بينما يستيقظُ الأُناس العاديون على قهوة الصباح المُعدة على أحدث الأجهزة، وتناول الفطور بشتى أصنافه بسهولة ويُسر ولذَّة، يستيقظ أهالي قطاع غزة - الذين لم يناموا ليلهم-، على عمليات بحث عن قطعة خشب وعود قَش من ركام المنازل وولاعة لم ينفذ ما تبقى بها من غاز، لإعداد كوب من الشاي وتسخين قطعة خبز تسد جوعهم، بين خيام النازحين، وتحت نيران الطائرات.
يتجدد تعب المواطنين في قطاع غزة كل صباح، هذا التعب الملازم لهم في جميع الأحيان والظروف، والذي فاقمته الحرب الإسرائيلية المستمرة على القطاع منذ ثمانية أشهر، مُخلِّفةً أزمة انقطاع غاز الطهي جراء إغلاق معابر قطاع غزة، والتي تراكمت تبعاتها ومأساتها.
وتسببت أزمة انقطاع الغاز بإصابة المئات بأمراض الجهاز التنفسي وفاقمت العديد منها، بفعل استخدام مواد بلاستيكية وكيماوية في إيقاد النيران، والتي تنبعث منها الغازات السامة، لفترة امتدت أشهراً طويلة.
"تعِبنا"..
فهذه السيدة سُهاد عياد أُم لخمسة أطفال، لا تنفك تلازم النار صباح مساء لإعداد الطعام -إن توفر كاملاً- لأطفالها، أو تسخين المياه أو الإنارة أحياناً.
تقول "عيَّاد" لـ "وكالة سند للأنباء"، إن أزمة انقطاع الغاز ضاعفت معاناة الحرب وزادت صعوبة الحياة، مشيرةً إلى أنها تبدأ نهارها بإعداد الفطور للصغار، ثم تُبقيهم على هذه الوجبة حتى المساء، لحين إشعال النار مرةً أخرى.
وتصف السيدة "سُهاد" هذا الحال بـ "البائس"، فقد تضطر أحياناً كثيرة لإطعام أطفالها خبزاً وشاياً باردين، حتى لا تضطر إلى إشعال النار والجلوس أمامها مرةً أخرى، توفيراً لما يتبقى من حطب.
وتضطر "عيَّاد" كما ذكرت لمراسلتنا، أن تشعل النار مرة صباحاً وأخرى أخيرة مساءً، لتُعد عليها وجبة العشاء والتي هي وجبة الغذاء بالفعل، فتقضي جميع حاجياتها وكل ما تريد طهوه على هذه النار دفعةً واحدة، مضيفةً " وأحياناً أُعد الشاي مساءً وأضعه في حافظ حرارة حتى لا أضطر لإيقاد النار عند الصباح".
وعند الاستحمام تبدأ معركة أخرى تنقلها لنا قائلةً: "أضطر إلى تدفئة إناء من الماء ثم أكسره بالماء البارد لتنظيف أطفالي؛ لكن المشكلة أن الطفل يستحم ويخرج رائحته دخان، من الماء المُسخن على النار".
وتُشكِّل النار أزمة لضيفتنا جراء معاناتها من حساسية في العيون، وجيوب أنفية تمنعها من التعرض للحرارة والنار بشكل مباشر، كذلك استنشاق دخانها الذي "يذبح الصدر" كما وصفت "عيَّاد".
"النار تزيد مرضي"..
أما السيِّد شادي أبو صلاح، أحد النازحين من مدينة غزة إلى دير البلح وسط القطاع، يصف معاناته مع مرض الربو "حساسية الصدر" والنار.
يقول "أبو صلاح"، إن زوجته تتولى مهمة إيقاد النار يومياً لأن صحته لا تسمح بذلك، مؤكداً أن حتى استنشاقه لدخان النار يسبب له أزمة صدرية يضطر بعدها لاستنشاق بخاخته المعالجة، وهو على هذا الحال منذ خمسة أشهر.
ويتابع: "أذهب إلى السوق يومياً وأشتري الكيلو الواحد من الخشب بـ 4 شواكل وأحياناً بثلاثة، أي ما يعادل دولاراً واحداً، مضيفاً أن الكيلو لا يكفيه لطهو الطعام يوماً واحداً لأن عدد أفراد عائلته كبير، فيستهلكون طعاماً كثيراً وبالتالي ناراً كثيرة".
وتوجه "ضيف سند"، حسب ما ذكر، إلى وزارة الاقتصاد قبل ثلاثة أشهر للتسجيل في الحصول على بطاقة خاصة بالأمراض الصدرية والمزمنة؛ ليتسنى له تسليمها لأحد موزعي الغاز والحصول على أسطوانة يتجنب من خلالها النار.
ويستدرك، "تسلمت من الوزارة بطاقة تُعطي الأولوية لحاملها الحصول على الغاز، وذهب بها إلى أحد الموزعين؛ إلا أن أزمة الغاز قد اشتدت، ولم يحصل عليها حتى الآن".
"أزمة تتفاقم"..
وفي وقت سابق، قال رئيس المكتب الإعلامي الحكومي في غزة سلامة معروف إن منع إدخال غاز الطهي والوقود إلى القطاع ينذر بتفاقم الأزمة الإنسانية والصحية؛ نتيجة اعتماد المواطنين منذ شهور عديدة على الوسائل البدائية البديلة بإشعال النار من الحطب والفحم ومخلفات ركام المباني.
وتابع: "هذا الواقع الإنساني والصحي والبيئي الصعب، يتطلب تدخلا عاجلا لوضع حد لهذه الأزمة، والسعي لإدخال المتطلبات الأساسية للمواطنين وفي مقدمتها غاز الطهي والوقود بمختلف أنواعه، وإلا فإننا نحذر من تفاقم أزمة انعدام غاز الطهي وخطورتها على حياة المواطنين الذين يعانون أوضاعا كارثية أساسا منذ بدء العدوان".
ويطالب "معروف" المجتمع الدولي والجهات المعنية كافة بالضغط على الاحتلال والتحرك سريعا لحل هذه الأزمة والسماح بإدخال غاز الطهي ومختلف أنواع الوقود، علما أن منع مثل هذه الاحتياجات الأساسية الحياتية هو جريمة تضاف للجرائم التي يرتكبها الاحتلال في ظل حرب الإبادة الجماعية التي يشنها على شعبنا منذ السابع من أكتوبر الماضي".