الساعة 00:00 م
الخميس 10 ابريل 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.88 جنيه إسترليني
5.3 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4.21 يورو
3.76 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

"الصحة العالمية": الحصار على غزة يترك العائلات جائعة وتعاني من سوء التغذية

تقشّعر لها الأبدان.. شهادة ممرض شارك في إجلاء ضحايا محزرة الشجاعية

ودعت أغلى ما تملك.. وجع الفقد يُصيب قلب إخلاص الكفارنة في مقتل

"وحيدها البار".. كيف انتزعت الحرب الشاب محمد من أحضان والدته مزنة السعافين؟

حجم الخط
الشهيد محمد جبريل
غزة – إيمان شبير – وكالة سند للأنباء

تسللت نسائم الفجر، وعند أول "الله أكبر" من يوم الجمعة لعام 2004، كان الله يبارك حياتها بمولودها محمد، لكنّ شعور بالخوف ملأ قلبها، ليس خوفًا عاديًا بل خوفًا ينبع من حب غير محدود، كان ابنها محمد "وحيدها" قطعة من قلبها، ترافقه في كل خطوة، تغمره بحنانها، وتغلفه بدعواتها. كان كلما ابتعد عن ناظريها، تعود لتراقب خطواته، ترى فيه مستقبلها وأملها، تحمد الله على كل لحظة يقضيها في أمان.

مرت السنين، وكبر محمد ليصبح شابًا يافعًا، يحقق التفوق في كل مرحلة، يجتهد ليرتقي بأحلامه، لم يكن مجرد ابن، بل كان روحًا أخرى تعيش بها، تصلي من أجله، تدرسه، وتدعمه دون كلل أو ملل. كان الوعد بينهما أن يعود إليها بتفوق أكبر، بشهادة امتياز تُزين جبينه. لكنها لم تكن تعلم أن هناك شهادة أخرى، شهادة أبدية كانت في انتظار حبيب قلبها.

في أيامه الأخيرة، كان محمد يردد بحب "من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه"، كانت تلك الكلمات كالنبوءة، صدق مع الله فكان الوعد، وكان الله أصدق منه. رحل محمد، لكنه لم يرحل دون أن يترك خلفه أثرًا لا يمحى، ذكريات لا تنسى، وحبًا خالدًا في قلب أمه.

وسط غمامة الحزن الذي سيطر على قلبها بعد فراق ابنها، كانت الأم تعيش في صمتٍ يصعب اختراقه، "وكالة سند للأنباء" لم تتراجع أمام صعوبة الموقف، وبعد محاولات عديدة، استطاعت الوصول إليها، إذ لم يكن الحديث سهلًا، فكل كلمة كانت تعيد فتح جرحًا غائرًا، وكل ذكرى كانت تُعيدها إلى لحظة الفقد القاسية.

واستشهد الشاب محمد جبريل (20 عامًا)، وحيد والديه، بعد استهداف منزلهم بصاروخ مباشر، أدى إلى استشهاده على الفور، تاركًا خلفه قلبًا مفجوعًا وحزنًا لا يُحتمل.

456786128_1010663847520770_6500052359509714034_n.jpg

"بارٌ بوالديه"..

تقول والدة الشهيد محمد مزنة السعافين، "تلقيت خبر استشهاد ابني بصبر وثبات، وكان صبري هو الموقف الوحيد الذي كان يمكنني تحمله، وكنت ممتنة لله على القوة التي منحني إياها في تلك اللحظة".

وتزيد "السعافين"، "يوم استشهاده، عندما تلقيت الخبر، طلبوا مني أن أقول "لا حول ولا قوة إلا بالله"، نظرت إلى بناتي وقلت لهن أن يتوقفن عن البكاء، لأن قلبي لم يشعر بأي ألم في تلك اللحظة. لم أنسَ كيف شعرت بالسكينة والهدوء التي منحها الله لي، فلم انهمر بالبكاء كما توقعت".

