الساعة 00:00 م
الخميس 22 مايو 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.76 جنيه إسترليني
5 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4.02 يورو
3.55 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

تغير المواقف الأوروبية من حرب الإبادة.. ما السر وما مدى التأثير؟

حماس: لا مفاوضات حقيقية منذ السبت ونتنياهو يُحاول تضليل العالم

منظمات أممية ومحلية لـ سند: الاحتلال يضلل العالم في قضية مساعدات غزة

حين ينام العالم.. ويستيقظ الرعب في غزة

بالصور حين يغيب الرفاق.. شهادات مؤثرة عن فقدان الأصدقاء في الحرب على غزة

حجم الخط
الحرب على غزة - فقد الأصدقاء
غزة - إيمان شبير - وكالة سند للأنباء

في الحرب، لا نفقد مجرد أصدقاء، بل نفقد جزءًا من أنفسنا معهم، حين يرتقون شهداء، يغادروننا بصمت مؤلم، تاركين وراءهم فراغًا لا يمتلئ. نبحث عنهم في كل لحظة، في ضحكاتنا التي لم تعد كما كانت، وفي الأماكن التي باتت فارغة رغم الزحام.

وكل ذكرى لأصدقائنا تصبح شاهدًا على غيابهم، وكل يوم يمر يعمّق الجرح، فالحرب لا تسلب فقط حياة الأحباء، بل تسلبنا دفء العلاقات التي كانت تمنح لحياتنا معنى، تاركة إيانا في مواجهة قسوة العالم وحدنا.

"وكالة سند للأنباء" استمعت إلى شهادات مؤثرة عن فقدان الأصدقاء في أعقاب الحرب على غزة، عبر هذه القصص، نتعرف على مشاعر الحزن العميق والحنين الذي لا ينتهي.

"يومٌ لم تشرق فيه الشمس"..

تستهل الناشطة مفاز أحمد يوسف حديثها بمرارة عن صديقة عمرها الشهيدة سلمى مخيمر التي ارتقت في أواخر أكتوبر 2023، قائلة: "تجاوزت علاقتي مع سلمى الصداقة إلى أبعاد أعمق بكثير؛ فقد كانت أكثر من صديقة، كانت الحبيبة والأخت التي لم أنجبها أمي، وسندي في غربتي، ما زالت أقرب الناس إلى قلبي، شاركتني أفراحي وأحزاني، ومنحتني الحلم والأمل. ذكرياتنا معًا محفورة في أعماقي، ولا تفارقني لحظة".

وتتابع "مفاز" بصوتٍ مُثقل: "رحيلها ترك أثرًا لا يُمحى في كل زاوية من حياتي، فكل شيء حولي يذكرني بها، من فنجان القهوة الذي أشربه إلى الكتاب المفضل الذي أهديتنيه، حتى خريطة فلسطين التي أرسلتها لي من الأردن، نحن نعيش على الذكرى، ونجد فيها السلوى."

ماذا عن يوم استشهاد سلمي؟، تُجيب بعدٍ تنهيدةٍ مؤلمة: "كان يومًا أسودًا بامتياز، سلب مني عمري بأكمله، وحفر تاريخه في قلبي ودمائي. كان يومًا لا يشبه الأيام الأخرى، يومًا لم تشرق فيه الشمس ولم يعد للحياة معنى".

وعن آخر حديثٍ بينهما، "تحدثت مع سلمى قبل الحدث بوقت قصير، حيث وصفت لي فظاعة الحرب، بعد أن انتهينا من الحديث، قلت لها: (تصبحي على خير، كوني بخير حبيبتي) لم أكن أعلم أنها ستكون آخر كلماتنا، ورأيت كابوسًا مرعبًا في نومي، كان الناس يصرخون والسماء رمادية، وشعرت بالخوف والاختناق".

9716e86b-9eca-4cc0-a0df-60126f1b9278.jfif

وتسرد "مفاز"، "أيقظني رنين هاتفي، كان أخي من أمريكا وأختي من تركيا يتصلون، وسرعان ما اكتشفت أن القصف طال دار مخيمر، حاولت الاتصال بسلمى، ولكنها لم ترد، وحين اتصلت بجيرانها، تأكدت من الخبر المحزن، وصرخت صرخة ألم وحزن، وشعرت بالانهيار، قضيت اليوم باكية بين جدران المستشفى، أبحث عن سلوى في الذكريات."

