تعتبر "إسرائيل" أن توقيت الهجوم على إيران، الذي بدأ الأسبوع الماضي، كان الأفضل منذ سنوات، كون إيران اليوم أكثر ضعفًا أمام أي هجوم مما كانت عليه، منذ أن بدأت "إسرائيل" تفكر في ضربها قبل نحو 15 عامًا.
وما يعزز ذلك، أنه جرى تقليص الدفاعات الجوية الإيرانية بشكل كبير في غارتين إسرائيليتين العام الماضي.
كما أن محور المقاومة الذي عملت طهران بعناية على بنائه كخط دفاع أمامي، قد انهار فعليًا.
وبما أن روسيا مشغولة في حربها الخاصة في أوكرانيا، فهي غير قادرة على مساعدة حليفتها في إعادة التسلّح.
أما تحذيرات الرئيس الأميركي دونالد ترامب لـ "إسرائيل" بعدم مهاجمة إيران أثناء المفاوضات النووية، فتبين أنها لم تكن جدية، بل ربما كانت تهدف لخداع إيران وإيهامها بأن الهجوم ليس وشيكًا.
ومن حيث المنطق العسكري، كان من الصعب مقاومة فكرة شن الحرب لإزالة التهديد النووي الإيراني.
متى تنتهي الحرب.. سؤال بلا إجابة
لكن بعد أربعة أيام من القتال، بدأ يتضح أن سؤال متى تنتهي هذه الحرب، أصبح بلا إجابة.
فبعد الضربات الأولى، قال نتنياهو إن العملية ستستمر "لأي عدد من الأيام يتطلبه الأمر"، بينما تحدث قادة الجيش الإسرائيلي عن أسابيع بدلاً من أيام، لكنهم لم يتوقعوا على ما يبدو حرب استنزاف كالتي بدأت تتشكل.
فهل قد يجد نتنياهو نفسه مثل الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حين ظن أن قواته المتفوقة ستنتصر بسرعة، لكنه اكتشف أن خصمه لن يتعاون؟
الموارد الإسرائيلية محدودة
من غير المرجّح أن تستمر الحرب بين إيران و"إسرائيل"، من تبادل للصواريخ والطائرات المسيّرة، لسنوات مقبلة.
فـ "إسرائيل"، من الناحية الجغرافية، صغيرة جدًا، وسكانها متركزون بشكل كبير حول "تل أبيب"، بحيث يصعب تحمّل ضربات متكررة.
ورغم أن جيشها أظهر قدرة عالية في الهجوم، إلا أن موارده، من أفراد وذخيرة ومال، محدودة.
فمنذ هجوم حماس في 7 أكتوبر 2023، تخوض "إسرائيل" حروبًا متواصلة في غزة ولبنان وسوريا، وتتصدى لهجمات صاروخية من الحوثيين.
ورغم أن "إسرائيل" اليوم أكبر وأكثر ثراءً وقوة عسكرية من أي وقت مضى، ولم تعد بحاجة إلى تحقيق نصر خاطف كما في السابق، فإنها لا تملك موارد لا نهائية.
وبدت خطة الحرب الإسرائيلية وكأنها تستند إلى تدمير ثلاثة أهداف رئيسية خلال أيام أو أسابيع:
1. الدفاعات الجوية الإيرانية*، وقد تحقق ذلك وفق الخطة، إذ أعلنت إسرائيل في 16 يونيو أنها *باتت تملك تفوقًا جويًا في سماء طهران.
2. البنية القيادية المزدوجة للجيش الإيراني (الجيش والحرس الثوري)، وكذلك اغتيال عدد من كبار العلماء النوويين، ويبدو أن هذا تحقق عسكريًا، لكن من غير الواضح إن كانت هذه الخسائر ستحد من قدرة إيران على مواصلة القتال أو برنامجها النووي.
3. الهدف الأساسي: تدمير البرنامج النووي الإيراني — وهنا، لا توجد أدلة واضحة على أن إسرائيل حققت غايتها.
تدمير "فوردو"
ويشكك كثيرون في قدرة "إسرائيل" على تدمير منشأة فوردو النووية من الجو.
بعض المحللين يقترحون تكرار الضربات الجوية على نفس الهدف، مستفيدين من التفوق الجوي الإسرائيلي، أو تنفيذ عملية برية بواسطة قوات خاصة، وهو أمر قامت به سابقًا في سوريا، لكن فوردو أكبر وأبعد وأكثر تحصينًا، ما يجعل احتمال الفشل كبيرًا.
