بين مخيمات النزوح وشتات الفكر ودمار هائل، تجوب الشابة دينا رمضان عكاشة بقلمها؛ لتنشر ما تبقى من علمٍ وتُحيي عقولاً غيبتها آلة الحرب الإسرائيلية من جديد.
وتستمر الحرب على قطاع غزة في يومها السابع بعد الثلاثمائة، ملحقة دماراً وخراباً في ٣٠٧ مدارس حكومية و٦٥ مدرسة تابعة لوكالة الغوث "أونروا" في المحافظات المختلفة.
وتسببت الحرب الدامية بتعرض ١١٩ مدرسة حكومية لضرر بالغ، بينما دُمرت أكثر من ٦٢ مدرسة بشكل كامل، وشهدت ١٢٦ مدرسة حكومية خراباً جراء القصف، وفقاً لإحصائية وزارة التربية والتعليم.
ومن رحم المعاناة انطلقت الشابة دينا عكاشة (٢٤ عاماً)، بتعليم الطلبة بفئاتهم العمرية المختلفة اللغة الإنحليزية منذ شهر فبراير/ شباط الماضي، بشكل يومي في مخيمات النزوح في مدينة رفح إلى أن خرجوا منها إلى دير البلح، واستكملت الخطى.
"لدينا عقول"..
"نحن لدينا عقول.. ولا أريد أن ينتهي المطاف بالأطفال على طابور المياه والتكيات"، بهذه العبارة بدأت الشابة "دينا" حديثها لـ "وكالة سند للأنباء"، والتي انتابتها فكرة إنشاء خيمة تعليمية للغة الإنجليزية؛ للنهوض مجدداً بعقول الطلاب بعد أن أثقلت الحرب أجسادهم الصغيرة.
هذه الفكرة ليست وليدة اليوم واللحظة، إنما هي نتاج سنوات كانت أمنية لـ "دينا" التي كانت تملك مركز مساق التعليمي في مخيم جباليا لتعليم اللغة الإنجليزية، والذي خاضت فيه غمار العلم منذ ثلاثة سنوات سابقة، وفقاً لما ذكرت لنا.
تؤكد "عكاشة" على موقفها الرافض لوقف المسيرة التعليمية، ووصول الأطفال والطلبة إلى الحال الذي آلتهم إليه الحرب الإسرائيلية على قطاع.
تقول ضيفتنا: "خلال وجودي في المخيم ورؤيتي لحال الطلاب الذي انقلب رأساً على عقب، شعرت أنه بدوري يجب أن أفعل أي شيء، وهذا واجبي كمعلمة لغة إنجليزية".
وتوضح "عكاشة" أنها شرعت بجمع أطفال المخيم الذي كانوا فيه سابقاً في مدينة رفح، وبدأت معهم التأسيس في اللغة الإنجليزية.
رغم النزوح.. نُكمل..
وبعد النزوح إلى مدينة دير البلح وسط القطاع، استكملت ضيفة "وكالة سند للأنباء"، مسيرتها التعليمية في منطقة "الحكر"، والتي تمضي في شهرها الثالث، بتدريس ١٠٦ طلاب من الفئتين الابتدائية والإعدادية، في إحدى مخيمات النزوح.
وتلفت "عكاشة" إلى أنها تُعطي كل مجموعة من الطلبة حصة دراسية بواقع ساعة يومياً، لكل فئة عمرية على حدى، بدأتها معهم بالتأسيس في اللغة، ثم انتقلت إلى المنهاج الدراسي.
وتتبع ضيفتنا -وفقاً لقولها-، أساليب مختلفة لتعلم اللغة الإنجليزية تناسب الأطفال، منها ما هو عن طريق اللعب، أو الاستماع، وإشراك الطلبة بينهم وبين بعضهم.
لكن الطريق شائك في ظل أزمات القطاع المتتالية، ولا يخلو من صعاب، وتضعنا "دينا" في صورة الصعاب التي تتمثل بارتفاع أسعار المعدات التعليمية كالسبورة والأقلام، كذلك ارتفاع أسعار القرطاسية التي تشتريها على حسابها الخاص والتي لا تكفي لجميع الطلبة المسجلين، ناهيك عن ضجيج الخيام وانشغال العقل والخوف من القصف.
إقبال من الطلبة..
أما عن الطلاب، تشير "عكاشة" إلى أنهم في حالة إقبال واندفاع للتعلم، بعد أن فقد الطلبة في مقتبل العمر مدارسهم، وحُرموا فرصة بداية مراحل التعليم.
وتشير إلى أن الضعف العام في مستويات اللغة الإنجليزية موجود لدى الطلبة من قبل الحرب الإسرائيلية، لكن الاشتياق للعلم وأسلوب المعلمة القريب من الطلبة، جعل من الضعف نقطة تُجتاز بشكل سريع.
وتزيد: "في حال العودة إلى المدارس والتعليم بعد انتهاء الحرب، سيكون الطلبة في مرحلة استرجاع لما تمت دراسته، ما يُسهل عليهم الاندماج خاصة في اللغة الإنجليزية".
وفي سياق متصل، تقول ضيفتنا إنها بدأت بتدريس بعض المواد الأخرى كاللغة العربية والرياضيات بشكل خفيف، بينما تُنظم لطلبتها من حين لآخر جلسات ترفيهية، وحصص تفريغ نفسي.
وفي سؤال "وكالة سند للأنباء" لضيفتنا "دينا" عن أمنية أخيرة، ما كان لها إلا أن تجيبنا قائلة: "أتمنى أن أجمع جميع أطفال قطاع غزة في مكان كبير وأقوم بتدريسهم، لما لي من نَفس طويل وروح صبورة على الطلاب".