الساعة 00:00 م
الخميس 03 يوليو 2025
22° القدس
21° رام الله
21° الخليل
25° غزة
4.6 جنيه إسترليني
4.76 دينار أردني
0.07 جنيه مصري
3.98 يورو
3.37 دولار أمريكي
4

الأكثر رواجا Trending

‏على حافة الموت.. "بتول" طالبة التوجيهي تفرّقها شظية إسرائيلية عن حلمها

مليون نازح محشورون في مساحة ضيّقة بغزة.. و51 أمر إخلاء منذ استئناف الحرب

ترجمة خاصة.. الغارديان تكشف تفاصيل مجزرة الاحتلال بقصف مقهى "الباقة" في غزة

حجم الخط
الباقة2.jpg
غزة- وكالة سند للأنباء (ترجمة خاصة)

كشفت أدلة ميدانية أن قنبلة ثقيلة تزن 230 كيلوغراماً (500 رطل)، من طراز MK-82 أميركية الصنع، استُخدمت في غارة جوية استهدفت مقهى مكتظاً بالمدنيين على شاطئ غزة يوم الإثنين، ما أسفر عن قتل عشرات الفلسطينيين، بينهم أطفال ونساء، وإصابة آخرين بجروح خطيرة.

وبحسب صور وفيديوهات حصلت عليها صحيفة "الغارديان" البريطانية، واستناداً إلى تحليلات خبراء في الذخائر، فإن حجم الحفرة في موقع الغارة وشظايا القنبلة التي تم انتشالها من الأنقاض تؤكد أن الهجوم نُفذ باستخدام قنبلة MK-82 شديدة التفجير، وهي ذخيرة تُحدث موجة انفجار هائلة وتتسبب في شظايا تنتشر على نطاق واسع، ما يجعل استخدامها في مناطق مدنية كثيفة أمراً بالغ الخطورة.

ويشير خبراء في القانون الدولي الإنساني إلى أن استخدام مثل هذه الذخيرة في موقع مدني مزدحم يعد انتهاكًا واضحًا لمبدأ التناسب في النزاعات المسلحة، وقد يشكل جريمة حرب وفقًا لاتفاقيات جنيف.

مجزرة في مقهى عائلي

الهجوم استهدف مقهى "البقعة"، الواقع على شاطئ البحر في مدينة غزة. كان هذا المقهى أحد الأماكن القليلة المتبقية التي يلجأ إليها الغزيون في ظل الحرب للقليل من الترفيه، خاصة الأطفال والعائلات. المقهى مؤلف من طابقين، أحدهما علوي مكشوف وآخر أرضي مزود بنوافذ تطل على البحر.

وقد أودت الغارة بحياة ما لا يقل عن 24 مدنياً، فيما أفادت مصادر طبية بأن عدد الضحايا قد يتجاوز 36. ومن بين الضحايا طفل في الرابعة من عمره، وربة منزل تبلغ من العمر 35 عامًا، ومخرج سينمائي وفنان معروفان. أما المصابون، فبينهم فتاة تبلغ من العمر 12 عامًا، وفتى يبلغ 14 عامًا.

والمقهى لم يكن ضمن المناطق التي شملتها أوامر الإخلاء المعلنة، كما لم تكن المنطقة البحرية المحيطة به تشهد أي نشاط عسكري في وقت الغارة.

تشير هذه المعطيات إلى أن الهجوم وقع في وقت كان فيه المكان يعج بالمدنيين الباحثين عن بعض الحياة وسط الرماد.

أسئلة قانونية خطيرة

يرى جيري سيمبسون، الباحث البارز في منظمة هيومن رايتس ووتش، أن استهداف مقهى مزدحم بقنبلة من هذا النوع "يعني أن القاتل كان يعلم مسبقًا أن النتيجة ستكون عشرات الضحايا المدنيين، ما يجعل الهجوم غير قانوني، بل وجريمة حرب تستوجب التحقيق الدولي".

وفي السياق ذاته، يقول الدكتور أندرو فورد، أستاذ مساعد في قانون حقوق الإنسان بجامعة مدينة دبلن، إن استخدام قنبلة ثقيلة في منطقة مدنية مكتظة، حتى مع مزاعم الاستهداف الدقيق، يُنتج بالضرورة ضررًا غير متناسب، وينتهك جوهر اتفاقيات جنيف التي تنص على حماية المدنيين أثناء النزاعات المسلحة.

