أبرز موقع Mondoweiss الإخباري العالمي، مرور أكثر من أسبوع منذ أن اعتقلت قوات الاحتلال الإسرائيلي الدكتور حسام أبو صفية، مدير مستشفى كمال عدوان، في وقت تشير التقارير إلى أنه محتجز داخل منشأة تعذيب سيئة السمعة، لكن المسؤولين الإسرائيليين لم يؤكدوا مكان احتجازه.
وقدم الموقع صورة للحظة اعتقال أبو صفية حيث "يبرز معطفه الأبيض في تناقض صارخ مع الرماد والأنقاض المحيطة بالمستشفى الذي كان يقاتل بلا كلل للدفاع عنه خلال الأشهر القليلة الماضية. تقف دبابتان ضخمتان، مدافعهما موجهة نحوه، على أهبة الاستعداد لإطلاق النار. ينادي صوت من الدبابة، ينادي الاسم الذي أصبح الآن رمزًا للصمود والبطولة والمأساة في غزة: الدكتور حسام أبو صفية".
وهذا هو المشهد الذي حدث في 27 ديسمبر، عندما قام الجيش الإسرائيلي بتحركه الأخير نحو مستشفى كمال عدوان، الذي كان يحاصره ويهاجمه منذ أسابيع كجزء من حملة التطهير العرقي المستمرة في شمال غزة.
وبعد أن استدعاه الجنود، خرج الدكتور أبو صفية وسط الأنقاض باتجاه الدبابات، في صورة انتشرت على نطاق واسع، يفترض أنها التقطت آخر لحظة شوهد فيها قبل اختطافه من قبل جيش الاحتلال.
ويقول شهود عيان في المستشفى إن الدكتور أبو صفية، على الرغم من الخطر الداهم الذي كان ينتظره، لم يتردد في الخروج إلى الجيش -مرة أخرى، ووضع نفسه في الصفوف الأمامية لحماية المستشفى والمرضى والموظفين في الداخل.
ونشر الجيش الإسرائيلي لاحقًا تسجيلات توثق لحظة اقتراب الدكتور صفية من الدبابة. وعبر مكبر الصوت من داخل الدبابة، يأمر الجندي الطبيب برفع سترته للتفتيش. ثم يفتح الجنود له الباب؛ فيخفض رأسه للدخول.
اختطاف ومصير مجهول
أظهرت اللقطات التي نشرتها وسائل إعلام إسرائيلية الدكتور أبو صفية وهو يغادر الدبابة عائداً إلى المستشفى، مع سلسلة من اللقطات التي تزعم أنها تُظهر إجلاء المرضى والموظفين وخدمات الطوارئ "بأمان" من المستشفى.
لكن ما لم تظهره لقطات الجيش الإسرائيلي هو أنه بمجرد قطع الكاميرات، اختطف الجنود الدكتور أبو صفية وعدد من المرضى والصحفيين وموظفي المستشفى داخل مستشفى كمال عدوان، وضربوهم وتعرضوا للإساءة.
وقد أجرى الموقع مقابلات مع شهود كانوا في المستشفى في تلك اللحظات، قالوا إنه بمجرد عودة الدكتور أبو صفية من الدبابة، أبلغ الموجودين في الداخل، بناء على تعليمات الجنود، بضرورة إخلاء المستشفى.
ثم بدأت مداهمة الجيش، وبدأ الجنود في تقسيم الرجال والنساء والأطباء والمرضى، وإجبار المجموعات على التفرق إلى مناطق مختلفة حول المستشفى، قبل اعتقال الناس.
"فور نزولنا حاصر الجيش المستشفى واستقبلنا [وقسمنا إلى مجموعات]. وقاموا على الفور بخلع ملابسنا واقتادونا [مجموعتي] إلى مركز القيادة والسيطرة في منطقة الفاخورة بجباليا وحققوا معنا. ويضم المركز غرف تحقيق وغرف تعذيب"، هذا ما قاله محمد الشريف، الصحافي الذي احتجز لمدة 11 ساعة داخل مستشفى كمال عدوان وأفرج عنه لاحقا إلى مدينة غزة.
