تتحرك طائرات "الكواد كابتر" الصغيرة في سماء غزة، حاملة معها رعبًا يطارد السكان أينما ذهبوا، رغم حجمها الصغير وصوتها الذي يكاد يكون غير مسموع، إلا أنها أصبحت مصدر خوف شديد بين الناس.
تلك الطائرات قادرة على اختراق النوافذ، والتسلل إلى المنازل، لتطلق رصاصاتها بدقة قاتلة، وتغادر دون أن تترك أثرًا سوى الألم والخسارة، تبحث عن ضحاياها، ولا تحتاج هذه الطائرات الصغيرة إلى هدير محركاتٍ ليُعلن عن وجودها؛ فهي تخترق الفضاء بهدوء قاتل، تتسلل عبر النوافذ، وتستهدف كل متحرك.
وطائرات "كواد كابتر" هي مسيرة تم تطويرها من قبل شركات الصناعات العسكرية الإسرائيلية، وتتميز بخصائص تكتيكية متنوعة، وهي صغيرة الحجم لا يتجاوز قطرها مترًا واحدًا، وتتميز بسهولة برمجتها وتشغيلها إلكترونيًا عن بُعد.
وتستخدم هذه الطائرات المسيّرة لتوفير معلومات استخباراتية تساعد قوات الاحتلال على تنفيذ عملياتها بشكل أكثر فعالية. بفضل قدرتها على التسلل إلى الأزقة ونوافذ البيوت والطيران على ارتفاعات منخفضة، تقدم صورًا دقيقة عن الوضع على الأرض. بالإضافة إلى ذلك، يمكن تجهيز هذه الطائرات بعبوات ناسفة مدمجة، مما يحولها إلى طائرات انتحارية ذات قدرة تدميرية عالية.
"وكالة سند للأنباء" استمعت لقصص رعب ومرارة تعكس حجم المعاناة التي تُسببها طائرات "الكواد كابتر" في غزة، وتُسرد الروايات عن كيفية اقتحام هذه الطائرات للمنازل الصغيرة عبر النوافذ، مما يجعل الأمان في الداخل مجرد وهم.
"مشاهد مروّعة"..
توصف المواطنة إيمان سلمي (34 عامًا)، تجربة حصارها داخل مستشفى القدس غرب جنوب مدينة غزة، حيث عاشت وعائلتها في ظروف مروعة. تقول: "عشنا حصارًا مرعبًا في مستشفى لمدة عشرين يومًا. وكان المستشفى مكتظًا بنحو ستين ألف نازح، ورغم الوضع الكارثي، رفضنا مغادرته. كانت المنطقة منكوبة، واحتجنا إلى ملاذ آمن، حتى لو كان تحت القصف المستمر."
وتُتابع "سلمي" بتفاصيل كيف حاولت حماية أطفالها من طائرات الكواد كابتر: "قمنا بجمع الأطفال في غرفة داخلية بعيدة عن النوافذ والمنافذ، لكي نحميهم من تهديد الطائرات، وكنا ننتظر عند باب الغرفة، حيث كانت الأوضاع تتدهور بسرعة، لكن الطائرات كانت تستهدفنا بلا رحمة."
وتصف "سلمي"، مشهد الهجوم المروع الذي تعرضوا له. تقول: "اخترقت طائرة كواد كابتر أحد النوافذ وأصابت شابًا في رقبته وكان يجلس بين والديه، وكان النزيف والذعر يعم المكان، وحاول كبار السن تهدئة الأطفال بالتكبير، لكن الصرخات والخوف كانا يملآن الأجواء."
وتروي كيف سكتت الطائرات لوقت قصير، مما أعطى الأمل لبعض الأشخاص في المستشفى أن الاحتلال انسحب من المكان، "عندما سكت القصف، اعتقدت صبية أنها يمكن أن تخرج وتفحص الوضع. ولكن، للأسف، تعرضت للقنص من قبل قناص إسرائيلي وأصيبت برصاص في رأسها، مما أدى إلى استشهادها على الفور."
