جلادون في زي أطباء يجرّون الأسرى الفلسطينيين إلى موت حتمي، ويدفنوهم في "مقابر الأحياء"، فما بين الحياة والموت خيط رفيع يقطعه الإهمال الطبي وسياسات الاحتلال الإسرائيلي التعسفية بحق الأسرى في السجون.
أكثر من 600 أسيرٍ فلسطيني مريض يصارعون الموت بأجسادهم المنهكة، بحثاً عن حياةٍ كالحياة، وفي مقدمتهم الأسير ناصر أبو حميد المعرض للاستشهاد في أي لحظة.
لكن إسرائيل تأبى إلا أن تُطبِق عليهم بشتى أنواع العذاب، وعلى رأسها جريمة إعدام الأسرى بسياسة الإهمال الطبّي المتعمّد، التي تُضاف إلى سجل الممارسات الإجرامية التي تنتهجها سلطات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.
فما الاستراتيجيات الواجب اتباعها لإنقاذ حياة الأسرى المرضى في السجون، في ظل وجود ملف الإهمال الطبي؟
وللإجابة على هذه التساؤلات، التقت "وكالة سند للأنباء" بمجموعةٍ من المختصين في شؤون الأسرى، وبعض الحقوقيين.
"انتهاج النضال"
يقول رئيس الهيئة العليا لمتابعة شؤون الأسرى والمحررين في الضفة الغربية أمين شومان، لفعل برنامج وطني حقيقي لإنقاذ حياة الأسرى يجب العمل على مستويين، أولهما الرسمي والسياسي والدبلوماسي والحقوقي والقانوني الفلسطيني.
إذ يجب أن تتضافر الجهود لإنقاذ الأسرى الفلسطينيين وتغيير الصورة التي يحملها الأوروبيون والأمريكيون عن الحكومة الإسرائيلية التي تتغنى بالديمقراطية، مطبقةً على أرض الواقع جميع الانتهاكات المخالفة للمواثيق والقوانين الدولية، وفقاً لما ذكر.
وعلى صعيد آخر، يرى "شومان" أن الحراك الشعبي والجماهيري يشكل ورقة ضغط حقيقية على الاحتلال، إذا ما خرج الفلسطينيون في مراكز المدن وعلى نقاط الاحتكاك؛ ليفرض معادلة جديدة في التعامل معه، ورفض الانتهاكات التي تُنفذ مع سبق الإصرار والترصد بحق الأسرى.
ففي عام 1994 أُفرِج عن جميع الأسرى الفلسطينيين نتيجة لانتفاضة واسعة دفاعاً عن الأسرى، ومن هذا المنطلق يعتبر "شومان" امتلاك الحراك الشعبي الجماهيري الواسع يهدد الاحتلال بوجود انتفاضة أسرى قادمة، ما سيغير قواعد اللعبة في التعامل مع الحركة الأسيرة.
أما رئيس نادي الأسير الفلسطيني قدورة فارس، يبيِّن لـ"وكالة سند للأنباء" أن توسيع رقعة المعركة مع الاحتلال بحيث تشمل كل مكان، ستربك حسابات الاحتلال.
ويوضح "فارس" أن إسرائيل تسعى لاقتراف جرائمها وحبسها خلف جدران المعتقل، مشدداً أن أي جريمة صغيرة تُقترف في السجن، يجب أن تشعل الحرائق خارجه، "فإذا أراد الاحتلال الضغط بنقطة، نضغط عليه بعشرات النقاط".
وفي حديثه عن العصيان الوطني الشامل، يرى أنه استراتيجية واسعة لا يمكن ربطها بحادثة معينة، وتحديداً قضية الأسير المريض ناصر أبو حميد، الذي يسابق مع الوقت فكل دقيقة تمضي على وجوده بالسجن يقترب من لحظة استشهاده أكثر.
ويدعو "فارس" الشعب الفلسطيني لاعتماد استراتيجية كفاحية جديدة في مواجهة جرائم الاحتلال بما فيها جرائم الأسرى، كذلك التحرك حقوقياً واستراتيجياً في ملف الإهمال الطبي.
" سجون لزرع الموت"
بدوره يؤكد وزير الأسرى السابق عيسى قراقع أن هناك إجماعا دوليا على أن إسرائيل لا تقوم بواجباتها القانونية ولا الصحية تجاه المعتقلين في السجون.