وأضاف "تم تجريدنا من ملابسنا وكان الجو شديد البرودة، وكانوا [الجنود] يسبوننا ويهددوننا ويذلوننا، ثم فحص الجيش الجميع، وتم اعتقال البعض، وتم اعتقال المرضى والمدنيين والأطباء، بالإضافة إلى تعذيب الطاقم الطبي والمصابين".
وكان من بين هؤلاء الأشخاص الدكتور حسام أبو صفية. ورغم أن الصورة التي انتشرت على نطاق واسع لم تكن، على عكس ما تم تداوله في السابق، هي اللحظة الأخيرة التي شوهد فيها الدكتور أبو صفية حياً، إلا أن آخر مرة شوهد فيها لاحقاً كان أثناء نقله من المستشفى، بعد أن تعرض للضرب على يد جنود الاحتلال، بحسب شهود عيان.
وقال الشريف "لا أحد يعلم مصير الدكتور حسام أبو صفية، ولا وزارة الصحة ولا عائلة الطبيب ولا منظمات حقوق الإنسان لديها أي معلومات عنه بعد خروجنا من المستشفى، وما زال مصيره مجهولا، وأنا على تواصل مع عائلته، وليس لديهم أي معلومات حتى الآن".
هل أبو صفية محتجز في معسكر تعذيب سيئ السمعة؟
أدى عدم معرفة مكان تواجد الدكتور أبو صفية إلى إثارة تكهنات واسعة النطاق حول مصيره. ويخشى كثيرون أن يتعرض لانتهاكات شديدة من قبل الجيش الإسرائيلي بسبب مكانته البارزة، ورفضه المتكرر في الأشهر السابقة أثناء الغارات الإسرائيلية ترك مرضاه وموظفيه خلفه.
وفي مقابلة صحفية قبل أيام قليلة من اعتقاله، قال الدكتور أبو صفية بتحدٍ، عندما سُئل عن الهجمات التي يتعرض لها مستشفى كمال عدوان: "سنغادر عندما يغادر آخر فلسطيني شمال قطاع غزة. سنبقى ونخدم أولئك الموجودين هنا. هذه مهمة إنسانية، ورسالتنا للعالم هي أننا نقدم الرعاية الإنسانية ولا ينبغي عرقلتنا. لقد التزمنا بتوفير الرعاية للمحتاجين، وسنفي بقسمنا كأطباء هنا في مستشفى كمال عدوان".
وفي أعقاب اختطاف الدكتور أبو صفية، بدأت التقارير تنتشر تتكهن بأنه محتجز في مركز التعذيب الإسرائيلي سيئ السمعة، سدي تيمان - وهو موقع لحالات موثقة من التعذيب والاغتصاب وقتل المعتقلين الفلسطينيين.
وتقول شهادات المعتقلين السابقين الذين أفرج عنهم مؤخراً من سدي تيمان، ونقلتها شبكة CNN، إنهم سمعوا اسم الدكتور حسام أبو صفية يُنادى داخل السجن، وأنهم سمعوا من أشخاص رأوا الطبيب أنه تعرض لتعذيب تسبب في نزول الدم من عينيه.
أعلنت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في (إسرائيل) أنها تقدمت بعريضة إلى المحكمة العليا الإسرائيلية يوم الخميس، مطالبة بالكشف الفوري عن مكان الدكتور أبو صفية.
وفي الثاني من يناير/كانون الثاني، قالت منظمة أطباء من أجل حقوق الإنسان في (إسرائيل) إن المسؤول العسكري أبلغ المجموعة "أن المراجعة لم تجد أي مؤشر على اعتقال أو احتجاز الفرد المعني"، وهو ادعاء يتناقض بشكل مباشر مع شهادات شهود العيان من المستشفى.
