منذ عام 2004، تتعرض بلدة سلوان المقدسية، لهجمة استيطانية شرسة، تستهدف تشريد أهلها منها، وهدم المساكن فيها، تحت ذرائع وحجج واهية، تتعلق بعدم الحصول على تراخيص للبناء، وهي تراخيص من المستحيل الحصول عليها في ظل إجراءات إسرائيلية معقدة.
ولتسهيل عمليات الهدم وتسريعها، سلكت بلدية الاحتلال، منذ سنوات، أسلوب إجبار الأهالي على هدم منازلهم بأيديهم، أو دفع تكاليف هدمها بآليات وجرافات البلدية، ما اضطر الكثيرين في البلدة للهدم ذاتيًّا، مضطرين لذلك.
المواطن عثمان الرجبي، اضطر قبل عامين لهدم منزله، ومنزل نجله، بعد إخطار بلدية الاحتلال له، بحجة أن البناء غير مرخص.
يعيش الرجبي الآن في منزل بالأجرة، حاله حال الكثيرين ممن هدمت منازلهم، أو اضطروا لهدمها.
وبمرارة كبيرة، تحدث الرجبي لوكالة سند للأنباء، عن صعوبة أن يقوم الشخص بهدم منزله بيديه وأمام أبنائه وأحفاده.
وقال "القضية تتعلق بمنزل ترسم فيه أحلامك وتعيش حياتك اليومية، ثم تنظر فتجده ركامًا.. صعوبة كبيرة لا يستطيع أي إنسان تقبلها".
وأردف "منزلي ومنزل نجلي كلفتنا مبالغ باهظة لإقامتها، لكن الأهم هو ارتباطنا بالمنزل بكل ما فيه، وفجأة نفقده".
وقرر أهالي سلوان مؤخرا، التمرد على قرارات بلدية الاحتلال، ورفض هدم منازلهم بأيديهم، رغم ما يحيط القرار من غرامات وعقوبات إسرائيلية متوقعة.
ويعتقد الرجبي أن مثل هكذا قرار سيساعد الكثيرين في الحفاظ على منازلهم من الهدم، لأن البلدية تحاول قدر الإمكان عدم دخول البلدة بآلياتها وقوات الجيش والشرطة، وما يرافق ذلك من مواجهات تصورها الكاميرات.
وأردف "لذلك هي تجبر الناس على الهدم، لتسريع عملية هدم آلاف المنازل، ولتحفظ صورتها أمام العالم".
بلدية القدس التابعة للاحتلال، ومنذ مطلع العام 2024، هدمت أكثر من 183 مبنى بالقدس منذ بداية 2024، بينها 33 مبنى في بلدة سلوان، حيث كانت عمليات الهدم الأكبر من نصيب حي البستان، الذي بات مهددا بالإزالة بشكل كامل.
فخري أبو دياب، الناشط في مقاومة الاستيطان في سلوان، والذي تعرض منزله في سلوان للهدم مرتين هذا العام، يقول إنه كان يجب اتخاذ القرار من فترة طويلة، داعيًا إلى مساندة واسعة ودعم للاستمرار فيه.
متحدّثًا لوكالة سند للأنباء، اعتبر أبو دياب قرار أهالي سلوان، شكلًا من أشكال الصمود والتحدي، ورفض الرضوخ لأوامر الاحتلال.
ولفت إلى أن بلدية الاحتلال تسعى من خلال إجبار المواطنين على هدم منازلهم ذاتيًّان لتحقيق أهداف عدة، أبرزها تسريع عمليات الهدم، وتفريغ البلدة من السكان، وتقليل التكاليف على البلدية، والحفاظ على صورتها أمام العالم.
وأوضح أبو دياب أن بلدية القدس لا تستطيع هدم أكثر من 300 منزل سنويًّا، فلجأت لإجبار المواطنين على ذلك لتسهيل الأمر عليها.
وتشير التقديرات بأن "إسرائيل" هدمت ما يزيد على 3,400 منزل من منازل المواطنين المقدسيين منذ عام 1967، من بينها العديد من المواقع التاريخية والدينية، بحجة البناء دون ترخيص.
