قالت شقيقة رئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" الشهيد يحيى السنوار، إنّ النهاية التي حظي بها القائد رسمها منذ كان شابًا يافعًا وعمل من أجلها طوال السنوات الماضية، مستذكرةً بعض المقولات التي كان يرددها عن الشهادة والعمل المقاوم والأسرى.
وكانت حركة "حماس" قد أعلنت عصر أمس الجمعة رسميًا استشهاد رئيس مكتبها السياسي يحيى السنوار، خلال اشتباكٍ مسلح مع جيش الاحتلال الإسرائيلي يوم الأربعاء الماضي (16 أكتوبر/ تشرين أول الجاري) بعد العثور على موقعه مصادفة داخل بناية في رفح جنوب قطاع غزة.
وفي حوارٍ خاص أجرته "وكالة سند للأنباء" مع الحاجة أم ربيع السنوار شقيقة القائد الشهيد المكنى "أبو إبراهيم" اليوم السبت، عبّرت عن فخرها بالنهاية التي كُتبت له بعد حياة حافلة بالمطاردة والاعتقال والعمل المقاوم في وجه الاحتلال، مؤكدةً أنّ العائلة "لم تشعر يومًا بالندم على هذا الطريق الذي اختارته".
وتابعت "أم ربيع" التي فقدت عددًا من أولادها في حرب الإبادة الجارية، إنّ "إنسانًا مثل يحيى لا يخاف من الموت بل ينتظره، فكيف وهو قد نال الشهادة بعد مواجهة مباشرة مع عدوّه حتى آخر رمق؟" متسائلة بنبرةٍ ثابتة: "إذن عن أي نصرٍ يتحدث بنيامين نتنياهو؟".
"كان عنيدًا وصلبًا وثابتًا" بهذه الكلمات تصفه شقيقته، مؤكدةً أنّ الشهيد كان "يرفض شعور الهزيمة في أي موقفٍ يتعارض مع المبادئ التي يؤمن بها خاصة الدينية والوطنية، حيث كان يدافع عنها بقوته المعهودة مهما كلّفته النتائج".
"لنا ثأر طويل معكم"..
وتستذكر "أم ربيع" أول اعتقالٍ تعرض له الشهيد يحيى السنوار في العام 1982 حين حاصرت قوات الاحتلال مربعًا كاملًا من أجل اعتقاله أو قتله؛ لأنه كان يعمل بيدٍ من حديد في ملاحقة العملاء والجواسيس، حينها "أدركت أنّ وراء هذا الاعتقال حكاية طويلة ليحيى مع المجد والبطولة".
وفي المرة الثانية التي اعتُقل فيها السنوار عام 1998 حكم الاحتلال عليه بالسجن أربعة مؤبدات قضى منها 23 سنة متواصلة وما يُقارب أربعة أعوام في العزل الانفرادي، تعرض خلالها لأساليب متنوعة من التعذيب والتنكيل والحرمان من زيارة عائلته تحديدًا والده، في سبيل إخضاعه والانتقام منه، لكنّ ذلك لم يحصل أبدًا كما تؤكد شقيقته.
وأضافت أنّ "قهرهم الشديد منه دفعهم لتهديدنا أكثر من مرة بالانتقام والملاحقة، حيث اعتقلوا إخواني بينهم شقيقي الذي كان ينتمي لحركة فتح؛ ما ترك أثرًا عميقًا في نفس يحيى بضرورة الحفاظ على روح الوحدة الفلسطينية الوطنية وجسّد ذلك في السجون".
وقصف الاحتلال منزل السنوار ودمره عام 1989 ومرة ثانية خلال عدوان 2014 ومرة ثالثة خلال عدوان 2021، ومرة رابعة خلال الحرب المستمرة، وسخّر فريقًا أمنيًا كاملًا للبحث عنه، وقد تعاونت أمريكا وبريطانيا مع "إسرائيل" في سبيل الكشف عن مكان تواجده، لكن كل تلك الجهود فشلت على مدار عامٍ كامل.
