قلبت الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة أحوال المواطنين رأسًا على عقب في كل تفاصيل حياتهم وأعمالهم، وأجبرت الكثيرين ممن يعملون عن بُعد على الخروج من أماكن سكنهم أو نزوحهم وصولًا لمكان يوفر الكهرباء وشبكة الانترنت ليتمكنوا من مواصلة أعمالهم وكسب أرزاقهم رغم كل المخاطر والصعوبات.
المصممة كفاية أسعد (32 عاما)، تسابق الزمن كل صباح مشيًا على الأقدام ساعتين، لتظفر بالمقعد الملاصق لمقبس الكهرباء في مقهى صغير وسط مدينة دير البلح وسط قطاع غزة، لتستطيع إتمام عملها قبل أن يمتلأ بالكثيرين من أمثالها، وعلى اختلاف وظائفهم.
المقهى الذي ترتاده "أسعد" يوميا يُعد واحدا من عشرات الأماكن التي تهدف لتوفير بيئة مناسبة للعاملين عن بعد عبر تقديم خدمات الانترنت والكهرباء بمقابل مادي باهظ، مقارنة بمثله قبل حرب الإبادة التي يشنها الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023.
تقول أسعد لـ"وكالة سند للأنباء": "أنا أرتاد هذا المقهى بشكل يومي لمدة 6 ساعات، لأستطيع إرسال التصاميم المطلوبة مني لخارج القطاع، وأخاطر بحياتي لأن الاحتلال ممكن أن يستهدف أي مكان وفي أي وقت".
وتتابع والإرهاق يعتري نبرة صوتها: "رغم الخطر الذي يحيط بكل القطاع رجعت لعملي مضطرة لحاجتي للمال، فأنا أخفي عن عملائي أني مصممة من قطاع غزة خوفا من أن أخسر عملي، بسبب ظروف الحرب وانقطاع الكهرباء والانترنت".
وتُلاحق ضيفة سند مواعيد تسليم تصاميمها التي لا ترحم أحيانا، وعندما تنقطع الكهرباء تحاول التواصل مع عملائها عبر حزم الانترنت على هاتفها المحمول، أو الذهاب لمقهى آخر ودفع تكاليف أخرى للانترنت ورسوم المكان.
وحال الاكتظاظ في أعداد النازحين إضافة إلى الضوضاء دون قدرة الشبان على إكمال عملهم، لاسيما داخل نقاط الانترنت العامة والمنشرة داخل مخيمات النزوح، الأمر الذي زاد من صعوبة عملهم، فضلا عن ظروف الحرب القاهرة.
عمل رغم الصعوبات..
وعلى طاولة أخرى في ذات المقهى تواجه الشابة مرح محمد (27 عاما) وهي صانعة محتوى، عقبات أخرى في إكمال عملها بالصورة المناسبة فتقول: "من الصعب أن تؤمن مستقبلا في غزة، لكن حقي في الحياة أن أحقق أهدافي وأطور نفسي".
وتضيف:" أواجه صعوبات مركبة في العمل لاعتماد المقهى على الطاقة الشمسية وبطاريات كثيرة الأعطال، فيستغرق تسليم العمل وقتا أطول من المعتاد، بسبب حاجتي لانترنت بجودة مرتفعة".
ونزحت "محمد" من مدينة غزة مجبرة، حيث استشهد خمسة من أفراد عائلتها، من بينهم والدتها، ولكنها مصرة على الإنتاج رغم هذه الصعوبات.
ويعاني آلاف الشبان في قطاع غزة ممن يعملون عن بعد من عدم توفر شبكات الانترنت وانقطاع الكهرباء نتيجة لتدمير الاحتلال البنية التحتية ومنعه من إدخال الوقود منذ بداية الحرب الأمر الذي عقد من إمكانية العمل عن بعد وتسبب بفقدان الكثير من الشباب لوظائفهم في الخارج.
ودمر الاحتلال الإسرائيلي خلال حرب الإبادة الجماعية المستمرة على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، 70% من أبراج الإرسال لخطوط الانترنت، إضافة إلى تدمير 3.130 كيلو متر من أسلاك شبكات الكهرباء. وفق تقرير صادر عن وزارة الاتصالات الفلسطينية.
وارتفعت حصيلة ضحايا العدوان العسكري المستمر على قطاع غزة منذ الـ 7 من أكتوبر 2023، وفق بيانات رسمية صادرة عن وزارة الصحة الفلسطينية، إلى 43 ألفًا و985 شهيدًا، بالإضافة لـ 104 آلاف و92 مصابًا بجروح متفاوتة.