وبحسب مراكز حقوقية، يتكلف استخراج رخصة للبناء في القدس 50 ألف دولار على الأقل، لكل شقة سكنية.
وتابع "كما أن الهدم الذاتي يحفظ صورة الاحتلال أمام العالم، حيث يجري الهدم دون وجود جرافات أو آليات، باعتبار عملية الهدم تخالف القوانين الدولية، كونها تهجيرًا قسريًّا وتغييرًا لمعالم المنطقة".
وقال "حين تقوم بلدية الاحتلال بالهدم تضطر لإحضار قوات كبيرة ومحاصرة المكان وإدخال الآليات والجرافات، وهذه العملية كلها مكلفة وتستنزف الاحتلال في ظل الحرب التي يشنها في غزة ولبنان، وحاجته للقوات والجنود".
ورأى أبو دياب أن آثار الهدم الذاتي تنعكس نفسيًا بشكل خطير على الأجيال الجديدة، حين يشاهد الأبناء آباءهم يقومون بعملية الهدم، ولا يرى جرافات الاحتلال تفعل ذلك.
وقال "هناك 22 ألف منزل ومنشأة شرقي القدس، 7 آلاف منها في بلدة سلوان، يدعي الاحتلال أنها غير قانونية، ولو قام صاحب كل منزل بهدمه ذاتيًّا؛ فهذا سيساعد بلدية الاحتلال التي تحتاج لسنوات طويلة للهدم، إن تمكنت من ذلك".
وأكد بالقول "بلدية الاحتلال في القدس قوة محتلة غاشمة، تستطيع الهدم فلتهدم، ولن نكون معولا لهم، لأن هدفهم طمس تاريخنا ومستقبلنا".
ودعا الناشط المقدسي إلى تفعيل صناديق الدعم للمقدسيين، وتعزيز صمودهم وقراراتهم المناوئة للاحتلال، مشيرًا أن الدعم في هذا المجال لا يزال ضعيفًا ومحدودًا.
بدوره، أشار مسؤول الإعلام في محافظة القدس، معروف الرفاعي، أن بلدية الاحتلال تحاول منذ عام 2005 هدم حي البستان وبلدة سلوان، وطمسها نهائيًّا، وقدمت أيضًا إغراءات رفضها الأهالي".
وقال لوكالة سند للأنباء إن الهدم الذاتي يحمي "إسرائيل" من الظهور بصورة سيئة أمام العالم، في حال قامت هي بذلك، كون الهدم جريمة حرب.
وبين أن الاحتلال يدّعي البناء دون ترخيص، ويسوّ عمليات الهدم لهذا السبب، ولكن تلك التراخيص يستحيل الحصول عليها، في ظل التكاليف الباهظة وإجراءات محاكم وإدارات الاحتلال المعقّدة.
وشدد الرفاعي أن "أهالي سلوان قرروا بالإجماع أنهم لن يخرجوا من البلدة، ولن يهدموا منازلهم ذاتيًّا، مهما كان الثمن".
المختص في شؤون الاستيطان سهيل خليلية، وصف قرار أهالي سلوان الشجاع والقوي، والذي يتطلب مساندة كبيرة.
وقال لوكالة سند للأنباء "سلوان مستهدفة منذ أكثر من 20 عامًا، وجرت فيها عمليات هدم بالمئات، وتسارعت عمليات الهدم في ظل حكومة نتنياهو الحالية، ووزرائه المتطرفين الذين يبحثون عن أي فرصة لطرد الفلسطيني من أرضه".
وأشار خليلية أن "الاحتلال يستهدف القدس بشكل منظم ومنهجي، والهدف هو إحاطة البلدة القديمة بمشروع استيطاني، وتسريع وتيرة البناء الاستيطاني فيما تسمى منطقة "الحوض المقدس"، التي تضم معظم بلدات القدس وأحيائها".
وأردف "أهالي سلوان يدركون خطورة قرارهم وتبعاته، وحجم الضغوطات والغرامات التي سيواجهونها، لكنه قرار شجاع ويجب دعمهم فيه".