الساعة 00:00 م
الإثنين 07 يوليو 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.57 جنيه إسترليني
4.72 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
3.94 يورو
3.35 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

عادل الرمادي.. لا يكتب من خيال بل من وجعٍ غزّيٍ ينزف شعرًا وقهرًا في قصيدته

"سارة" تقاوم الحياة برجليها بعد أن أفقدها الاحتلال ذراعيها

شاعر يحمل وجع غزة..

بالفيديو عادل الرمادي.. لا يكتب من خيال بل من وجعٍ غزّيٍ ينزف شعرًا وقهرًا في قصيدته

حجم الخط
الشاعر عادل الرمادي
غزة - إيمان شبير - وكالة سند للأنباء

في لحظةٍ لا تحتمل، حين سُمع الانفجار كأنه زلزالٌ مزّق قلب المدينة، كان عادل الرمادي يمرّ في الحي الذي يسكنه، لا يحمل في قلبه سوى صمت اليوم وثقل الأسئلة، لم يكن يعلم أن خطواته على الإسفلت ستقوده إلى أكثر مشهدٍ قسوة في حياته، ركض الصوتُ من خلفه، تبعثر الغبار، وارتجّت الأرض، فاختبأ خلف جدارٍ يحاول أن يقيه من شظايا الواقع.

وما إن هدأ الدويّ، حتى رفع رأسه ليرى شارعًا غارقًا في الركام، أجسادًا ممزقة، وأرواحًا صعدت بلا وداع، وجد الحياة وقد سُحقت، والناس قد تحوّلوا إلى أشلاء تحمل معها ذكرياتهم وأسماءهم وأحلامهم، هناك، وسط هذا المشهد الذي يفوق احتمال اللغة، ارتجف قلب الشاعر وانفجرت كلماته.

لم يكتب ليتأمل، بل ارتجل قصيدته كما يُطلق الإنسان صرخته حين تعجز روحه عن الصمت، قالها بوجع: "يا باب الله إني أقف بلا جاه، بلا ترفٍ، بلا عربٍ، بلا حطبٍ يدفئني إذا من بردي يرتجف، يريدوني بلا لحمٍ، بلا شحم، بلا عظم به أقف".

في هذا التقرير، تفتح "وكالة سند للأنباء"، نافذة على تجربة شاعر لم تحطمه دمار البيوت، بل دفعته إلى أن يكون صوتًا يصدح بكل قهره، يعبّر عن الألم الذي تكسّر في قلبه ويُعيد صياغته على شكل قصيدة تنبض بالحياة رغم كل الخيبات.

"الشعر قارب نجاتي"..

قال عادل الرمادي، الشاعر والكاتب من حي الزيتون في مدينة غزة، بصوتٍ اختلط فيه القهر بالشعر: "الانهيار الأكبر، ليس في الركام ولا في النزوح، بل حين يتوقف قلمي، حين لا أستطيع أن أكتب عمّا يغضبني ويؤرقني"، بهذه العبارة بدأ حديثه، ثم تابع بتنهيدةٍ تخبّئ خلفها آلاف السطور: "الشعر هو قارب نجاتي الوحيد من بحر المعاناة، أشبه بصرخةٍ تهدّئ روحي بعد كبتٍ طويل."

وعن طبيعة ما حدث من دمار، يوصف: "كنت مارًّا في الطريق في الحي الذي أسكن فيه، حين سمعت فجأة صوت انفجار رهيب جدًّا، في البداية توقعت أن الضربة كانت في شارعي، لكن بعد أن لاحظت أثر الغبار والأكوام من الأحجار أدركت أن الانفجار وقع في الشارع المجاور، فتداريت خلف جدار لأحتمي من الشظايا والأحجار المتطايرة، بعد أن هدأت الأمور قليلًا، استطعت أن أطلّ برؤيتي لأتفقد ما الذي حدث في المنطقة، دخلت المكان فعلًا، فوجدت جثة مرمية مقطعة أشلاء، وناسًا بأحلامهم، بذكرياتهم، بأحبابهم، بشهاداتهم، بكل ما حملوه من علمٍ وحياة، كلها قُتلت فجأة.

يسرد "الرمادي"، "قمنا بانتشال الجثة، وكان المكان عبارة عن بناء سكني من أربعة طوابق، تحولت كلها إلى كومة من الأنقاض، في تلك اللحظة شعرت برغبة عارمة في الانفجار، في الصراخ، فصرخت شعرًا وقهرًا".

وحين سألناه عن قصيدته الارتجالية التي ولدت من بين الأنقاض، قال دون تردد: "لم أكتبها، بل انفجرت من داخلي، كانت تخميرًا لكل الغضب والألم والقهر الذي عشته. الشاعر لا يكتب عن نفسه فقط، بل يكتب عن الناس، لسانهم، وجعهم، آمالهم".