وتشير "سلمي" إلى مدى الألم والمعاناة التي عايشها المدنيون تحت القصف. تقول: "كانت تلك اللحظات من أصعب ما مررنا به. كنا نعيش في حالة من الخوف واليأس، وكل ما يمكننا فعله هو الدعاء وانتظار أن يأتي الفرج".
وتبدأ "سلمي" بوصف تجربة محاولتهم للفرار من مستشفى القدس في ظل الحصار، "عندما كان الحصار يشتد حولنا في مستشفى القدس، قررنا الاتصال بالصليب الأحمر طلبًا للمساعدة. كنا نأمل في أن يتمكنوا من إخراجنا من هذا الجحيم، وتم تحديد منطقة آمنة لكي نتمكن من الخروج منها، وتلقينا تأكيدات بأننا سنكون بأمان."
وتتابع "ضيفتنا" بتفاصيل ما حدث بعد ذلك، "عندما حاولنا الخروج وفقًا للتعليمات، تعرضنا لنيران كثيفة من قبل الاحتلال، وكان الرصاص يتساقط علينا من كل اتجاه، مما جعل الوضع أكثر خطورة من ذي قبل. اضطررنا بسرعة للعودة إلى المستشفى، حيث كانت العودة إلى أمان المستشفى أقل خطرًا من محاولة التسلل إلى المنطقة المحددة."
وتلفت "ضيفة سند"، إلى الأثر الذي تركه هذا الموقف على الجميع، "كل ما كنا نريده هو الأمان، لكننا وجدنا أنفسنا عالقين في مواجهة القصف والنيران، وتراجعنا إلى المستشفى، حيث كنا مضطرين للانتظار في ظروف أكثر صعوبة مما كنا نواجهه في الخارج."
"الموت قريب مني"..
وبينما عاشت "سلمي" وعائلتها معاناة قاسية في مستشفى القدس تحت حصار الطائرات، كان هناك آخرون يواجهون تحديات مماثلة في أماكن مختلفة.
تقول الشابة هناء أبو شعبان (21 عامًا)، إنها خرجت مع والدتها إلى منطقة الرمال لشراء بعض الحاجيات من السوق في وقت العصر، وكانتا تمشيان قبل مفترق كاظم بقليل وسط مدينة غزة، حيث كان الشارع فارغًا تقريبًا باستثناء رجل وابنه على الجانب الآخر وعدد قليل من الأشخاص خلفهما.
وتوضح "أبو شعبان" أن الرجل، عندما رآها ووالدتها، صرخ محذرًا إياهما من أن طائرة "كواد كابتر" تطلق النار على الجانب الذي كانتا تسيران فيه.
وتذكر أنهما قررتا العودة خوفًا من الخطر، ولكن بعد أن شاهدتا الناس يكملون طريقهم دون حدوث شيء، قررتا استكمال المشوار.
وتضيف "أبو شعبان"، أنها سمعت فجأة صوتًا يشبه الصفارة، وتطايرت الحجارة بالقرب منها، لتكتشف أن الرصاصة كانت على بعد سنتيمترات فقط منها.
وتوضح أن الرصاصة مرت بجانبها بمسافة قريبة جدًا، وكادت أن تصيبها، مما دفعها للصراخ على والدتها للركض معها.
وتروي "أبو الشعبان" القصة الثانية وتصفها بأنها أصعب من الأولى، في تاريخ 29/1، بدأ القصف فجأة في منطقتها، وكان صوت طائرة "كواد كابتر" واضحًا وهي تطلق النار في الشارع.
وتشير إلى أن المنطقة كانت محاصرة، والناس لم يتمكنوا من مغادرة منازلهم، وتستذكر كيف دخل الجيش الإسرائيلي إلى منطقة الشؤون المدنية وحاصر السكان هناك دون سابق إنذار.
وتقول إن في الساعة 8:26 صباحًا، سمعت صوت إطلاق نار على مجموعة من الشباب الذين كانوا يحاولون الهرب، وأصيب أربعة منهم.
وتصف المشهد الذي شاهدته من نافذة منزلها، حيث كان أحد الشباب ينزف ويصرخ طلبًا للمساعدة، ولكن لم يكن هناك من يستطيع مساعدته بسبب الحصار الشديد.
