الساعة 00:00 م
الثلاثاء 16 ابريل 2024
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.7 جنيه إسترليني
5.32 دينار أردني
0.08 جنيه مصري
4.02 يورو
3.77 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

التحقيق العسكري.. حين تُشرّعن إسرائيل التعذيب المميت

حجم الخط
images.jpg
نابلس - أحمد البيتاوي - وكالة سند للأنباء

أعادت حادثة نقل الأسير سامر العرابيد لمستشفى "هداسا" وهو في حالة حرجة، جراء تعرضه للتعذيب في مركز "المسكوبية"، تسليط الضوء على "التحقيق العسكري" الذي يستخدمه محققو الشاباك بحق بعض الأسرى الفلسطينيين.

ويتهم الاحتلال العرابيد بالمسؤولية عن خلية للجبهة الشعبية نفذت "عملية العبوة" عند مستوطنة دوليف غربي رام الله، وأدت لمقتل مجندة إسرائيلية، في الـ 23 من آب/ أغسطس الماضي.

القنبلة الموقوتة

وفي خلفية المشهد، أصدرت المحكمة العليا الإسرائيلية في أيلول/ سبتمبر 1999 قرارًا يقضي بوقف التعذيب الجسدي خلال استجواب الأسرى.

واستثنت المحكمة من وصفتهم بـ "القنابل الموقوتة" من القرار، أي أولئك الذين لديهم معلومات من الممكن أن تهدد حياة الإسرائيليين.

هذا الوصف اعتبر "فضفاضًا" وترك الباب مفتوحًا أمام محققي "الشاباك" لممارسة التعذيب وشرعنته بعد الحصول على قرار من المحكمة وجهات طبية تتيحان لهم ذلك.

ورغم عدم وجود إحصائيات رسمية تشير لعدد الأسرى الفلسطينيين الذين تعرضوا لهذا النوع من التحقيق العنيف والخطير، إلا أن جهات حقوقية تُفيد بأن المئات مروا بهذه التجربة المخيفة، والتي تركت آثارًا نفسية وجسدية لا تمحيها السنين.

تتكلم أو تموت

الأسير رياض ناصر (41 عامًا) من قرية دير قديس غربي رام الله، تحدث عن تجربته القاسية مع التحقيق العسكري لـ "وكالة سند للأنباء".

وقال ناصر: "بعد شهر من التحقيق في المسكوبية، وفي منتصف العام 2014، دخل مسؤول التحقيق إلى زنزانتي، وأخبرني بأنهم حصلوا على قرار يسمح باستخدام التحقيق العسكري".

وأردف: "أخبرني أن هذه القرار صادق عليه رئيس الشاباك يورم كوهين، ومن قبله رئيس الوزراء، وختم حديثه اليوم سنأخذ منك إفادة بالقوة ".

وأضاف: "بعدها نُقلت إلى غرفة واسعة أرضيتها مغطاة بالبطانيات، وهناك كان باستقبالي محقق آخر صرخ قائلًا: عام 1998 قتلت هنا الأسير عبد الصمد حريزات، والليلة سأقتلك".

واستطرد المحرر ناصر: "فيما قال آخر لا خيار أمامك تتكلم أو تموت، وإن كنت محظوظًا ستخرج مشلولًا".

وتابع: "بعدها أجلسني المحققون على كرسي صغير بلا ظهر، ويداي مقيدتان خلف ظهري، ثم غطوا عيوني بنظارة بلاستيكية معتمة، بعدها مباشرة تعرضت لصفعة قوية على وجهي أفقدتني السمع مؤقتًا، ثم وقعت مغشيًا عليّ من شدة الضربة".

وعن أشكال التحقيق العنيفة الأخرى التي تعرض لها، أشار ناصر إلى أن المحققين أجلسوه بطريقة تشبه الضفدع، فيما قام محقق آخر بإمساكه من الخلف، وتولى ثالث مهمة ضربه على الوجه والرقبة والصدر.