وتُكمل صعوبة ما جرى بألم كبير، "شعرت بأن حياتي توقفت تمامًا، وكأن الزمن توقف لحظة واحدة. لم أعد قادرة على ممارسة حياتي بشكل طبيعي بعد الحدث الذي هز كياني، وقررت تقديم استقالتي من عملي وانقطعت عن العالم لأشهر، كنت أعيش في حالة من الإنكار المستمر، أحاول إقناع نفسي بأن كل ما حدث ليس سوى كذبة".

وتروي "ضيفة سند"، "كانت ذكريات سلمى ترافقني، وكانت تظهر لي في أحلامي لتخفف عني الألم، ورأيتها تطير كفراشة نحو السماء، تعود حيث تنتمي، وكان حضورها يساندني في تلك اللحظات المظلمة."

وتقول "مفاز"، "لم أتمكن من التكيف مع فقدان سلمى أو تجاوز الألم العميق الناتج عن رحيلها، وحاولت أن أخفف من حزني وأشاركه مع من يشاركني نفس الوجع، وقررت أن أكون بجانب أيات، أخت سلمى الناجية الوحيدة من عائلتها، في تلك اللحظات الصعبة. بعد المجزرة، استطاعت أيات مغادرة غزة، لكن الألم كان عميقًا وثقيلًا".

وتتحدث بشجن، "عندما وصلت إلى بيتها، كنت أشعر بشدة التوتر، وعندما فتحت أيات الباب، احتضننا بعضنا بقوة وبكينا بحرقة، وقضينا ثلاثة أسابيع نستعيد الذكريات والمواقف، وبدأت أدرك أن قبول الحقيقة هو جزء من الشفاء، وسلمى لم تعد بيننا، ولكنها تبقى حاضرة في كل ذكرى."

ماذا عن التفاصيل التي تجمع بينكما، تقول: "كان ديسمبر يجمعنا دائمًا، نبدأ في التحضير لاحتفالات عيد ميلادنا قبل أشهر من موعده، كنا نحتفل سويًا في 15 ديسمبر يوم ميلادها، وفي 17 ديسمبر، يوم ميلادي. حتى أثناء وجودي في الهند، كنا نحرص على الاحتفال، ولم تكن المسافات تمنعنا من العيش في لحظات الفرح، لكننا خططنا للقاء في غزة بعد سنوات من التباعد، وقد قررت زيارتها في 15 أكتوبر 2023. كنا ننتظر هذا اللقاء بفارغ الصبر، ولكن الأقدار قلبت كل شيء رأسًا على عقب. أصبح اللقاء حلمًا بعيد المنال، وفقدت الأمل في بداية جديدة مليئة بالفرح."

وتضيف "مفاز"، أن البحر كان دائمًا المكان الذي يجمعهما، حيث تحضنهما أحلامهما وأحاديثهما. تحبذ الجلوس أمام البحر لساعات طويلة، وتبدأ يومها بشراء الفطور من مخبز الخولي. تتجه نحو البحر، تفترش الرمال وتفطر مع سلمى، مصحوبة بالقهوة الساخنة التي تضفي الدفء على صباحاتهما.

ab247721-2cd0-4a99-8b0b-7c0469aadac6.jfif

تعبر ضيفتنا عن حبها لبيت سلمى، واصفة إياه بأنه ملاذ دافئ ومكان للراحة والسلام، تستقبلها سلمى دائمًا بحفاوة، تعانقها بقوة وكأنها لا تريدها أن تغادر. تسهران حتى وقت متأخر من الليل، تخططان لمفاجأة عائلتها بقدومها، وتشعر وكأن بيت سلمى هو بيتها الآخر.

وتسرد، "سلمى كانت تعشق الأكلات التقليدية الفلسطينية، وتحب دائمًا تحضيرها بنفسها. تعبر عن اللحظات التي تقضيها معها في المطبخ، حيث كانتا تمضيان ساعات طويلة في إعداد الأطباق التي تشتاقها مفاز".