"لنرى مَن سيثأر مَن؟"
أطلق الاحتلال الإسرائيلي سراح يحيى السنوار في أكتوبر/ تشرين أول 2011 وكان واحدًا من بين أكثر من ألف أسير حرروا مقابل الجندي الأسير جلعاد شاليط، ضمن صفقة جرت مع المقاومة الفلسطينية عُرفت بـ "وفاء الأحرار".
تخبرنا شقيقته "أم ربيع" أنّ أول جملة قالها لعائلته بعد الإفراج عنه من سجون الاحتلال: "أنا طلعت عشان أستشهد"، مشيرةً إلى أنّ المحقق الإسرائيلي توعد شقيقها قائلًا: "لنا ثأر طويل معك" فرد عليه يحيى السنوار: "لنرى من سيثأر من الآخر إن كُتب لنا حياة؟".
وتزوج القائد يحيى السنوار بعد شهرٍ واحد من تحرره من سيدة غزية حاصلة على ماجستير تخصص أصول دين من الجامعة الإسلامية بغزة، وله ثلاثة أبناء، إلا أنّ جو العائلة والأبناء لم يشغله يومًا عن عمله المقاوم _ والكلام لشقيقته_ "ليُثبت لنا جميعًا أن ما كان يقوله ليس مجرد شعارات".
فلطالما تعهد هذا الرجل ليس أمام عائلته فحسب، بل في خطاباته السياسية والتجمعات العامة، بتحرير الأسرى من سجون الاحتلال إذ كان دائمًا يقول: "فرحتي بالحرية ستظل ناقصة إلى أن أرى زملائي وأصدقائي في السجون أحرارًا، ومن هنا كان الإعداد لعملية طوفان الأقصى النوعية"، وفق ضيفتنا.
وكغيرها من أهالي الشهداء تعيش "أم ربيع" حزنًا كبيرًا على فراق شقيقها الذي تصفه أنّه "كان يتمتع بصفات رحيمة مع عائلته وأبويه وأقاربه وجيرانه، كما كان رحيما ودودًا على شقيقاته بشكلٍ خاص".
واستدركت الحاجة "أم ربيع": "لكنّه كان يقول دائمًا طولّنا كتير في الحياة يا أختي، وأنا أفضّل أن أرتقي شهيدًا مقبلًا غير مدبر على أن تنتهي حياتي بموتٍ عادي، وكان له ما تمنى وهذا هو العزاء الوحيد لقلوبنا".
وفي رسالتها لرئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو قالت: "الشاطر من سيضحك أخيرًا، وشقيقي أبكاكم في البداية بعملية نوعية لا تخطر على بال أحد، ورحيله لن يُنهي مسيرة المقاومة التي يؤمن بها، وإيماننا الكبير أنه سيعود إليكم على شاكلة صاروخ وقنبلة ومسيّرة؛ ليظل كابوسًا يلاحقكم ويقض مضاجعكم حتى التحرير".
ويعتبر الاحتلال الشهيد القائد يحيى السنوار، العقل المدبر لعملية "طوفان الأقصى" النوعية التي انطلقت شرارتها فجر السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023، التي كبدتها خسائر بشرية وعسكرية وهزت صورة أجهزتها الاستخباراتية والأمنية أمام العالم.
وعلى عكس المزاعم الإسرائيلية التي كانت تقول إنّ السنوار "معزل في الأنفاق"، أكدت حركة "حماس" أنّه مارس عمله قائدًا للحركة في الميدان، وتنقل بين عدة أماكن وتفقد المقاومين فوق الأرض ولم يكن محاطًا بأسرى الاحتلال، ثم جاءت نهايته مشتبكًا مع عدوّه من مسافة صفر، في مكانٍ يعتبر "منطقة عمليات عسكرية".