الساعة 00:00 م
الإثنين 02 يونيو 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.74 جنيه إسترليني
4.96 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
3.99 يورو
3.52 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

غزة في قلب نهائي دوري أبطال أوروبا 2025

مصائد موت وإذلال المُجوَّعين.. مساعدات مغمسة بدماء الباحثين عنها في غزة

بالصور الفقد مرّتين: حكاية الصحفي حمزة مرتجى بين الشهادة والأبوة

حجم الخط
الشهيد الصحفي حمزة مرتجى
غزة - إيمان شبير - وكالة سند للأنباء

في غزة، حيث لا يتوقف الحزن ولا تنتهي فصول المأساة، رحل الصحفي حمزة مرتجى (32 عامًا) عن عالمنا، ولكن ليس كأي رحيل، فقد جاء موت حمزة ليضيف فصلًا جديدًا إلى قصة عائلة مرتجى، التي لطالما عاشت فصول الفقد والحروب.

حمزة، الأخ الذي كان حاضرًا في كل تفاصيل حياة شقيقه الصحفي ياسر الذي استشهد فجر السابع من إبريل/ نيسان 2018 بعدما استهدفه جيش الاحتلال خلال تغطيته لفعاليات مسيرة العودة وكسر الحصار شرقي مدينة خان يونس جنوبي قطاع غزة.

وحتى بعد استشهاد ياسر، كان يعلم حمزة أن دوره لم ينته بعد، فكان قرار حمزة أن يصبح الأب الثاني لعبد الرحمن، ابن شقيقه "ياسر".

تزوج حمزة من غادة، زوجة شقيقه الشهيد، في عرف عائلي يتمسك به كثيرون في مثل هذه الظروف، ليبقى العهد حيًا وليُكمل مسيرة ياسر في رعاية عائلته، وأنجب طفلين "عمر وياسر".

GVa_61vXEAAA9K_.jpg

في 20 أغسطس/آب الماضي، جاء الاستهداف الإسرائيلي ليأخذ حمزة من بين ذويه، ويترك عبد الرحمن يواجه موجة جديدة من الفقد، استشهد حمزة في قصف استهدف مدرسة مصطفى حافظ غرب غزة، مع ثلاثة من أصدقائه، في واحدة من المجازر التي تتراكم دون أن يتوقف إيقاعها، في ظل آلة الحرب الإسرائيلية التي لا تعرف الرحمة.

كان حمزة، في حياته كما في استشهاده، مثالًا على التضحية التي لا تنتهي، فقد رعى عبد الرحمن بحب، وكان يعامل ابن شقيقه وكأنه ابنه، ولا يعرف في لحظات الألم سوى أن يحاول تعويضه عن فقد والده، ياسر.

وها هو اليوم، يواجه عبد الرحمن فقدانًا جديدًا، لكن هذه المرة هو الفقد الذي لم يكن في الحسبان، فقد عمه الذي كان له الأب، ليبقى الشاب الصغير يتسائل عن الحياة والموت، وعن كيف تُكتب الفصول الأخيرة في قصص الرجال الذين لا يعرفون سوى العطاء والتضحية.

وتعيش عائلة "مرتجى" الآن وسط غياب حمزة الذي كان حاضرًا في كل تفاصيل الحياة، سواء مع زوجته وأطفاله في جنوب قطاع غزة، أو مع شقيقته في الشمال، كان حمزة يعكس في كل شيء صورة الأب الذي لا يتوانى عن تقديم الدعم والرعاية، حتى في أصعب الأوقات.

"خفيف الظل"..

تقول والدة الشهيد حمزة مرتجى، إن حمزة كان هادئًا بطبعه وأخلاقه، خفيف الظل في كلامه وتصرفاته، ومرضيًا للوالدين.

وتشير إلى العلاقة القوية بين حمزة وشقيقه ياسر، موضحةً أن علاقتهما كانت طيبة ومحبوبة، خاصة بعد وفاة والدهما.

