بجسد صغير منهك، ووسط معاناة جسدية متفاقمة تنهش روحها البريئة الطفولية، ولا ترحمه، تعيش الطفلة مسك بلال المدهون (5 سنوات)، النازحة مع عائلتها في مخيم لايواء النازحين بمدينة دير البلح وسط قطاع غزة، في ظل ظروف حياتية قاهرة.
بعظم يكسو اللحم، لا العكس كما المعتاد عند البشر، وبشفاه بدأت تؤول إلى اللون الأزرق، فيما لم يعد القفص الصدري خفيف البروز بقدر ما هو بيِّن وجليّ للعين أكثر من الطبيعي في حالتها، وبوجه شاحب، ومفاصل متهتكة، هكذا ينطق جسدها المنهك ويتكلم عن نفسه، إذ الجسد مرآة لصحة المرء، والتي باتت مفقودة في حق الطفلة "المدهون".
وتتعاظم المعاناة يوما بعد يوم، وتجثو على كاهل "مسك"، التي تعاني من سوء التغذية الحاد، وضمور في الجسد، وشلل دماغي، وسط عدم توفر الأدوية اللازمة، ونقص الغذاء، والحال أبلغ من أن يُوصف حتى بمجرد كلمات.
وبلسان حال العاجز والمقهور، تحكي أم الطفلة "مسك" لـ "وكالة سند للأنباء": "كانت مسك أفضل من هيك بكتير قبل الحرب، لكن مع النزوح، وزياة صعوبات الحياة، ونقص الأكل والشرب، وحتى الأدوية، صارت صحة مسك كل يوم أصعب عن اللي قبله، ومن سيء لأسوأ".
وتتابع والدة الطفلة والحرقة في قلبها يكاد يشعلُ نارها الكون بأسره "بأحس بالقهر لما بشوف كيف كل يوم وزن بنتي بينقص، حتى صار تقريبا 4 كيلو ونصف.."، وإنها لمفارقة عجيبة يستشعرها المرء من وحي كلام أم الطفلة "المدهون" ابنة الأعوام الخمس، إذ كيف يصبح عمر المرء الذي يحياه منذ ولادته أقل حتى من وزنه الجسدي!
ومنذ عام وشهرين، وتعيش "مسك "أسوأ ظروفها الصحية، وتفتقر لأبسط احتياجاتها كطفلة مريضة وتعاني، وأهمها: المأكل والمشرب اللازم والكافي لها، ولا يقف الحال عند الجانب الصحي فحسب، بل حتى احتياجات الملبس والحياة الكريمة هي الأخرى شحيحة، وشبه منعدمة في كثير من الأحيان، وفقا لوالدة الطفلة.
وبمناشدةٍ يُرجى أن يسمع صداها، ويُرَ أثرها واقعا كي لا تفقد "مسك" بقية أيام عمرها، تنادي أم الطفلة بلغة الأمومة المكسورة أمام معاناة فلذة كبدها "بنتي شوية شوية وبتموت.. بنتي كل شوية حالتها بتسوء، بتمنى تتوفر كل احتياجاتها الطبيعية من الطعام والأدوية اللي تضمن لبنتي الحياة".
ويبدو شبح الخوف مسيطرا أمام أعين والدة الطفلة "المدهون"، ولا يكاد يفارقها هاجس قاهر "يمكن تموت بأي وقت، بخاف أصحى وما ألاقيها" هكذا تقول والعجز يكبل أيديها، ويضيق صدرها عن احتمال واقع طفلتها، مطالبة بضرورة النظر لحال صغيرتها، وعلاجها بأقرب فرصة ممكنة.
أطفال غزة.. سوء التغذية والأمراض
وليست الطفلة "مسك" هي وحدها التي تعاني انعدام الصحة الجسدية في ظل هذه الحرب، من سوء التغذية، وغيرها من الأمراض التي وجدت ملاذها في نهش أجساد الأطفال بالقطاع، في ظل تصاعد الكوارث الإنسانية والبيئية والصحية إثر الإبادة المتواصلة، ومن المعلوم أن مِن أكثر الذين يتأثرون بهذه الظروف هم الأطفال.
وسجّل قطاع غزة أعلى نسبة بالعالم من الأطفال الذين يعانون من الأمراض، فيما يعاني 90 ألف طفل غزي من سوء التغذية والأمراض والأوبئة، وفقا لما أرودته نائب الأمين العام للأمم المتحدة، أمينة محمد، مطلع الشهر الجاري.
وفي الوقت ذاته، سبق أن أكد الناطق باسم منظمة الأمم المتحدة للطفولة "يونيسف" بفلسطين، كاظم أبو خلف، أن 30% من الأطفال بقطاع غزة يعانون سوء التغذية الحاد، مؤكدا أن 2500 طفل بالقطاع بحاجة لإجلاء طبي عاجل.
وفي وقت سابق، حذرت مسؤولة الاتصال في "يونيسف"بقطاع غزة، روزالينا بولين، من زيادة أعداد الأطفال الذين يعانون سوء التغذية الحاد بالقطاع، مشددة على أن الوضع الإنساني بغزة "فظيع للغاية".
وتُواصل قوات الاحتلال الإسرائيلي لليوم الـ 440 على التوالي، حربها العدوانية وجريمة الإبادة الجماعية ضد المدنيين والنازحين في مختلف أنحاء قطاع غزة؛ لا سيما شمال القطاع الذي يتعرض لتهجير قسري.
وارتفعت حصيلة العدوان العسكري الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة إلى 45 ألفًا و97 شهيدا، بالإضافة لـ 107 آلاف و244 مصابًا بجروح متفاوتة، منذ الـ 7 من أكتوبر 2023.