وتروي "مفاز" مشاعر سلمى في الحرب، حيث قالت لها ذات مرة: "يا رب، لو صار لنا شيء، نموت أنا وابني معًا ويدفنوه بحضني." تعبر عن الألم الذي شعرت به حينما تحقق هذا الطلب، ليجد طفلها الصغير الراحة الأبدية في حضنها.

جمانة وثلاث توائم في عداد الشهداء..

استشهدت الدكتورة جُمانة عرفة في 13 أغسطس الماضي مع توأمها، الذين لم يتجاوزوا الثلاثة أيام من العمر، في لحظة قاسية، كان زوجها ذاهبًا لجلب شهادات الميلاد لأطفالهما الجدد، لكنه عاد ليجدهم في عداد الشهداء.

455150948_1343933393232150_4965351210270459912_n.jpg

روان الكتري، صديقة جمانة المقربة، تشاركنا حكاياتها ومشاعرها حول فقدانها. كصحفية من غزة، تعرفت روان على جمانة من خلال عملها في مجال التجميل والصيدلة، وتوثقت علاقتهما بمرور الوقت. تربطهما ذكريات عديدة ومواقف مؤثرة، ما جعل فقدان جمانة صدمة كبيرة في حياة روان.

تقول "الكتري"، "تعرفت على جمانة بحكم أنها دكتورة صيدلانية وتهتم بالتجميل، وبدأت صداقتنا تتعمق تدريجيًّا، آخر لقاء بيننا كان قبل الحرب بوقت قصير. كنا نتحدث كثيرًا، حتى آخر اتصال كان للاطمئنان عليها وتهنئتها بالتوأم."

وتضيف، "كانت لجمانة مواقف كثيرة معي. أحببت بناتي كثيرًا، وكانت تدللهم،، كانت امرأة راقية وجميلة، تتحدث أكثر من لغة، واهتمت فقط بتطوير نفسها في مجال التجميل وعلاج البشرة، وإدارية ناجحة وضحوكة، ولم يسمع عنها أحد إلا كل خير."

وتسرد "ضيفتنا"، "كنا نتبادل أطراف الحديث بشكل شبه دائم، بعد انتهاء العمل نتحدث عن مشاكلنا وهمومنا. كانت تنوي السفر في أكتوبر 2023، لكن الحرب حالت دون ذلك. كانت تحب شرب النسكافيه وقطعة صغيرة من الحلويات، وتهتم بالأكلات الصحية."

وتوضح "الكتري": "في بداية الحرب، لم يكن أحد منا سعيدًا، وجمانة كانت حامل وخافت على أطفالها، فنزحت واستأجرت منزلًا حتى لا تضطر للإقامة في خيمة أو تعرّض أطفالها لأي شيء يؤثر على صحتهم. كانت تدعو دائماً أن أجد أولادي ولا نفترق طويلاً."

وتروي: "خوفها كان دائمًا على أطفالها، وعندما وصلوا بسلامة، كانت سعيدة جدًا. كل ما تحدثنا عنه عن الحرب كان محزناً، فقدنا صديقاتنا واستشهدوا، ودمّرت الأماكن التي عشنا فيها. كان كل شيء مؤلماً للغاية."

كيف كانت ردة فعلك عندما علمتِ بخبر استشهادها؟، "تُجيبنا: "عندما علمت بخبر استشهاد جمانة، استيقظت في الصباح ووجدت العالم يكتب عنها. في البداية، لم يكن لدي أي رد فعل. شعرت وكأن الخبر لا يتعلق بشخص أعرفه. قضيت أربع ساعات أقرأ الخبر وكأنه عن شخص غريب."

وتتابع "الكتري"، "خرجت من البيت وانفجرت بالبكاء، وكنت أتحدث مع نفسي وأبحث حولي لأسأل إن كانت جمانة بالفعل قد رحلت. كانت تحلم بإكمال تعليمها وتقديم تدريبات لأخصائيين البشرة، وكانت تأمل في الانتقال إلى الإمارات لتطوير نفسها أكثر."

وتزيد "ضيفة سند"، "الوجع كبير فوق الوصف، وعمره ما ينسي أو ينسى عند أصحابه أو أهله. لا أظن أنني سأتمكن من إغلاق خط التواصل معها. كل شيء كان صعباً بسبب الإنترنت والاتصالات في غزة، وهذا همّ آخر"