الساعة 00:00 م
السبت 27 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.79 جنيه إسترليني
5.4 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.1 يورو
3.83 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

جيش الاحتلال يُعلن مقتل "رائد" شمال قطاع غزة

فلسطيني يحول موقعاً عسكرياً مدمراً إلى مسكن لعائلته النازحة

عيد الأسيرات في الدامون.. فَرحة مغموسة بألم الذكريات

حجم الخط
الأسيرات في العيد
نابلس - وكالة سند للأنباء

يحلّ العيد، وتنهمر الذكريات حرّى على أفئدة الأسيرات في سجون الاحتلال، صوت المذياع يصدح بتكبيرات العيد، وأصوات الحزن في قلوبهن تتفطر لها جدران السجن، هناك، حيث الأمهات اللواتي حرمن من رؤية أطفالهن وتقبيلهم صباح العيد، وفتيات نهش الأسر من طفولتهن، ليكبرن بالعتمة، قبل أن تتشبع براءتهن من حلوى العيد وبهجته.

لكن، ورغم الألم، تتحدى الأسيرات أوجاعهن، ويحاولن بإصرار إبداء القوة أمام السجّان، فلا مجال للضعف أمام احتلال ينتظر لحظة "الشماتة"، فيبدأن قبل أيام من العيد بتحضيرات ومراسم تعيد لهن شيئًا من ذكرياتهن، بصناعة الحلوى وترديد التكبيرات، وتجهيز ملابس جديدة إن تمكنت العائلات من إدخالها لهن قبيل حلول العيد.

ومع حلول الساعات الأولى للعيد يصدح أثير المذياع بتكبيرات العيد، مع انشغال الأسيرات بالاستعدادات للبدء بفعاليات ونشاطات معدة مسبقا، ضمن ترتيبات قيادة الحركة الأسيرة.

وللاقتراب أكثر على تفاصيلهن في العيد، التقت "وكالة سند للأنباء"، الأسيرة المحررة أنسام شواهنة من قلقيلية، التي أفرج عنها عام 2021 بعد قضاء خمس سنوات في سجون الاحتلال.

تقول "شواهنة": "يوم العيد بالسجون له رونق مختلف ومميز عن باقي الأيام، يبدأ من صلاة الفجر في أول يوم من أيام العيد، ترتدي الأسيرات الملابس الجديدة، التي يتم التوصية بإدخالها قبل أسابيع عبر الأهل، ثم التجمع بساحة الفورة لأداء صلاة وخطبة العيد".

أجواء من البهجة..

وفي أجواء غير اعتيادية، تتجمع الأسيرات وسط الساحة، وحراس السجن يتابعون خطبة العيد، منعا لتتضمنها عبارات "تحريضية"، وما أن تنتهي الخطبة حتى تتبادل الأسيرات التهاني والمباركة بالعيد، ثم تبدأ الزيارات بين الغرف، في مسعى لإضافة أجواء من البهجة تخترق الأسى والحزن على فراق الأهل والأحبة، تبعًا لضيفتنا. 

أما عن حلوى العيد لدى الأسيرات، فتحدثنا "شواهنة": "يتم إعداد أصناف متنوعة من الحلوى قبل أيام من اقتراب العيد من مواد متوفرة في دكان السجن "الكنتينا"، وتوزع عقب صلاة العيد بالساحة، وهناك كميات أخرى تخصص لكل غرفة".

وتُشير إلى أنّ "تجربة الأسر علّمت الأسيرات الإبداع في إنتاج ما طاب من الحلوى بأقل الإمكانات المتوفرة".

ومع ساعات الغروب وانتهاء الفورة المسائية تتوجه الأسيرات إلى الغرف للاستماع للإذاعات المحلية التي تبث برامج مراسلات ومعايدات من أهالي الأسرى والأسيرات، ويتم الانتقال من إذاعة لأخرى، في مسعى للاستماع إلى رسالة صوتية تزيل مشاعر البعد والفراق.

ذكريات الحرية..

تمضي "شواهنة": بسرد طقوس العيد لدى الأسيرات، قائلةً: "في اليوم الثاني للعيد تفتتح بالجلسة الصباحية إما بالساحة، وغالبا ما تمنعها إدارة السجن، أو بغرفة كبيرة تتسع لكل الأسيرات، حيث ترتفع أصوات الأناشيد التي تحاكي أجواء العيد عادة بالخارج، واستذكار مواقف لافتة ومضحكة ونكات وطرائف، ثم توزع الحلوى مرة ثانية على الجميع".

وكون عيد الأضحى يتسم بلحوم الأضاحي، فإن الأسيرات ومن خلال لجنة المطبخ تجهز مخصصات اللحم من يوم الثلاثاء المحدد من إدارة السجن لتقديمها، ويتم طبخه في اليوم الأول من العيد، ثم يقدم كوجبة غذاء جماعية لكل الأسيرات، في محاولة لخلق مشاعر الفرح، وفق "شواهنة".

وفي محطة أخرى تبتكرها الأسيرات في سبيل خلق جو من البهجة، تتضمن مسابقات ومسرحيات  وتكريم مشاركات في دورات ومسابقات سابقة، تضفى رونقا على أيام العيد الثلاثة.

دموع الاشتياق..