وتذكر أنها شعرت بالعجز وهي تشاهده ينزف لمدة ساعتين تحت المطر، حتى تمكن أخيرًا من الزحف إلى منتصف الشارع حيث ساعده جار لها في الوصول إلى سيارة نقلته إلى المستشفى.
وتلفت "أبو شعبان" إلى أنها كانت محاصرة في منزلها أربع مرات، إحداها كانت خلال اقتحام الجيش الإسرائيلي لمستشفى الشفاء.
وتصف هذا الحصار بالأفظع، حيث شعرت أن الموت يقترب منها سواء بقيت في المنزل أو حاولت الهرب، مُضيفةً أن الأشد قسوة كان شعور العجز الذي سيطر عليها في كل مرة رأت فيها الناس تموت أمام عينيها دون أن تتمكن من فعل شيء سوى الدعاء لهم وانتظار دورها.
ولا يختلف الوضع كثيرًا عن حالة المواطنة رؤى القطاع، التي عانت بدورها من تأثيرات مماثلة في منطقة الرمال، تصف رؤى معاناتها أثناء النزوح من منطقتها إلى منطقة الرمال، حيث قضت هناك نحو شهرين في ظروف صعبة.
وتضيف أن الوضع أصبح أكثر خطورة، إذ كانت تعيش مع والدتها وأختها في منزل لأقاربهم قرب دوار الدحدوح.
وتروي كيف أنهم اضطروا للبقاء في هذا المنزل رغم تدهور الوضع، وذلك لأن بقية أفراد العائلة قد عادوا إلى المنزل الرئيسي، بينما كانت والدة أخيها في حاجة إلى رعاية خاصة.
وتقول إن القذائف كانت تنهمر قريبًا من المنزل، والشظايا تتطاير في كل اتجاه، مما جعلهم يشعرون بتهديد دائم.
وتوضح "القطاع" أنهم كانوا في الطابق الثالث من المنزل، والذي كان يحتوي على نوافذ كبيرة، مما جعلهم عرضة للشظايا. تتابع أنه بعد استمرارية الهجمات، اضطروا إلى الانتقال إلى الطابق الثاني للبحث عن مأوى أكثر أمانًا.
وتشارك شعورها بالخوف، لاسيما لأنهم كانوا بمفردهم دون وجود رجال لمساعدتهم في تلك الظروف المرعبة، وفي ظل هذه الظروف القاسية، قام جارهم، الذي يسكن خلف منزلهم، بدعوتهم للانضمام إليه هو وزوجته، حيث عرض عليهم الانتقال إلى مكان آمن.
وتذكر أنهم وافقوا على العرض، ولكن الخروج كان محفوفًا بالمخاطر نظرًا للوضع الأمني المتدهور، وبعد أن هدأ الوضع قليلًا، اضطروا للخروج ليلاً، رغم أن التنقل في الظلام كان محفوفًا بالمخاطر، حيث كان كل الضوء يشكل خطرًا.
وتصف شعورهم بالخوف والحسرة وهم يحملون الأغطية والمخدات فقط، محاولين البحث عن مكان آمن في ظل هذا الوضع المخيف.
وتروي رؤى أنهم قضوا تلك الليلة في منزل أختها القريب من مستشفى الشفاء، وعادوا في الصباح إلى المنزل لجمع أغراضهم والاتصال بوالدهم ليأتي ويأخذهم. لكن الأمور لم تسر كما كانوا يأملون.
وتشارك كيف أن الوضع تدهور مجددًا عندما عادت طائرات "كواد كابتر" فجأة، وبدأت تطلق النار في كل مكان. تذكر أنها ووالدتها هرعوا للبحث عن مأوى في الدرج بينما كان والدها يحتمي عند باب المنزل. تصف مدى الرعب الذي عاشوه، حيث استمر إطلاق النار لمدة خمس دقائق، مما جعلهم يشعرون بالقلق الشديد على والدهم.