لكن بعد يوم واحد، وسط ضغوط متزايدة من جماعات حقوق الإنسان، أكد الجيش أنه يحتجز الدكتور أبو صفية، وأنه "يخضع للتحقيق حاليًا من قبل قوات الأمن الإسرائيلية".
ومضى الجيش في الزعم بأن الدكتور أبو صفية مشتبه به في كونه "إرهابيًا" و"يحمل رتبة" في حركة حماس. وقد استخدمت (إسرائيل) ادعاءات مماثلة لا أساس لها من الصحة ضد أطباء فلسطينيين آخرين من غزة لتبرير اعتقالهم وتعذيبهم.
وأصدرت عائلة أبو صفية بياناً أوضحت فيه أنها تلقت شهادات من معتقلين مفرج عنهم يؤكدون أنه محتجز في سجن سدي تيمان، وأنه تعرض لسوء المعاملة والإذلال، بما في ذلك إجباره على خلع ملابسه واستخدامه "كدرع بشري".
وقال البيان "منذ بداية الحرب على قطاع غزة بذل والدي جهودا جبارة لدعم النظام الصحي المتهالك وكان سندا وعوناً للمرضى وأهالي شمال غزة الذين واجهوا أصعب ظروف الحصار الخانق الذي استمر 84 يوماً، بما في ذلك القصف المتواصل والجوع والقهر والحرمان".
وتابع البيان "خلال هذه الفترة فقد والدنا ابنه الحبيب إبراهيم، وأصيب بجروح خطيرة، وما زال يعاني من آثارها حتى اليوم. ورغم ذلك، واصل والدنا أداء واجبه بكل إخلاص، وهو اليوم معتقل في سجن سدي تيمان الإسرائيلي المعروف بجرائمه ضد الأسرى الفلسطينيين".
وناشدت العائلة المنظمات الإنسانية الدولية ومنظمة الصحة العالمية بالتدخل الفوري لحماية الطبيب والحفاظ على حياته قبل فوات الأوان.
وقالت العائلة: "نطالب كافة الأطباء في العالم بالتحرك العاجل والفوري للضغط على سلطات الاحتلال للإفراج عن والدي الطبيب حسام أبو صفية قبل أن يلقى مصير العديد من الأطباء والعاملين في المجال الطبي الذين قتلوا تحت التعذيب أو نتيجة الإهمال الطبي المتعمد، أو ما زالوا مفقودين حتى اللحظة".
اختطاف ممنهج للأطباء
كما أشارت العائلة، فإن اختطاف الدكتور أبو صفية ألقى الضوء على النمط الإسرائيلي في مداهمة المستشفيات في غزة، واختطاف الأطباء والعاملين في المستشفيات، وتعذيبهم وقتلهم في السجن.
من أشهر هذه الحالات حالة الطبيب الفلسطيني عدنان البرش ، رئيس قسم جراحة العظام في مستشفى الشفاء بمدينة غزة. وبحسب التقارير تعرض البرش لتعذيب شديد داخل مركز احتجاز سدي تيمان، قبل نقله إلى سجن آخر حيث ترك ليموت، مجردًا من ملابسه، في ساحة السجن.
وحتى سبتمبر/أيلول 2024، أفاد خبراء الأمم المتحدة أنه تم تأكيد وفاة ما لا يقل عن ثلاثة أطباء فلسطينيين من غزة داخل السجون الإسرائيلية.
وبحسب الشهادات التي قدمتها منظمة هيومن رايتس ووتش من المعتقلين الذين اختطفوا خلال الغارات الإسرائيلية على المستشفيات، فقد تم تجريد المعتقلين من ملابسهم وضربهم وتعصيب أعينهم وتقييدهم بالأصفاد لعدة أسابيع متتالية.
كما تعرض المعتقلون للضغوط للاعتراف بأنهم أعضاء في حركة حماس، بما في ذلك تهديد الضباط الإسرائيليين بالاحتجاز إلى أجل غير مسمى والاغتصاب وقتل عائلاتهم في غزة إذا لم يعترفوا.