ويُضيف بإيمان الشاعر بقضيته: "حين أكتب عن الحرب، لا أخاطب نفسي، بل أخاطب العالم، هذه ليست معركة خاصة، بل جرح مفتوح في قلب الإنسانية."

ويعرّف "الرمادي" الشعر كما يُعرف الجرحُ صاحبه؛ يرى فيه تضخيمًا للإحساس، ويؤمن أن الشاعر، حين يترجم الفعل أو الحدث إلى قصيدة، يكون قد بلغ ذروة شعوره، يُعبّر: "الشعر بالنسبة لي هو الطريقة الأصدق للتعبير، لأنه لا يأتي من العقل، بل من الداخل، من منطقة الألم نفسها."

ويُتابع بصوتٍ تخللته شظايا الغضب: "أحيانًا، حين أنزف حبرًا على الطاولة، يهدأ الغضب بداخلي وكأنني سكبت بركانًا، وأحيانًا أخرى، مع كل بيت أكتبه، يزداد غضبي كأن القصيدة تعيد إشعال النار، ما أجبن الشعر إن لم يركب الغضب!"

وماذا عن الشعر؟ يُجيبنا: "الشعر كان قارب النجاة الوحيد وسط الضجيج والموت، حين تضيق الحياة، يفتح لي الشعر نافذة أمل."

وإذا ما سألته عن الموت، يجيب بثقة من يعيش مرارته يوميًا: "إن مت، سأظل حيًا بما كتبت، فلو جاء الموت الآن، ستعيش كلماتي على ألسنة الناس، وسيشعرون بها بقلوبهم، أنا أتحدّى الموت بالشعر، لأن الشعر سيحييني بعد الرحيل."

ولا يرى الشعر مجرد صنعة، بل رسالة سماوية تهبط على قلب الشاعر: "الشعر شيء سماوي، أما النثر فأرضي، الشعر أبلغ ما يمكن أن يلامس وجدان الإنسان، لا يهم من يقرأ شعري، فطالما لامس وجدانه، فهو مستمع حقيقي له."

ثم استعرض نظرته للحياة، قائلًا: "الحياة ليست طرفًا واحدًا، هي مزيج من النقيضين: الأمل واليأس، الحرب والسلام، الخوف والأمان، وأنا لا أكتب مشاعري فقط، بل أكتب عن الإنسان الذي يحيطني."

ومع أن الحرب تسلب الكثير، فإنها منحت قلمه طاقة إضافية، يوضح: "ما أضيق العيش لولا فسحة الأمل! الشاعر مطالب بأن يحمل مشاعر الآخرين، إن لم يكن لنفسه فلمن حوله، يجب أن نكتب أملًا لمن قتله اليأس، سواء في الحب أو الحرب أو الحياة."

ويُدرك الرمادي أن الشعر ليس صرخة جمالية فحسب، بل ضرورة اجتماعية، تُضيء في زمن الظلمة وتُبقي الإنسان إنسانًا في وجه الوحشية، يُبين بتأمل يشبه صمت ما قبل القصيدة: "إن أبشع شيء بعد الجهل هو الجوع، وإذا كان ثمة ما يصنع الجهل، فهو الجوع ذاته، لأن الجوع يُلهي الناس بأمعائهم، ولا يكترثون بوجوده لعقولهم، وإذا غاب العقل حضرت الغابة."

تلك ليست مجرّد عبارة عابرة في قاموس شاعر، بل قناعة متجذّرة لديه بأن الكلمة مقاومة، وأن الجوع ليس أزمة بطون فارغة فقط، بل بداية لانهيار أخلاقي وإنساني شامل، "الجوع يُبدّل أخلاق الإنسان، يُفكك المجتمع، يُظهر الشرور، يجعل المرء متوحشًا، وإذا توحش الإنسان، ابتعد عن الدين."

"الإنتاج الأدبي"..

أما عن إنتاجه الأدبي، فقال بهدوء العارف بقيمته: "صدر لي ثلاثة أعمال أدبية: ديوان "رمادي" عن دار سمير منصور، وديوان "ألف طاغية ومدينة" عن دار ديوان العرب، وكتاب "تحت تأثير الحياة" عن دار فكر، كما كتبت قصيدة طويلة بعنوان 'ألف طاغية ومدينة' نُشرت في مصر، وتناولت فيها الحرب بكل تفاصيلها، وسأنشر لاحقًا قصائد أخرى، من بينها قصيدتي الارتجالية التي عرفتموها، وقد أضفت لها بعض الأبيات".