وتروي "القطاع"، تجربة مشابهة عاشت تفاصيلها أثناء آخر اجتياح لشجاعية، حيث كانوا يقيمون في شارع يافا شرق غزة، موضحةً أن طائرات "كواد كابتر" انتشرت بشكل مبالغ فيه في حارتهم، حيث كان هناك أربع طائرات في كل شارع.
وتصف كيف دخلت إحدى الطائرات إلى منزل أقاربها، وأضاءت المطبخ بضوء أبيض قوي، مما جعلهم يتجمعون في مكان واحد ويغلقون باب الغرفة عليهم، ويظلون في هذا الوضع قرابة الساعتين، مما يزيد من شعورهم بالعزلة والخوف.
وبينما كانت "القطاع" تتحدث عن تلك اللحظات المليئة بالخوف والقلق، تظهر تجربة أحمد العماوي (18 عامًا)، الذي واجه ظروفًا مشابهة لكن في مكان آخر. أحمد، الذي كان يعيش في خيم خانيونس، عانى هو أيضًا من تهديدات طائرة "الكواد كابتر".
يقول "العماوي": "في إحدى الليالي، عندما كنت في خيم خانيونس، قررت الذهاب إلى دورة المياه، لم أكن أتوقع أن تلك الرحلة البسيطة ستتحول إلى تجربة مرعبة."
ويواصل "العماوي" رواية ما حدث له، "فجأة، لاحقتني طائرة 'كواد كابتر' أثناء وجودي في دورة المياه، وأطلقت ثلاث رصاصات صوبي، شعرت بالرعب والهلع، وأدركت أن حياتي في خطر".
ويصف "العماوي" كيف نجح في النجاة من الرصاصات، "لحسن حظي، نجوت من الرصاص بأعجوبة، ولكن الخطر لم ينتهِ. بدأت أجري من خيمة إلى أخرى في محاولة للابتعاد عن الطائرة والحفاظ على سلامتي."
ويستمر في سرد تفاصيل الحالة التي عاشها، "الأجواء كانت مخيفة للغاية، وكل لحظة كانت مليئة بالقلق والخوف. لم أكن أعرف إلى أين أذهب أو أين أختبئ، فقط كنت أركض بحثًا عن الأمان."
ويصف "العماوي" تأثير هذه التجربة عليه، "تلك اللحظات كانت من أصعب اللحظات التي مررت بها، فقد عشت خوفًا لم أشعر به من قبل، ونجوت من الموت بأعجوبة. كل ما كنت أتمناه هو السلامة والابتعاد عن الخطر".
لا يختلف الحال كثيرًا عند الشابة نبيهة أيمن عطا الله التي تقطن في خانيونس، تُعبّر: "كان الوضع خطير في مكاننا الذي كان علينا أن نغادره فورًا، فالوضع كان يتدهور بسرعة، والجميع بدأ بتجهيز أغراضه. عمي وزوجته وبناته، وابنة عمي وأخواتها، وحتى بعض جيراننا كانوا مستعدين للمغادرة."
وتوضح: "اتفقنا على أن نخرج على دفعات، وخرجت المجموعة الأولى، لكنهم عادوا بعد وقت قصير وأخبرونا أنهم تعرضوا لإطلاق نار كثيف. كانت الرصاصات تتساقط كالمطر، ترتطم بالأرض والجدران من حولهم."
وتضيف: "للأسف، أصبتُ برصاصة اخترقت ظهري وخرجت من كتفي، دون أن تصيب قلبي. كنتُ أحمل ابني بين ذراعيّ، وبعد الإصابة سلمته لابنة عمي التي كانت بجانبي، ورغم أنني كنت أنزف من فمي، بقيت واعية طوال الوقت. أسرع والدي بحملي، وتلقى مساعدة من بعض الشباب الذين رفعوني إلى سيارة ونقلوني إلى المستشفى."
وتوضح "ضيفتنا"، "في المستشفى، تدخل الأطباء بسرعة لعلاجي، وكانوا مذهولين كيف تمكنت الرصاصة من المرور من ظهري دون أن تصيب قلبي، وخرجت من كتفي بدلًا من ذلك"