء"، أن وجود هذه العصابات المسلحة قد يؤدي إلى زيادة في الحوادث الإجرامية والعنف العشوائي داخل المجتمع الغزي، ما يضر استقرار الحياة اليومية.
وبحسب ضيفنا فإن الاحتلال الإسرائيلي يستثمر في هذه العصابات للإضرار بالتماسك الوطني الفلسطيني في غزة، ويستغل الانقسامات الداخلية لتعزيز التفكك بين الفصائل.
ويوضح في حديثه لمراسلتنا أن تسليح وتدريب عصابات مثل "أبو شباب" يأتي في إطار سياسة الاحتلال لإضعاف الجبهة الداخلية للمقاومة الفلسطينية، وتحقيق نوع من التوازن الهش في غزة، بهدف تقليل قدرة الفصائل الرئيسية مثل حماس والجهاد الإسلامي على اتخاذ خطوات فعالة ضد الاحتلال.
متطلبات وواجبات..
ويُحذر "أبو زبيدة" من أن تسليح العصابات في غزة يشكل تهديدًا للأمن الداخلي الفلسطيني ويُحرف بوصلة المواجهة ضد الاحتلال، ما يتطلب من المقاومة اتخاذ تدابير حاسمة على مستوى الوعي والتعاون الداخلي والإجراءات الأمنية المكثفة.
وفي إطار ذلك، تُلقي هذه التبعات الخطيرة على عاتق المقاومة الفلسطينية تعزيز التنسيق الداخلي بين الفصائل، وتطوير الخطط الأمنية لتعزيز الاستقرار داخل قطاع غزة، كما يجب التعامل مع العصابات العميلة بشكل مباشر وسريع لإفشال مخططاتها.
ويهيب "أبو زبيدة" بضرورة اتخاذ خطوات ردعية حاسمة ضد هذه العصابات، من خلال مراقبة تحركاتهم وتجفيف مصادر التمويل والتسليح، وإحباط أي محاولات لتوسيع دائرة أنشطتهم.
ويستوجب على الإعلام المقاوم ومنظمات المجتمعي المدني -وفق ما أورده ضيفنا-، بذل الجهود جهودًا لتوعية الشعب الفلسطيني بمخاطر هذه العصابات ودور الاحتلال في تسليحها، وتعزيز الوعي الشعبي حول ضرورة تجنب أي تعاون مع هذه العناصر الموالية للعدو.
وفي حديثه، يُظهر أهمية تكثيف الجهود على المستوى الدولي لفضح دور الاحتلال في تقوية هذه العصابات، والحصول على دعم أوسع لمكافحة هذا التهديد المزدوج الذي يأتي من الداخل والخارج.
فشلٌ في خلق الحاضنة الشعبية..
واستكمالاً لما سبق، يؤكد المحلل السياسي عمر جعارة أن سلطات الاحتلال الإسرائيلي فشلت في القضاء على المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، ما ألجأها إلى تسليح مثل هذه العصابات، التي تكون من داخل الشعب نفسه.
ويُبيِّن في حديثه لـ"وكالة سند للأنباء"، أن "نتنياهو" لا يستطيع أن يدافع عن نفسه لإطالة عمر الحرب والذي يقترب من السنتين، مستذكراً قول وزير جيش الاحتلال السابق أفغيدور ليبرمان على القناة 12 الإسرائيلية الموجه لنتنياهو:" أنت لا تستطيع تحقيق الانتصار على المقاومة في سنتين، هل تريد 10 سنوات أخر حتى تستطيع الانتصار عليها"؟
ويوضح ضيفنا أن "إسرائيل" لم تستطع الانتصار على المقاومة بالرغم من لجوئها لاستخدام الأسلحة الحديثة والمطورة، وزيادة أعداد الشهداء من المدنيين والأطفال والنساء في غزة.
وفي إطار ما سبق، يؤكد "جعارة" أن مثل هذه العصابات لا يمكن أن تحظى بأي حاضنة اجتماعية، لا في قطاع غزة ولا في الضفة الغربية.
ويستدل على ذلك برفض الإسرائيليين تسليح مثل هذه العصابات بالبنادق إنما يريدون تسليحهم بالعصي، مضيفاً "لا يثق الإسرائيليون بالفلسطيني حتى وإن كان إلى جانبه".
ويتساءل "جعارة" في حديثه لـ"وكالة سند للأنباء"، "إذا كان هذا حالهم بوجهة النظر الإسرائيلية، فما بالك بوجهة نظهر الفلسطيني الذي لن يقبلهم لا بالعصي ولا بالبنادق".
ويشير إلى أن كل أساليب الاحتلال في التاريخ لم تنج بخلق حاضنة اجتماعية لعملائهم، مؤكداً فشل "إسرائيل" في القضاء على المقاومة كما يحدث في الضفة الغربية وقطاع غزة.
ويزيد:" وإذا تمكنت "إسرائيل" – لا قدر الله- بالقضاء على المقاومة، فإنها لن تتمكن من خلق حاضنة اجتماعية تعمل لخدمتها.