سلطت صحيفة الغارديان البريطانية الضوء على معاناة النساء الحوامل والأمهات الجدد في قطاع غزة بفعل حرب الإبادة الإسرائيلية المستمرة للشهر العاشر على التوالي وكيف يطاردهن الخوف والقلق على مصير أطفالهن.
وأبرزت الصحيفة تقريرا صدر عن كلية لندن للصحة والطب الاستوائي ومركز جونز هوبكنز للصحة الإنسانية، فإن احتمالات الإجهاض في قطاع غزة أصبحت أعلى بثلاث مرات مما كانت عليه قبل الحرب.
وأشارت الصحيفة إلى أن بعض النساء في غزة أمضت فترة الحرب حوامل، لكن القصف المستمر والموت والفوضى ألقت بظلالها على ما كان ينبغي أن يكون وقتًا من الفرح.
ولادة تحت القصف
بعد ليلة قضتها في الارتعاش من الخوف مع اهتزاز سقف المنزل بسبب الانفجارات، وبعد مسيرة طويلة على طريق مزدحم، وصلت ديانا محمود إلى المستشفى حيث أنجبت ابنها يامان.
واكتشفت محمود (22 عاماً) أنها حامل بعد أسبوع من اندلاع الحرب في غزة، ومثلها كمثل الأمهات الأخريات اللاتي حملن في ذلك الوقت، قضت فترة حملها بالكامل خائفة على سلامتها وسلامة طفلها.
وقالت محمود "لم يكن يومًا أو يومين، بل كان تسعة أشهر. وفي كل يوم عشناه فيها كنا نموت مليون مرة بسبب القصف والدمار".
وتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من 13 ألف امرأة ستلد في الشهر المقبل في غزة. وبالإضافة إلى القلق بشأن السلامة، تواجه النساء صراعات عملية تأتي مع النزوح المتكرر والبحث المستمر عن الطعام والدواء.
ووفقا للأمم المتحدة، فإن 95% من النساء الحوامل لا يحصلن على ما يكفي من الطعام .
غياب الرعاية الصحية
قالت صحيفة الغارديان إن تدمير نظام الرعاية الصحية في غزة يعني أن ديانا محمود ومثلياتها لم يتلقين أي رعاية ما قبل الولادة أثناء حملها، وتم تسريحها من المستشفى المثقل بالأعباء فور ولادة يامان.
وقالت محمود عن ذلك "الوضع في المستشفيات سيئ للغاية، في كل لحظة يتم استهداف مكان أو منزل بالقرب منك، لذا من الصعب على المستشفيات رعاية النساء الحوامل. التركيز الكامل ينصب على الجرحى" جراء الهجمات العسكرية الإسرائيلية.
وبعد عشرة أيام اضطرت إلى طلب المساعدة الطبية مرة أخرى لأن جلد طفلها يامان تحول إلى اللون الأزرق، ثم توقف قلبه لفترة وجيزة أثناء وجوده في مستشفى الأقصى.
وقال الأطباء إنه كان يعاني من مشكلة في الدورة الدموية ربما أثرت على دماغه، ولكن بعد عشرة أيام من المراقبة والاختبارات أفرجوه من المستشفى، قائلين إنه يتمتع بصحة جيدة.
وتقول منظمة "أنقذوا الأطفال" إن 50 ألف طفل ولدوا في غزة خلال الأشهر التسعة الماضية في خضم الحرب، وأن النزوح المتكرر يعني أن بعض النساء يلدن بأنفسهن خوفاً من الولادة أثناء التنقل”.
وأدت حرب الإبادة الإسرائيلية بما في ذلك الغارات المباشرة على العديد من المستشفيات، إلى تدمير النظام الصحي في قطاع غزة حيث لم يعد هناك سوى عدد قليل للغاية من المستشفيات القادرة على العمل وتلك القادرة على العمل تعاني من نقص الوقود والأدوية.
ومن بين مستشفيات غزة البالغ عددها 36 مستشفى، يعمل 13 منها جزئياً، وثلاثة منها فقط قادرة على دعم ما يقدر بنحو 180 امرأة يلدن كل يوم. وتضع النساء أطفالهن بشكل روتيني في الخيام.
ولادة دون تخدير
تقول مادلين ماكجيفرن، مستشارة المناصرة الإنسانية في منظمة كير الدولية في المملكة المتحدة: "إن النساء يلدن دون أي مسكنات للألم على الإطلاق، ويعشن في خوف، وغير قادرات على الوصول إلى أي طبيب أو رعاية ما قبل الولادة، ولا يعرفن ما إذا كن سيلدّن في خيمة شديدة الحرارة، أو إذا تمكنّ من الذهاب إلى المستشفى، يواجهن خطر الإصابة بقنبلة أو إطلاق النار من قبل قناص في طريق الذهاب أو العودة".
وكان للصدمة المستمرة تأثيرها الكبير على ياسمين خويطر، التي اكتشفت حملها قبل أسبوعين من الحرب، وأنجبت ثلاثة توائم في أبريل/نيسان، قبل شهرين من موعد ولادتها المتوقع.
وحملت من خلال العلاج بالتلقيح الصناعي بعد تسع سنوات من محاولة إنجاب طفل، ولكن بدلاً من الفرح، أمضت فترة الحمل في حالة دائمة من القلق بشأن فقدان الأطفال.
ولم تتمكن من العثور على الدواء الذي تحتاجه واضطرت إلى الاعتماد على الأطعمة المصنعة غير الصحية التي تعتقد أنها أضعفت جسدها وأدت إلى العديد من المشاكل الصحية.
"لا أعرف أين سألد"
عندما احتاجت إلى العلاج في نوفمبر/تشرين الثاني، وصلت خويطر إلى المستشفى لتجده مغلقاً بسبب نقص الإمدادات الطبية والكهرباء. فرت خويطر وعائلتها من مدينة غزة إلى وسط غزة، وكان زوجها مضطراً لدفعها على كرسي متحرك. وبعد أسابيع اضطرت إلى الفرار مرة أخرى إلى رفح في جنوب القطاع.
وقد أحالها الأطباء لتلقي العلاج في مصر، ولكن بعد شهر من الانتظار للسماح لها بالخروج من غزة، تعرضت المنطقة التي كانت تقيم فيها الخويطر للقصف، مما أجبر العائلة على الفرار مرة أخرى إلى وسط غزة، حيث أنجبت في المستشفى.
وقالت خويطر "لقد باركني الله بثلاثة توائم، ولد وبنتين، ولكن صحتهم كانت سيئة بسبب ولادتهم المبكرة".
وكانت الولادة صعبة، فقد عانت خويطر من نزيف أثناء العملية القيصرية، وأعطيت لها بعض مخزونات التخدير المحدودة للغاية، وقضت إحدى بناتها عدة أيام في العناية المركزة. ولكن بعد أسبوعين تحسنت صحتهم وخرجت الأسرة من المستشفى.
وقالت "لقد عدنا لنعيش في خيمة، خيمة تفتقر إلى ضروريات الحياة البشرية"، يمكنك أن تتخيل ثلاثة أطفال خدج يحتاجون إلى رعاية فائقة يعيشون في خيمة".