ماذا عن صفات محمد "حبيب قلب والديه"؟، تُجيبنا: "محمد كان شابًا ملتزمًا وغيورًا على دينه وعائلته بشكل لا يُصدق. كان حنونًا للغاية، حيث كان دائمًا يعود إلى المنزل بعد يومه في الجامعة أو أي مشوار آخر ليحتضنني ويقبل رأسي، ويشكرني على كل شيء. حتى عندما كنا نتناقش أو نختلف في الرأي، كان يعتذر بسرعة ويقول "حقك على راسي". كنا نجلس في الصالة، ويُحدثني عن يومه، ويطلب رأيي في كل شيء. كان لديه احترام وتقدير كبيرين لآرائي".

وتُكمل "السعافين" بِلهفة وحزن كبير: "ابني محمد كان الأخ الرابع بعد ثلاث بنات، وتخصصه كان في الجامعة "البرمجة."، وكان ابني طموحًا جدًا في تخصصه، ويعمل على مشاريع جديدة باستمرار، كان لديه أحلام كبيرة في مجال البرمجة، وكان يسعى لتحقيقها، لكن قدر الله وما شاء فعل، كنت أتمنى له مستقبلًا مشرقًا في عمله وحياته".

وتروي "ضيفة سند" بِحُب رغم القهر: " أتذكر لحظات ترتيله للقرآن في البيت، خصوصًا يوم الجمعة بعد صلاة الظهر عندما كان يجلس في الصالة ويقرأ سورة الكهف بصوته الجميل. كان يردد أناشيد يحبها، وكان لديه قصيدة للبرغوثي دائمًا يردد مقطعًا منها. كان محمد صوامًا قوامًا، وكان دائمًا يصلي قيام الليل وصلاة الضحى، حتى بعد استشهاده، كنت أطمئن على أنه كان يؤديها، والحمد لله أنه كان يصليها".

وتضيف "السعافين"، "كان محمد يتميز بإصراره على إتمام أي عمل يبدأه، وكان طيب القلب، يحب الجميع، ويجبر خواطر الناس، وبشوشًا ومحبوبًا من الجميع، بارًا بوالديه، وعطوفًا على إخوته. كان دائمًا يظهر محبته للجميع، ويقبل رؤوس أخواته عند عودته من الخارج. كان لديه قبول كبير بين الناس، وأحبوه جميعًا".

وعن الكلمات التي كان يُرددها دومًا الشهيد محمد، تُجيب "السعافين": كان يردد (من أحب لقاء الله، أحب الله لقاءه)، وكان يقول أيضًا: "ولا حاجة على الزلام" لتهوين أي مشكلة تحدث"، مُشيرةً إلى أنها تحتفظ بصور وفيديوهات حبيب قلبها "محمد" وهو يضحك ويمزح مع الجميع، وتُقبّله من خلال شاشة هاتفها".

وتُتابع ضيفتنا، "محمد كان قارئًا ومتفقهًا في أمور دينه ودنياه، وكان يحب القراءة للإمام الشافعي، وكان دائمًا يرجع إلى مصادر دينية، ومنها كتب الإمام الشافعي، عندما يواجه مسألة صعبة".

في قلب "السعافين" خوف كبير على محمد، ما سره؟، ترد: "منذ ولادته، كان خوفي عليه دائمًا، وكنت أريد له أن يصبح شخصًا ناضجًا وجيدًا، وأن يكون من عباد الله الصالحين. كنت أخاف من أي كلمة قد تجرحه، لأنه كان حساسًا جدًا. زرعت فيه مخافة الله منذ صغره، وكان هبة من الله، وكنت أدعو الله في كل صلاة أن يحفظه. أشكر الله أنني ربيته كما يحب، وأتمنى أن أكون قد وفقت في ذلك".

وتشير "السعافين" إلى أن الحرب بدت وكأنها تلخص كل حروب العالم في معركة واحدة، شبيهة بأهوال يوم القيامة، مُضيفةً أنها فقدت الكثير من الأحبة، وعلى رأسهم ابنها، واصفةً ما جرى بـ "البشع والصعب".

وتختم بـ لوعةٍ وجرح لم يندمل، "أتمنى أن أكون من الصابرين الراضين، الذين نالوا أجر الصبر العظيم من الله، وأحاول أن أظل قوية وأتذكر محمد دائمًا بالدعاء والذكر، كما أنني أجد القوة من خلال الصبر، وقراءة القرآن، والدعاء".