الساعة 00:00 م
الأربعاء 16 ابريل 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.86 جنيه إسترليني
5.19 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
4.15 يورو
3.68 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

"نتنياهو" والمفاوضات بشأن حرب غزة.. "لعبة تضييع الوقت"

ضحكة في وجه الحرب.. صانعو المحتوى في غزة يروّضون أوجاعهم بالفكاهة

ستة نعوش.. وقلب أبٍ لا يتّسع للفقد.. رصد تفاعل مؤثر عبر مواقع التواصل الاجتماعي

الصحة لـ "سند": أي استهداف آخر للمنظومة الصحية بغزة يعني حكمًا بالإعدام على المصابين

بالفيديو صراع الفقد والمرض.. حكاية آمال الشافعي مع استشهاد أبنائها ونهش السرطان لجسدها

حجم الخط
النازحة أم عدنان الشافعي من شمال قطاع غزة
غزة_ هداية عصمت حسنين_ وكالة سند للأنباء

بتجاعيد تروي خطوط وجهها حكاية قهر وصبر بآن واحد، ودموع يغلبها الأسى والرضى بالوقت نفسه، ودعوات لرب السماء بالجبر والثبات من صميم لوعة قلب فقد فلذات كبده شهداء في ظل دوامة الحصار والنزوح من الموت وإليه، ووسط اقتيات المرض على ما تبقى من روح ولا دواء تجده يخفف آلام السرطان الذي يهاجمها، يختصر المشهد حكاية المسنة آمال أنور الشافعي، من شمال قطاع غزة المحاصر.

معاناة مركبة لم تتوقف بعد، ومع كل يوم تمتد، في ظل الإبادة المتواصلة التي ليس لها حد، تعيش فصولها المسنة "الشافعي"، أم الشهداء، والمصابة بالسرطان، ترويها لـ "وكالة سند للأنباء"، وتبدأ تفاصيلها بالحديث عن محطة إجبار الاحتلال على النزوح من شمال القطاع المحاصر لمدينة غزة، وحكايتها في فقد أبنائها الـ 3 واحدا تلو الآخر، واعتقال الرابع وهو آخرهم، وكيف باتت في وحشة دون كلمة "أمي" تؤنسها، وتهوّن عليها صعوبات حياتها في ظل صراع الحرب والمرض، والحال الآن بلا أمان، ولا دواء، ولا سند تتكئ عليه.

نزوح من الموت وإليه..

لم تبرح "الشافعي" مكانها من شمال القطاع المحاصر إلا قسرا _كحال الغزيين جميعا_، ولم تنزح سوى بإجبار الاحتلال الإسرائيلي، في أعقاب اقتحامه مدرسة الإيواء التي كانت قد لجأت إليها إثر العدوان المتواصل، وتضعنا في مشهد النزوح حيث تحاصرهم دبابتان للاحتلال من ورائهم، ومثلهما من أمامهم، ومن كل الاتجاهات تحيطهم آليات إسرائيلية.

تسيرُ وهي تحرك عربة الأطفال التي تحتضن حفيدها الصغير، ومعها بقية أحفادها، وزوجات أبنائها، والخوف يخيم على المشهد كله... وتحاول الحاجة الإسراع بالمشي قدر ما تستطيع خوفا من هول المشهد الذي يبدو وكأنه "قيامة صغرى"، فيقع الطفل وهي فوقه، فتقترب الدبابة الإسرائيلية منها أكثر، وتخشى على روحها وحفيدها الموت من دهس آلية الاحتلال لهما.

"الشهداء على الأرض بالشوارع، وبكل مكان واتجاه، والكلاب حواليهم، ومن صعوبة الموقف الواحد بيخاف رجله تخبط على الشهداء، ومش عارفين وين نروح، ومش عارفة أعمل لهم أي إشي"، بعجزٍ تصف "الشافعي" رحلة النزوح من الموت وإليه، ثم يتحرّر الدمعُ من مكمنه في عينها، ليشهدَ مع كلماتها على حكاية أبنائها جميعا، ما بين فَقد وأسر.

فقدُ الأبناء.. جرح غائر لا يندمل

وبحشرجة بالصوت، وبتنهيدةٍ فيها خليط من الأحاسيس، تقول "الشافعي": "استشهد زياد ابني (30 عاما)، وهو رايح يجيب كيس طحين، كان بده يطعمينا...". بينما ابنها الثاني الذي كان يعمل في تأمين المساعدات وإيصال الطعام للمواطنين والنازحين، فقد استشهد هو الآخر ولم تحظَ حتى بوداعه، وإلقاء نظرتها الأخيرة عليه، ولم تهمس في أذنه بآخر كلمات قلب أم تودع نطفة روحها، ولا حتى أخذت وقتها للتأمل في عينيه وهو شهيد.