أما مارك شاك، أستاذ القانون الدولي بجامعة كوبنهاغن، فيشير إلى أن هذا النوع من الذخائر لا يُستخدم عادةً إلا ضد أهداف ذات أهمية بالغة وحيوية في ميدان المعركة.

وأضاف: "إذا كان عدد الضحايا المدنيين 30 أو أكثر، فمن غير المعقول تبرير الضربة دون أدلة على وجود هدف عسكري فائق الأهمية".

انهيار متواصل للبنية المدنية

تأتي هذه الغارة في وقت تتدهور فيه أوضاع سكان غزة بسرعة كارثية. إذ يعيش أكثر من 2.3 مليون فلسطيني في ظل تهديد دائم بالموت جوعًا أو بالقصف، بينما تستمر عمليات القصف اليومي وتضييق الخناق على الإغاثة، وسط غياب كامل للضمانات الإنسانية.

مقهى "البقعة" كان واحدًا من الأماكن القليلة المتبقية التي تستقطب السكان، خصوصاً من لديهم بعض المدخرات أو مصادر دخل ضئيلة، وسط حالة انهيار شبه كامل في شبكة الإمدادات والخدمات.

والقصف الإسرائيلي لم يدمر فقط مبنى المقهى، بل بث رسالة رعب إضافية مفادها: لا مكان آمن حتى في المرافق المدنية غير المرتبطة بالمقاومة.

الصور الميدانية التي وثقتها "الغارديان" تظهر حفرة هائلة في موقع الغارة، فيما تنتشر حولها أشلاء وأدوات مدمرة كانت تُستخدم في المقهى. شظايا القنبلة واضحة، وقد حدد خبراء الذخائر هويتها، مرجحين أنها إمّا قنبلة من نوع MK-82 أو النسخة الإسرائيلية المعدّلة منها.

المطالبة بتحقيقات دولية

دعت منظمات حقوقية ومراكز قانونية دولية إلى فتح تحقيق فوري ومستقل في الحادثة، وتحديد المسؤوليات عن استخدام هذه الذخائر في أماكن مدنية.

وقال تريفور بول، خبير سابق في الذخائر بالجيش الأميركي، إن وجود وحدة توجيه من نوع "جيه دام" مع بطارية حرارية يشير إلى استخدام قنبلة موجّهة عالية الدقة، لكن حجم الضرر والضحايا يُظهر أن الضربة لم تكن متناسبة، أو أنها استهدفت دون الأخذ بالاعتبار الكثافة السكانية في الموقع.

من جهته، طالب مركز العدالة الدولية في لاهاي بإدراج هذه الغارة ضمن ملف التحقيقات المتعلقة بجرائم الحرب في غزة، معتبرًا أن الاستهداف المتعمد أو اللامبالي لحياة المدنيين بات سياسة منهجية في العدوان على القطاع.

مأساة إنسانية لا تنتهي

مجزرة "مقهى البقعة" ليست الأولى، لكنها تُظهر مرة أخرى نمطًا ثابتًا من الهجمات التي لا تفرّق بين مدني ومقاتل، وتعكس ازدراءً تامًا لأبسط قواعد القانون الدولي.

 ومع استمرار الحصار ومنع المساعدات، وغياب المساءلة الدولية، تبدو غزة وكأنها ساحة تجريب للدمار بلا محاسبة.

وما حدث في المقهى ليس مجرد "حادث عرضي" أو "نتيجة ثانوية للحرب"، بل هو جريمة موثقة بالأدلة والشهادات والصور، تستدعي تحركًا دوليًا عاجلاً لوقف آلة القتل، وإنهاء سياسة الإفلات من العقاب.

وإلى أن يتحقق ذلك، سيبقى أطفال غزة ونساؤها وشيوخها عرضة لقنابل الحقد، ومقاهيها وحدائقها ومخابزها أهدافًا مشروعة في قاموس الحرب الذي بات لا يعترف بشيء سوى الحديد والنار.