ولأن أجواء الفرح تبقى حبيسة الجدران، فلا بد للألم أن يتسلل لكل أسيرة عندما تخلد لفراشها مساءً، فتلجأ كل منهن لألبوم صور عائلتها وأحبتها، تقلبها وتتحسس وجوههم وتبث أشواقها المصحوبة بدموع الشوق والحرمان.

الأسيرة المحررة سوزان العويوي من الخليل، والتي اعتقلت بتاريخ 5 حزيران/ يونيو 2018، وأطلق سراحها في 13 أيار/ مايو 2019، أمضت شهرها الأول بالتحقيق بمركز تحقيق عسقلان، وكان متزامنًا مع شهر رمضان، ثم نقلت إلى سجن هشارون المخصص للأسيرات.

تحكي "العويوي" عن تلك المحطة من حياتها: "أكثر مشكلة عانيتها عدم معرفتي بانتهاء شهر رمضان وحلول العيد، وكان الأمر مقصودًا من المحققين والسجانين؛ لإبقاء الأسير في حالة من القلق، وعدم إدراك ما يجري حوله".

وتتابع العويوي حديثها لـ "وكالة سند للأنباء": "قدوم العيد أكثر إيلاما على كل أسيرة متزوجة وصاحبة أسرة، فهي أم لأبناء وبنات، وصعب عليها الشعور بقضاء العيد بعيدا عنهم، كون هذه المناسبة بالعادة تُعد بمثابة لم شمل للأسرة بكاملها".

الوجع والفرح مضاعف..

وتصف "العويوي" مشاعر وأجواء العيد بالأسر بأنها "مضاعفة في كل تفاصيلها فالفرح مضاعف، والحزن والوجع مضاعفان أيضا، وهناك إصرار عند الأسرى والأسيرات لإظهار الفرح من خلال مرحلة التحضيرات قبيل أيام من قدوم العيد، رغم شح الإمكانيات، والاستفادة من تجارب الأسيرات القدامى".

وحُرمت "العويوي" والأسيرات خلال فترة اعتقالها من أداء صلاة العيد وأي صلاة جماعية، باستثناء مرة واحدة في سجن الدامون، وتردف: "هذا حرمان صعب لشعيرة تعبدية من شعائر العيدين الفطر والأضحى".

وتقر المحررة "العويوي"، بأن فعاليات وطقوس العيد بالسجن تخفف من ألم البعد عن الأهل من خلال أجواء البهجة والفعاليات التي تشكل على مستوى القسم وعلى مستوى الغرف، لكن الأصعب، كما تسرد، عند توجه الأسيرة للنوم ليلا، وبدء استذكار الأهل بالخارج، ومشاهدة الصور العائلية بحوزتها والتي يتخللها آهات الحزن ودموع الاشتياق".

آثار نفسية..

من جانبه، يرى الأخصائي الاجتماعي رائد سناكرة،، أن قضاء الأسير بشكل عام والأسيرة بشكل خاص فترة العيد بالأسر، له آثار سلبية عليهم، وعلى أفراد أسرتها، مشيرًا إلى أن الأثر الأصعب يكون على أطفال الأسيرة الأم، جراء البعد القسري، وكل نوع من الغيابات له تداعيات.

ويضيف "سناكرة" وهو أسير سابق في حديثٍ مع  "وكالة سند للأنباء": "غياب الأم الأسيرة يترك أثرا سلبا على مستوى العطف والحنان لدى أطفالها، ولكن في الحالة الفلسطينية تظهر بأقل حدية بين الأسيرات؛ كونها الأم معتقلة على قضية وطنية، لديها أسرة ممتدة تحتضن عائلة الأسيرة، ويعوّض جزءًا من ابتعاد الأم عن أبنائها".

ويشير إلى أنّ مؤسسات فلسطينية عديدة تستوعب الأسيرات بعد تحررهن من الأسر، وتنظم لهن برامج تكيّف جديدة، من أجل التقليل من الآثار السلبية النفسية والاجتماعية، لابتعادهن في مناسبات الأعياد، خاصة عيدي الفطر والأضحى، ويتم تحقيق نجاحات كبيرة في ذلك، حتى أن بعض المحررات أصبحن يقمن بنفس الدور على محررات جدد.

حرمان متعمد من السجان..

في حين، يستعرض المحامي فارس أبو حسن جوانب أخرى من معاناة الأسيرات خلال فترة العيد، وهو تعمد مصلحة السجون التشديد عليهن من أجل التلذذ بألم الفراق والبعد، دون اكتراث بالأبعاد الإنسانية لهذه المناسبات.

ويتابع "أبو الحسن" لـ "وكالة سند للأنباء"، أن أبسط الحقوق يحرمن منها الأسيرات، سواء في فترة العيد، أو لدى فقدانهن أحد الأحبة والأقارب من الدرجة الأولى، ولا يسمح لهن بالتواصل الهاتفي مع الأهل رغم أن ذلك متبع مع السجينات اليهوديات".

ويلفت المحامي إلى أن مشاعر البهجة والانبساط تغيب عن أجواء السجون عموما وأقسام الأسيرات بشكل لافت، وخاصة للأسيرة الجديدة التي تقضي أول عيد لها بعيدا عن أسرتها، حيث تبذل الأسيرات القدامى جلًّ جهدهن للتخفيف عنها.

وتعاني 31  أسيرة فلسطينية في سجن الدامون، أوضاعًا معيشية غاية في الصعوبة، وفق مؤسسات معنية بشؤون الأسرى والمحررين.