الساعة 00:00 م
الأحد 28 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.84 جنيه إسترليني
5.4 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.1 يورو
3.83 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

خاص بالصور والفيديو بكفن أبيض وزفة بموعد مختلف.. عروس غزة الشهيدة دانية عدس

حجم الخط
دانية عدس
غزة – إيمان شبير – وكالة سند للأنباء

مرةً أخرى هي الحروب إذن، في لحظةٍ خاطفة، تُحوّل موسم "الأعراس" إلى "جنازات" والفرحة إلى "مأتم"، و"عُش العصفور" الذي بناه مُحب في ذاكرته قشة فوق قشة، صَفعه قدر الموت، فقط لأن الاحتلال الإسرائيلي قرر مباغتة قطاع غزة بعدوانٍ جديد.

دانيا علاء عدس (19 عامًا) شابة فلسطينية كانت تتأهب لزفافها بعد شهرين، قتلها الاحتلال مع شقيقتها الأصغر إيمان (17 عامًا)، بعد قصفٍ جوي طال بيتًا مجاورًا لبيت عائلتهما في حي الشعف شرق مدينة غزة فجر يوم الثلاثاء الماضي (9 مايو/ أيار 2023).

"دانيا" مخطوبةٌ منذ ثلاثة أشهر، كان خطيبها محمد سعد قد خطّ على صندوق المهر يوم عقد قرانهما بحبر الحبّ الخالص "ما كنتُ أؤمن بالعيون وسحرها حتى أذهلتني في الهوى عيناكِ"، اعتقد أن ما يُخططان له لمستقبلهما معًا سيكون واقعًا قريبًا يُسعد قلبيهما لكنّ ودون سابق إنذار انتهت كل الأحلام بكفنٍ أبيض ودموع حارقة.

346053542_204950705728980_3150773407966155607_n.jpg
 

زارت "وكالة سند للأنباء" منزل عائلة "عدس"، كان "محمد" يجلس برفقة والد الشهيدتين والحسرة تأكل قلوب الحاضرين، لكنّه لم يقو على الحديث، بالكاد تحدث بصوتٍ خفيض عن جزءٍ من أحلامهما التي كانا يُخططان لها.

يقول محمد سعد، إنهما خططا لكل تجهيزات وترتيبات حفل الزفاف الذي كان من المقرر أن يتم في 21 تموز/ يوليو القادم، ووعدها أن يكون استثنائيًا وأجمل ما تراه في حياتها، مشيرًا إلى أنّه أجرى بعض التجهيزات، وبينما يسير لإتمام ما تبقى منها، جاء العدوان الغاشم وخطف عروسه من الحياة.

مرّ على قلب "محمد" إحساس غريب ليلة استشهادها عن ذلك يحكي لنا: "كنت في زيارة لها مساء الاثنين، شعرت بشيءٍ مختلف، لم أرغب بالمغادرة وتركها وحدها، وهي بادلتني الشعور، لكنّ كان عليّ الذهاب لأن الوقت تأخر".

ويُردف والدموع تملأ عينيه: "في اللحظة التي تخطيت فيها منزلهم، أحسست بشرخٍ في قلبي، استعذت بالله من هذا الشعور، وأكملت طريق العودة إلى البيت، وبعد ساعاتٍ قليلة عرفت السبب".

345879757_240783078636511_1629542234628649865_n.jpg
 

كانت الساعة الثانية فجرًا حين سمع "محمد" بخبر القصف الذي طال أماكن متفرقة من القطاع، من بينها هدف قريب على منزل عائلة خطيبته "دانيا"، حاول الاطئمنان عليها لكنّ صوتها الضاحك الرقيق أصبح خارج التغطية.. لقد ارتقت العروس وزُفت بالكفن الأبيض.

محمد سعد الذي يصف ضحكة خطيبته بأنها "تسوى الدنيا" وأخلاقها بأنها "لا مثيل لها" ظهر أثناء وداعها وهو يبكي بحرقة أمام كفنها المسجّى في الجامع العمري الكبير وسط مدينة غزة، ويقرأ لها سورة "يس".

يختم العريس الذي لم تكتمل فرحته، حديثه معنا بصوتٍ يختنق: "كانت ملاكي والتفاصيل التي جمعتنا ستبقى مغروسة داخلي، أحببت أن أودعها بآياتٍ من القرآن لأنها كانت تُحبّه، إلى لقاءٍ قريب يا دانيا".

"دانيا وإيمان".. ضربة الفقد مُرّكزة

"أصبح البيت كالقبر"، هذه الكلمات حين تخرج من قلب أبٍ للتو مودعًا آخر زهرتين له في البيت إلى مثواهما الأخير، اعرف حينها _عزيزي القارئ_ أن الوجع لا يُطاق، وأن كل كلام المواساة والتعزية لا يسدّ ثقب الفقد داخل صاحبه.