واستدرك: "عند سقوطي على الأرض كانوا ينهالون عليّ بالركلات على جميع أنحاء جسمي".

وأضاف: "كنت أُجبر على الوقوف على الحائط ورجلاي على شكل زاوية 90 درجة، في حين كان أمامي محقق وعن يميني آخر وعن يساري ثالث، وهؤلاء جميعًا كانوا يصرخون ويضربون منطقة الوجه والصدر والأذن".

واستطرد: "كما يعمل المحققون على إدخال ريشة في الأنف والأذنين بعد تلقي الصفعات، وهذا يؤدي لفقدان التوازن والوعي والقدرة على التحكم والسيطرة بالجسم"، حسب وصف المحرر رياض ناصر.

وبيّن: "خلال التحقيق وبسبب وضعيات الشبح الصعبة والضرب والركل، بدأ جسمي يتصبب عرقًا، إضافة لإصابتي بنزيف حاد من الأنف والفم وعند قضاء الحاجة (...) خلال التعذيب كنت أصرخ من شدة الألم".

أسلوب "المافيا"

من ناحيته، تحدث  الأسير المحرر "م. ر" (37 عامًا) من إحدى قرى القدس، عن تجربته مع التحقيق العسكري، مشيرًا إلى أنه اعتقل على حاجز عسكري قرب بيت لحم.

وقال: "صباح يوم الأحد 29 رمضان 2014، أوقفني الجنود على أحد الحواجز العسكرية قرب بيت لحم، وبعد تفتيش دقيق لسيارتي، ادعى الجنود أنها مفخخة، عندها وصل محققو الشاباك للمنطقة، جردوني من جميع ملابسي عدا الداخلية".

وأكمل خلال حديثه مع "وكالة سند للأنباء": "بعدها نقلوني لمنطقة بعيدة عن الحاجز ثم قيدوني بكلبشات شدوها على معصمي بشكل كبير، وبعد ساعتين تجمد الدم في يدي وصار لونهما أزرقًا".

وأوضح: "كل ذلك ترافق مع أسئلة المحققين وضرب على الأيدي والأكتاف والوجه (...) بقيت على هذه الحالة أكثر من 5 ساعات".

وتابع: "بعدها نُقلت إلى مشفى شعاري تصيدق في القدس، وخضعت لبعض الفحوصات وتطبيب لمكان الكدمات والجروح، وفي اليوم التالي نقلت إلى المسكوبية".

وذكر الأسير المحرر: "هناك أبلغني المحققون أن مسؤول الشاباك وافق على استخدام التحقيق العسكري لمدة 22 ساعة".

وأشار "م. ر" إلى أن المحققين قالوا له: إذا لم تتجاوب معنا سنستخدم أسلوب "المافيا"، وفي تمام الساعة 8 مساء، "أي قبل عيد الفطر بيوم واحد"، بدأ التحقيق.

واستطرد: "نقلت إلى غرفة رقم 26، وعلى الفور عاجلني أحد المحققين بلطمة على الوجه، ثم ضربني آخر على فخذي بقوة فوقعت على الأرض، وحضر إلى الغرفة 3 محققين أجبروني على الوقوف مرة أخرى وأعادوا الكرة من جديد".

"بعد ذلك أجلسني المحققون على كرسي بلا ظهر وجعلوا رأسي متدليًا حتى لامس الأرض، وصار جسدي على شكل موزة، في هذه الأثناء أصابني ألم شديد ترافق مع صوت طقطقة في فقرات الظهر، مما اضطرهم لفك وثاقي وطرحوني أرضًا".

وأكمل: "بعدها استدعوا الطبيب فضغط على الفقرة التي تحركت من مكانها، عندها صرخت بصوت مرتفع من شدة الوجع ثم فقدت الوعي، وعندما استيقظت كنت لا أقوى على تحريك قدماي (...) ظننت أنني أصبت بالشلل".