وتضيف أن ياسر أخذ يسدّ مكان والده بعد رحيله، وبدأ يسدّ الفجوة في حياة الأسرة، خصوصًا أن أشقاؤه أصغر منه سنًا.

وتوضح الأم أن حمزة أصبح الأب الحنون لعبد الرحمن، حيث كان الأخير يناديه "بابا حمزة"، وأحيانًا بدلع يقول "حمزة" فقط، وهو ما كان يسعد حمزة جدًا، المهم أن يشعر الطفل بالسعادة.

وتسرد أنه لم يفرق في معاملته بين عبد الرحمن وعمر، وكان دائمًا يعامل غادة، زوجته، بشكل طبيعي يرضي الجميع، مشيرةً إلى أن الأسرة كانت حريصة على أن يبقى عبد الرحمن في حضن والدته دون أن يُحرم منها كما يحدث مع بعض الأمهات.

وتتابع، الأم أن حمزة كان يقول أحيانًا لزوجته غادة، بشكل عفوي: "لو استشهدت بعد ياسر، مين بدك تختاري يا غادة؟" فتكتفي بالصمت وتبتسم دون أن تجيب.

وتروي الأم أن حمزة كان يحب عائلته وأولاده كثيرًا، وعندما كان يزورهم في حي النصر، يمسك هاتفه الجوال ويتفرج على فيديوهات الأولاد وهم يلعبون، فيضحك بعفوية أثناء مشاهدته لتلك اللحظات الموثقة، وأحيانًا تكون هي من تصوّر تلك الفيديوهات بنفسها.

"عطاء لا متناهي"..

تقول شقيقة الشهيد حمزة مرتجى، هدى، إنه كان يتمتع بطبع هادئ ومخلص في عمله، وتعتبر أن أبرز ما كان يميّزه هو طيبته وحب الخير.

وتضيف لـ "وكالة سند للأنباء" بصوتٍ سبقه حشرجة البكاء: "كان حمزة شخصًا يحب العطاء، لا يكتفي بأن يكون فقط بجانب عائلته، بل يسعى دائمًا لتقديم كل ما يمكنه مساعدة الآخرين به، أكثر ما كان يعشقه هو السباحة، كانت هوايته المفضلة التي يجد فيها بعض الهدوء والتوازن وسط حياة مليئة بالتحديات."

وتسترجع ذكريات الحرب، حيث كان حمزة دائمًا حريصًا على زيارة شقيقته رغم الظروف الصعبة، تقول: "في أوقات الحرب، كان يزورني في كل مرة ويحرص على أن يقدم لي ما جادت به نفسه، في ظل الظروف الصعبة وقلة المواد الغذائية، ورغم شحّ الأوضاع، كان كل شيء يحصل عليه يحرص على تقسيمه بيني وبين أمي، وكانت تلك اللحظات تملؤها معاني الأخوة والعطاء الحقيقي، حيث لم يكن يتوانى عن مشاركتنا حتى بأقل القليل."

وتتذكر آخر زيارة له في الأيام الأخيرة قبل استشهاده: "في آخر مرة جاء لي، أخبرني أنه سيعود في الأسبوع المقبل لفترة أطول، وأخبرته أنني أرغب في تحضير طعام لذيذ له، كنت أترقب عودته بفارغ الصبر، لكنه لم يتصل بي كما وعد، تذرّعت بأنه كان مشغولًا، لكنه وعدني أنه سيأتي في وقت لاحق".

dbfde0b2-6d28-4ad6-94f4-d96d48fb698c.jpg

وتُتابع: "كنت في غاية السعادة عندما يأتي لي ببعض الطحين أو الطعام البسيط في أصعب أيام المجاعة، كان يقول لي: 'هدى، حصلت على كابونة، هذا ما تيسر، خذي ما تحتاجين"، هذه الكلمات كانت تملؤني بالراحة، في وقت كان فيه الجميع يعاني."

وتُكمل حديثها عن حمزة قائلة: "قبل مغادرته كان دائمًا يطمئنني، يقول لي: 'هدى، إذا احتجتي أي شيء أو نقص عليكِ شيء، فقط رنّي لي، كانت تلك الكلمات التي تبعث الطمأنينة في قلبي، لأنه كان دائمًا موجودًا لأجلنا في أوقات الحاجة."

