على كرسيه المتحرك، عاد الجريح معاوية الوحيدي للعمل في صالون الحلاقة خاصته في منطقة الصبرة شرق مدينة غزة، متحديًّا ظروف إعاقته وإصابته ببتر ساقه اليمنى وعجز بساقه اليسرى، جراء سقوط صاروخ عليه خلال العدوان الإسرائيلي على غزة عام 2021.
ويحاول "الوحيدي" (43 عامًا) التكيّف مع وضعه الصحي الصعب الذي سببته الإصابة، والعودة لعمله رغم فقدانه لمعظم زبائنه، إلا أنه يصرّ على تحدي الظروف الصحية والنفسية والمعيشية الصعبة التي ألمّت به عقب الإصابة، لا سيما وأنه فقد أيضًا 80% من سمعه.
عيد تحوّل لكابوس!
ويروي الحلّاق المقعد لـ"وكالة سند للأنباء"، تفاصيل اللحظة التي قلبت حياته رأسًا على عقب ويقول: "فتحت محلي ليلة عيد الفطر، خلال العدوان الإسرائيلي على غزة في12 مايو/ أيار 2021، وتوقعت أن يقتصر القصف على مواقع معينة كونها ليلة عيد".
ويتابع: "قصفت طائرات الاحتلال سيارة قرب صالون الحلاقة، فاستشهد خمسة مواطنين، وأصيب أحد الجيران وهو الخياط أبو محمد الغزالي، فخرجت وحملته، لأقرب صيدلية من أجل إسعافه، وأثناء ذلك أصبت بسقوط صاروخ آخر، ما أدى لبتر قدمي اليمنى فورا، واستشهاد جاري".
آنذاك، أعلنت الطواقم الطبية استشهاد "الوحيدي"، وودعته عائلته وطفليه سراج (12 عاماً)، وسديم (8 أعوام)، لكن نبض قلبه عاد بعدما توقف، وأمضى 51 يوماً في المستشفى إثر السموم التي انتشرت في جسده نتيجة إصابته، وخضع لعدة عمليات جراحية طوال عام كامل.
ونتج عن إصابة الوحيدي بتر ساقه اليمنى، وتضرر ساقه اليسرى وظهره ورأسه، وعن الأضرار الأخرى التي سببتها الإصابة، يحكي بتنهيدة صحبتها جملة الحمد لله "فقدت السمع بنسبة 80%، وخضعت للعديد من العمليات في ساقي اليسرى، لكني لم أستطع أن أستعيد قدرتي على المشي".
ويستطرد: "أجريت آخر عملية في كاحل ساقي اليسرى، على أمل أن أستطيع المشي مجدداً، لكنها فشلت بسبب قلة الإمكانيات الطبية الموجودة بغزة، ونصحني الطبيب بالسفر إلى الخارج لإجرائها لكنها بحاجة لمبلغ مالي كبير".
تحدٍ وإرادة..
ولا يأبه الوحيدي بظروف إعاقته، فيتنقل بين مقاعد الزبائن على كرسيه الذي واءمه ليتناسب مع حركته، لكن الأمر لم يخلُ من نظرات الشفقة على حاله، ما تسبب بفقدان ضيفنا معظم زبائنه.
ويوضح الوحيدي" حالياً أحلق لشخصين أو ثلاثة على أبعد تقدير خلال اليوم، بعد موافقتهم على الجلوس على كرسي بلاستيكي حتى أتمكن من الحلاقة له، ويساعدني حلاق آخر في تنفيذ عملي".
ويضيف: "أمضيت 25 عاماً من حياتي في صالون الحلاقة، وكانت أحوالي مستقرة، حتى تغيّر كل شيء في ذلك اليوم المشؤوم، وها أنا أحاول أن أتكيف مع وضعي الجديد".
ولم يكن قرار العودة إلى العمل سهلاً بالنسبة للجريح الوحيدي، خاصة في ظل وجودآلام شديدة في قدمه اليسرى، إلى جانب شعوره بالعجز وصعوبة التحكم في البداية ما أثر على حالته النفسية بشكل واضح، كما يقول.
ويكمل: "كانت عودتي إلى العمل ملاذا لي من وضعي النفسي الصعب الذي مررت به بعد البتر، لكني مارست عملي من جديد، ولدي أمل بمواصلة الحياة".
وواجه "ضيف سند" صعوبات بالغة بسبب إعاقته التي تجعله دائما بحاجة للمساعدة من الآخرين، لكنه رفض الاستسلام لها وتمكن بمساعدة زوجته وأصدقاء عمله، من التغلب على ظروف حياته القاسية.
وعن ذلك يحدثنا: "استطاع الاحتلال أن يبتر قدمي، لكنه لم يستطع أن يمنع إرادتي في الحياة، فأنا أعود لعملي، لأكسب رزقي وأُعيل عائلتي، لا أريد أن أكون شخصاً يبحث عن عون مالي".
ويوجه ضيفنا رسالة للجرحى ومن هم في وضعه، أن "الإصابة لا يمكن أن تقف حائلا أمام الإنسان، ولا يمكن لليأس أن يتغلب على الرغبة في الحياة، فالإنسان المعاق هو فاقد الإرادة وليس فاقد الأطراف".
ويتمنى الوحيدي أن يحظى ذوو الاحتياجات الخاصة الذين يزيد عددهم في قطاع غزة، بسبب الاعتداءات الإسرائيلية المتواصلة، على مزيد من الاهتمام ليتمكنوا من التغلب على ظروف حياتهم الصعبة ويحققوا آمالهم.