ويغلبها دمعها وهي تشرح الموقف "والله ما شفته، ولا ودعته، وحتى وجهه انحرمت من أني أكسب آخر نظرة عليه، جابوا لي إياه جثة متفحمة ومتكفِّن... حضنته وهو بالكفن وكله دم، صرت أمسح على وجهي من دمه".

أما شهيدها الثالث شفيق، فلم يرتضِ النزوح معهم من الشمال باتجاه مدينة غزة، فبقي هناك بالشمال المحاصر كونه كان دائم المساعدة للمصابين، ويهرع لإسعافهم ونقلهم إلى المستشفى حال القصف والاستهدافات التي لا تتوقف، فتروي كيف كان "أي حد مصاب ما تقدر الناس توصل له، كان يروح ابني شفيق ويوصل إله، ويسعفه، ويخاطر بحاله، عشان ينقذ الناس".

وكالصاعقة التي وقعت على قلبها، كان خبر استشهاد ابنها شفيق كما تعبّر لنا "الشافعي"، وتضيف "كان شفيق حامل هم الدنيا كلها معنا، فلما وصلنا خبر استشهاده كان الصاعقة إلنا كلنا، وحتى هو كمان ما شفته، ولا ودعته، وما بعرف دفنوه ولّا لأ هناك بالشمال". وما تلبث إلا أن تلتقط أنفاسها التي أنهكها الفقد، وخنقها البكاء، ثم تحكي بانكسار المرء الذي ما عاد عنده ما يسنده بحياته سوى خالقه "يا الله، يا الله، الصبر والثبات من عندك يا رب، الصبر والثبات يا رب".

ولم يكتفِ وجع الفقد بأن يتغذّى على قلب الأم الموجوعة باستشهاد أبنائها فحسب، فيتكالب عليها الجرح التي لا تندمل بأسر الاحتلال الإسرائيلي ابنها الأكبر والأخير المتبقي لها، وذلك خلال النزوح من شمال القطاع على الحاجز الإسرائيلي.

وتستطرد "الشافعي" في حديثها عن اعتقال ابنها "لما أخذوا (الاحتلال) ابني وضربوه، وتورمّ جسمه قدامي، تمنيت أموت ولا أشوف هالمشهد، إشي مش طبيعي.. قلت يا ليتني متت ولا شفت هادا الحال، وكل أولادي مش حوالي، وقلت يا رب ألحق أولادي".

جسد ينهشه المرض ولا أحد يرعاه

"والله ما عندي علاج، ولا مسكنات حتى، وما بأقدر أقوم ولا أقعد على كرسي إلا بتعب كبير وبيزيد" هكذا تضعنا المسنة "الشافعي" في صورة وضعها الصحي الذي يتدهور يوما عن يوم في ظل صعوبات الحياة بالحرب، ونقص الأدوية وانعدامها في أغلب الأحيان، وخاصة أنها مصابة بأورام سرطانية، بالإضافة إلى معاناتها الشديدة من آلام غضروفية.

ويتضاعف سوء وضعها الصحي الآن، وخاصة مع الشتاء القارس في الخيام، وفي ظل نقص الأغطية والفراش الذي يكفي ليقي من البرد، إذ تتآوى "الشافعي" في إحدى الخيام التي تتواجد في ملعب اليرموك بمدينة غزة، والتي تضم مئات النازحين من شمال القطاع للمحاصر الذين اضطروا لمغادرة مناطقهم، والتوجه قسرا نحو مدينة غزة.

"ومع هادا البرد الشديد، بأمشي من السقعة أعوج في الطريق بسبب الغضروف، لمّا بدي أروح أجيب (جالون مياه) لأحفادي" تتنهد "الشافعي" وهي توضح الواقع الصعب.

 يفاقم شعور الوحدة الألم والقهر الإنساني، وخاصة عندما يكون المرء مريضا، كما تؤكد "الشافعي"، وتكمل حديثها "أولادي، وخاصة شفيق هما اللي كانوا حامين همي في علاجاتي، هما اللي بيجيبوا لي علاجات السرطان، هلقيت أنا لحالي ما بعرف أمشي كل هاي الأمور...".

ولم تكن تأمل الحاجة "آمال الشافعي" بأكثر من حياة كريمة تحياها مع أبنائها، "أنا ما بدي غير الله يجمعني بأولادي، ويا رب عن قريب، وأنا والله ي راضية أنتَ اخترتهم والحمد لله" وبهذه الدعوات البسيطة تختم حديثها المعجون بحكايا الوجع والآلام، وسط مشاعر التسليم والثبات، فلم لم تطمع بأكثر من "لم الشمل" بأبنائها هناك في "الجنة"، وكأن الغزي بات يراها الأمان الوحيد، والملاذ الذين يطمح له في ظل هذه الإبادة الممتدة، لينال الراحة من كل هذا التعب.