وبيّن أن التعذيب يشرف عليه طبيب خاص، وكل أسلوب يكون محدد بسقف زمني محسوب بالثانية، مع استمارة خاصة يحملها المحققون عند كل جولة.

ولفت النظر إلى أن كل ذلك كان يترافق مع شتائم بذيئة وتهديد باعتقال الزوجة واغتصابها.

ومن مشاهد التعذيب الأخرى، أكد الأسير المحرر أنه التقى بأسير خلع المحققون نصف أظفره وأبقوا نصفه الآخر، مما أضطره لسحب بقيته بأسنانه، في حين خلع آخرون فك أسنان أسير بعد ضربه لكمة قوية، ثم أعاده الطبيب إلى مكانه دون "بنج" أو عملية جراحية.

تعذيب دون ترك آثار

أوضحت الباحثة القانونية في مؤسسة الضمير رشا عباس، أن "التحقيق العسكري" مصطلح ليس له أي أصل قانوني ولكن ابتدعه الأسرى من أجل وصف ما يتعرضون له.

وأشارت في حديث لـ "وكالة سند للأنباء"، إلى أنه يمكن وصفه بأنه تحقيق عنيف وقاسٍ يتخلله تعذيب جسدي بقصد انتزاع المعلومات.

وكشفت أن الأسير قد يصاب بـ "عاهة" مؤقتة خلال خضوعه لهذا النوع من التحقيق كعدم القدرة على المشي أو السمع، وبعد فترة قصيرة يعود لحالته الطبيعة.

وذكرت الحقوقية، أن المحققين يحرصون على عدم ترك أي أثر على جسد الأسير، خوفًا من الملاحقة القانونية.

وبيّنت أن "التحقيق العسكري" ومنذ عام 1999 مر في مراحل مختلفة بين صعود وهبوط، حيث كان الأمر مقترنًا بالوضع الأمني الميداني.

وأكدت في الوقت ذاته أن عملية خطف المستوطنين الثلاثة قرب الخليل في حزيران/ يونيو 2014 شكلت انعطافة حادة في ارتفاع وتيرة التحقيق العسكري وتوسيع دائرته لتشمل تهمًا أقل خطورة.

ونوّهت عباس إلى أن الإفادات التي تؤخذ من الأسرى بعد تعرضهم لهذا النوع من التحقيق باطلة وغير قانونية لأنها أخذت بالإكراه.

التعذيب غاية وليس وسيلة

وقال مدير وحدة الأبحاث في مركز علاج وتأهيل ضحايا التعذيب في رام الله، وسام سحويل، إن القوانين الدولية ترفض التعذيب جملة وتفصيلًا ودون أي استثناءات مهما كان سببها.

واستطرد: "وهو الأمر الذي لا تلتزم به إسرائيل رغم أنها واحدة من 194 دولة موقعة على اتفاقية مناهضة التعذيب".

ورأى الباحث الحقوقي خلال حديثه مع "وكالة سند للأنباء"، أن القرار الصادر عن المحكمة العليا عام 1999 "ما هو إلا كذبة شرعنت التعذيب ووفرت الحماية والحصانة لرجال الشاباك".

ولفت النظر إلى أن الاحتلال استكمل مؤخرًا القرار السابق بإعفاء المحققين من توثيق جلسات التحقيق من خلال الكاميرات.

وحسب سحويل، فإن التعذيب لم يعد بهدف انتزاع المعلومات من الأسرى فقط، بل صار بقصد كسر وعيهم وتحطيم معنوياتهم وتحويلهم لأشخاص معاقين فكريًا وسلوكيًا.

ودعا إلى ضرورة تقديم دعم معنوي للأسرى الذين تعرضوا للتعذيب وإخضاعهم لدورات مكثفة لإعادة دمجهم في المجتمع ومعالجة المشاكل النفسية التي تعرضوا لها.