علاء عدس والد الشهيدتين "دانيا" و"إيمان" بدت على ملامحه مشاعر الصدمة جراء الحدث الذي لم يستوعب تفاصيله بعد، فكيف لضحكات هاتين الزهرتين أن تصمت فجأة عن البيت، يذهب إلى غرفتهما ليطمئن، فيراهما مضرجتان بالدم!

يروي علاء عدس لنا ما جرى ليلتها: "استيقظنا عند الساعة الثانية فجرًا على صوت انفجارات ضخمة، كل شيء حولنا مدمر وألسنة الدخان تتصاعد من كل جهة، الجدران تنهار علينا والصراخ يعلو (..) كانت صدمة لا أعرف سببها ولا أعرف من أين أبدأ بحثًا عن أبنائي وزوجتي".

345898143_786202119785929_829378901066886222_n.jpg

خرجت زوجته إلى بيتٍ قريب من منزلهم ومعها طفلهما الوحيد "حمزة" الذي يبلغ من العمر 11 عامًا، بينما بقي زوجها يبحث عن ابنتيه داخل المنزل المحترق، يُنادي "دانيا.. إيمان" يُعيد الكرة مرة أخرى "بابا دانيا وينك.. إيمان؟ بابا ردوا عليّ" لكن لا صوت يرد سوى الصدى.

تسلل الخوف إلى قلبه وكان ينقبض أكثر كلما اقترب من غرفتهما التي امتلأت بالدخان والغبار، لكنّه كان يُطارد قلقه بأملٍ ضئيل "ربما أُصيبتا لكن الأكيد أن حبيبات قلبي على قيد الحياة".

ويُتابع الوالد المكلوم: "بحثت تحت الركام عنهما، كانت وسادة دانيا ممتلئة بالدم فعرفت أنها استشهدت، بينما إيمان كانت تلفظ أنفاسها الأخيرة، حاولت طواقم الإسعاف إنقاذها لكنّها آثرت الرحيل برفقة شقيقتها وتوأم روحها".

"دانيا" التي لطالما تخيّلت برفقة والدها لحظة زفافها لعريسها "محمد" يقول عنها: "زوجت 3 من بناتي، وكنّا نتجهز لزفاف الرابعة، تمنيت كثيرًا أن تُتوج هذه الفرحة بالزفاف والعيش الرغيد لكنّ قدرها بالموت أسبق".

أما "إيمان" فلا "إحساس يعلو على إحساسها الرقيق" كما يصفها والديها، فهي الموهوبة بالرسم والنقش على الخشب وإعادة تدوير الأشياء لتُصبح ناطقة بالحياة والفن، كانت تحلم بأن تُصبح رسامة يُشار إليها بالبنان.

وحين عاد والد الشهيدتين إلى البيت ليتفقد ذكراتهم فيه، وجد طوقًا من "الورد والخيش" صنعته صغيرته "إيمان" بيدها الرقيقة وهو آخر ما تبقى لها من مشغولات تحت الركام.

وكانت "إيمان" قد أتمت حديثًا حفظ الجزء الـ 15 من القرآن الكريم، واعتاد أن يُقدم لها والدها هدية عندما تتم حفظ جزءًا من المصحف الشريف، وهذه المرة كانت الهدية هاتفًا محمولًا لأنها "تستحق كل ما هو جميل" هكذا يخبر والدها.


ويستذكر والدها حلمًا كانت قد قصّته عليه "إيمان" قبل استشهادها بيومين: "بينما كنا في رحلة عائلية إلى البحر، أخبرتني صغيرتي الرقيقة أنها كانت ترتدي ثوبًا أبيض في المنام، قلت لها ربما هذه إشارة لفرحتنا بدانيا (..) إييه الحقيقة كانت أنها هي أيضًا ستُزف مع شقيقتها إلى السماء".

ولم يحتمل الوالد المكلوم فراق ابنتيه عند أول ليلة لهما في القبر يقول: "لم أعرف طريقًا للنوم، كان قلبي على جمر، ذهبت إلى القبر سقيته بالدمع والورد والدعوات، تحدثت إليهما طويلًا، وقصصت عليهما كل الأحلام والطموحات التي لطالما تمنت كل واحدة منهما أن تراها حقيقة، ثم ودعتهما بابتسامة على أملٍ أن ألقاهما في جنّة الرحمن".

346043301_286710130345840_8845026655023814462_n.jpg

346043315_655983596365242_7310403222043691558_n.jpg