"السجون أصبحت مكانا لزرع الموت والأمراض في أجسام المعتقلين"، وهنا يتساءل "قراقع" عن سبب إصابة الأسرى بأمراضٍ خطيرة ومزمنة مثل السرطان؟ ولماذا تُسجل أعدادٌ من الأسرى الشهداء في السجون كل عام؟
ويرجع ذلك إلى أن هناك مشكلة في السجون التي أصبحت مكاناً لزرع الموت والأمراض في أجسام المعتقلين.
ويشير "قراقع" إلى وجود غطاء دولي على إدانة إسرائيل التي ترتكب جرائم طبية بحق المعتقلين، وذلك في ظل ازدياد الحالات المرضية وحالات الوفاة داخل السجون.
ويؤكد أن الإستراتيجية يجب أن تبنى على قاعدتين، أولها مطالبة القيادة والشعب الفلسطيني الأمم المتحدة بإرسال لجنة تقصي حقائق في سجون الاحتلال، وإلزام إسرائيل بالإجراءات القانونية والإنسانية.
ويشدد على أن يكون للشعب الفلسطيني مطلبٌ أساسي في تحميل إسرائيل المسؤولية عن التدهور الصحي المتزايد في صفوف الأسرى.
ويتابع، أن وحدة صفوف الأسرى واتخاذ إجراءات نضالية لأجل الإفراج عن المرضى وتحسين العلاج لهم، خطوة مهمة.
وينبه "قراقع" أن ما يحدث في سجون الاحتلال جرائم يجب أن ترفع قضاياها بشكل عاجل إلى المحكمة الجنائية الدولية، ومطالبتها بالتحقيق في أسباب وفاة أسرى داخل السجون سواء بالتعذيب أو القمع أو الأمراض.
وفي حديثه عن الوضع الجماهيري والميداني الفلسطيني، يلفت أنه في تراجع بشكل شديد ويشهد تقصيراً كبيراً بحق الأسرى، وهذا منوط بدور الفصائل والتنظيمات، ومثل ما قال " لا توجد كارثة أكبر من أن يعود لنا أسير بكيس أسود من داخل السجن".
"من واقع معاناة"
ومن واقع تجربة ومعاناة، ينقل لنا الأسير المحرر فخري البرغوثي أنه لا يوجد علاج للشفاء داخل السجون، إنما المُتبّع تخدير الأمراض لفترة طويلة حتى لا تعالج، فيخرج أصحابها شهداء للشعب الفلسطيني.
ويضيف "البرغوثي" أن الأسرى بحاجة إلى لملمة الانقسامات داخل الشعب الفلسطينية، واتخاذ القرارات والإجراءات لحل هذه القضية أكثر من أي شيء آخر.
ومن جانبه يصف الأستاذ والأسير المحرر عماد البرغوثي سياسة الاحتلال الإسرائيلي بـ"المماطلة القاتلة"، التي ينتهجها في علاج الأسرى.
ويردف "عماد" أن مسلسل الإجراءات القمعية في سياسة الإهمال الطبّي يستمر بإعطاء المريض موعدا للمستشفى بعد شهر أو شهرين، وينقل عبر "البوسطة" المرهقة التي تعتبر نوعاً آخر من القتل المتعمد.
إضافة لعدم توفير العلاج، ومكوث الأسير المريض في المستشفى والتي وصفها بـ" مقابر الأحياء" مكبلاً وتحت المراقبة الشديدة، دون كتفٍ حانٍ من أهل أو صديق يرمي بثقله عليه.
ويطالب "البرغوثي" الفلسطينيين بزيادة أساليب المساندة للأسرى بعيداً عن التقصير الذي يشهده الشارع الفلسطيني الآن، وداعياً السفارات والقنصليات الفلسطينية لإيصال الصورة خارج الحدود.
إن الأسرى المرضى المتواجدين في أقبية السجون يُعانون أوضاعاً صحيةً خطيرةً، ويفتقرون لأبسط مقوّمات الحياة الآدمية.
وإن إعدام الأسرى عن طريق الإهمال الطبّي المتعمّد جريمةٌ مستمرة، تُضاف إلى سجل الممارسات الإجرامية التي تنتهجها سلطات الاحتلال بحق الشعب الفلسطيني.