وتشير إلى جانب آخر من شخصية حمزة، فتقول: "كان الأخ الحنون الذي لا يتوانى عن مساعدتي رغم انشغالاته الكثيرة، لم أكن أطلب منه شيئًا إلا وكان يطمئنني ويخبرني أنه قد تم الأمر، كان دائمًا يقترح علينا أماكن جديدة نذهب إليها لنرفّه عن أبنائنا، وكأنه دائمًا يسعى لجعل الحياة أفضل رغم الصعاب."

"عبد الرحمن يعيش فقدين"..

992bbb09-0610-48f2-ab69-a87946dade01.jpg

يعيش عبد الرحمن، طفل ياسر مرتجى، في عالم مليء بالذكريات التي تلوح في الأفق مثل صور مبهمة، كان يفرح كثيرًا عندما يتصل به "أبوه الثاني"، كما كان يطلق عليه، حمزة، كان يطلب منه شراء بسكليت وبعض الألعاب، كما لو أن تلك اللحظات ستظل خالدة في ذاكرته.

لكن الحزن الذي أحدثه نبأ استشهاد حمزة كان عميقًا جدًا، فعبد الرحمن لم يدرك في تلك اللحظة مدى الألم الذي سيبقى عالقًا في قلبه، ومع مرور الوقت، سيبدأ في الشعور بحجم الفقد، وكلما كبر، زادت المسؤوليات الملقاة على عاتقه، ليصبح الألم أكثر وضوحًا في حياته.

وتعبّر "هدى" عن الألم العميق لفقدان شقيقها، فتقول: "عبود "عبد الرحمن"، للمرة الثانية في عمره الصغير، يتجرع مرارة الفقد والنزوح، تلك اللحظات لا يمكن وصفها، ولا يمكن للكلمات أن تعبّر عن مدى الألم الذي يشعر به، هؤلاء الأطفال بحاجة إلى بيت دافئ وحضن حنون، في بيئة مريحة وآمنة بعيدًا عن التشرد، في هذه الأيام، لا نملك إلا مكالمات الهاتف لنطمئن عليهم، فلا بيت يجمعنا ولا قرب يخفف أثر الصدمة. الفقد هو ما يطغى على كل شيء، ويبقى السؤال: كيف يمكن تعويضهم عن كل هذا؟"

وتتابع متحدثة عن تحديات أخرى تواجهها العائلة: "التحدي الأكبر الآن هو كيف سنعوضهم عن هذا الفقد، وكيف سيتمكنون من التعايش مع هذا الألم؟ متى سنتمكن من لمّ شملنا من جديد؟ وماذا سيكون مصيرهم في المستقبل؟ كل هذه الأسئلة تشغل بالي يومًا بعد يوم."

وتعود لتستذكر علاقة حمزة مع ياسر: "كان حمزة دائمًا يرافق ياسر في عمله، وكان متأثرًا به بشكل كبير، تعلم منه الكثير من القيم والمبادئ، وتطبع على طباعه، وعند استشهاد ياسر، أصبح حمزة المسؤول عن البيت وعن الشغل، وكان يحمل على عاتقه مسؤوليات ضخمة، وكان الجميع يعتمد عليه."

وتختتم شقيقة الشهيد حمزة "هدى" حديثها قائلة: "كان إخوتي دائمًا مجتمعين في كثير من الأماكن، خاصة في الرحلات والزيارات التي كانت تجمعنا معًا، تلك اللحظات التي تجمعنا جميعًا كانت تشعرنا ببعض السكينة، لكن اليوم فقدنا جزءًا كبيرًا من تلك اللحظات الجميلة".

وتختم كلماتها قائلة: "رحم الله حمزة، ياسر، وأبي، فلا كلمات تكفي لوفائهم ولا لحبهم، ولا يمكننا أن نوفيهم حقهم مهما تحدثنا عنهم".