من الصعب تصديق أن نتنياهو بدأ هذه الحرب وهو يراهن على أن الولايات المتحدة ستنضم إليه لاحقًا — لتدمير فوردو على الأقل.
البيت الأبيض يبدو منقسمًا بين صقور مؤيدين لـ "إسرائيل" وعزلة أميركية ترفض التورط، بينما الكلمة الفصل لترامب.
وفي تصريح علني له في 15 يونيو، قال ترامب: "آمل أن يتم التوصل إلى اتفاق. أعتقد أن الوقت قد حان. أحيانًا يجب أن يتقاتل الطرفان، لكننا سنرى ما سيحدث."
وهذا يوحي بأن ترامب لا يخطط للانخراط العسكري، بل لتجديد المفاوضات مع طهران.
لكن في حال هاجمت إيران أهدافًا أميركية، أو ناقلات نفط في الخليج، أو منشآت نفطية سعودية، فقد تتغير الحسابات في واشنطن.
وبذلك، فإن قرار انخراط الولايات المتحدة في الحرب قد يكون فعليًا بيد المرشد الإيراني علي خامنئي — وقد يختار عدم منح نتنياهو هذه الهدية، تحديدًا لأنها تخدم خصمه.
حرب استنزاف
وما يقلق نتنياهو بشدة هو أن استراتيجية إيران تبدو أقرب إلى حرب استنزاف، وتُعيد إلى الأذهان حرب المدن التي خاضتها إيران مع العراق في الثمانينيات.
فبنك الأهداف الإيراني يضم منشآت عسكرية ونووية إسرائيلية، لكنه يفتقر إلى دقة الضربات الإسرائيلية.
ومع ذلك، فقد أصابت الصواريخ الإيرانية عددًا من المباني السكنية في محيط تل أبيب، وأسفرت حتى الآن عن مقتل ما لا يقل عن 24 شخصًا وإصابة المئات، وتدمير أو تضرر أعداد كبيرة من الأبنية.
ورغم أن الدفاعات الإسرائيلية اعترضت معظم الهجمات، إلا أن قلة منها كفيلة بإحداث دمار واسع.
صحيح أن هذه الخسائر لا ترقى لمستوى يغير قرار القيادة الإسرائيلية بمواصلة الحرب، لكنها ليست سوى أربعة أيام من القتال.
وإذا لم تدمر "إسرائيل" منصات الإطلاق والمخزونات الإيرانية، فإن لدى طهران ما يكفي لمواصلة القصف.
أما السؤال الجوهري: هل يستطيع الشعب الإسرائيلي تحمّل حرب استنزاف تطال المدنيين؟
في الواقع، هوس نتنياهو بإيران لم يلقَ صدىً كبيرًا لدى الجمهور الإسرائيلي. فقد كان الإسرائيليون مستعدين للتضحية في حرب غزة، لكن ليس من الواضح إن كانوا سيقبلون التضحيات ذاتها في مواجهة إيران.
أضف إلى ذلك أن "إسرائيل" تخوض حروبًا متواصلة منذ نحو 20 شهرًا، ما يُرهق اقتصادها وقواتها الاحتياطية.
من جهة أخرى، تاريخ قصف المدن بهدف كسر معنويات العدو لا يُظهر نتائج جيدة، كما اكتشف بوتين في أوكرانيا.
ومع تراجع فرص تحقيق نصر حاسم، فإن مآلات هذه الحرب قد تكون أقل فائدة من الوضع السابق:
أحد السيناريوهات هو أن خامنئي يشرب "كأس السم"، كما وصف الخميني قراره بإنهاء الحرب مع العراق عام 1988، ويقبل بإنهاء القتال تجنبًا لانهيار النظام.
وربما تراهن "إسرائيل" على دفعه لهذا الخيار عبر التهديد بإسقاط النظام.
لكن الخطر يكمن في أن خامنئي قد يعود لطاولة المفاوضات مع ترامب، ويحصل على تخفيف للعقوبات يُطيل عمر النظام، بل وربما يحتفظ بجزء من برنامجه النووي، وهذا ليس السيناريو الذي يأمله نتنياهو.
الاحتمال الآخر هو أن خامنئي يرفض الكأس ويواصل الحرب لشهور أو حتى سنوات، مما يجعله هو من يستلهم استراتيجية بوتين في أوكرانيا: رهان على أن إيران تستطيع إنهاك خصمها والانتصار في حرب استنزاف طويلة.
المصدر: فورين بوليسي