في خيمة على شط البحر، حيث يلتقي الصقيع مع أحلام المكلومين، عاشت إحدى المواطنات مع ابنتها ذات الاحتياجات الخاصة، تواجه معاناة قاسية لا تقوى على تحملها، في ظل البرد القارس، الذي لا يرحم أحدًا، لم تجد العائلة ما يحميها من قسوته، لا أغطية كافية ولا وسيلة تدفئة.
وبينما كانت ابنتها بحاجة لعلاج مستمر، وكان وضعها يتطلب زراعة أنابيب نطق وسمع، كانت الأم تحمل على عاتقها همّين: همّ البرد القاتل، وهمّ طفلها الذي يتطلب رعاية خاصة.
معاناة قد لا تكون فريدة، لكنها بلا شك شديدة، تشترك فيها العديد من العائلات التي تجد نفسها في نفس المعاناة، حيث يلتقي الوجع في أرواحهم جميعًا، في مكان واحد، وفي زمان واحد.
"أنا برتعش من البرد"..
قال أحد المواطنين النازحين في دير البلح وسط قطاع غزة والذي يعيش في خيمة مهترئة: "إحنا عايشين صعوبة كبيرة في تأمين الأغطية والملابس، لأنه ما فيش عندنا أي شيء نتدفى فيه، إحنا في العراء، أنا وسبع أطفال، مثلنا مثل عشرات الآلاف من الناس اللي عايشين بنفس الوضع، ما فيش غير شوية أغطية بسيطة، ولا فرشة ولا مخدة، بس أولادنا معانا".
وأضاف في مقابلةٍ لـ "وكالة سند للأنباء"، : "حتى اللبس إللي نلبسه مش كافي عشان يحمينا من البرد اللي مش قادرين عليه، أنا حاليا من شدة البرد، برتعش ومش قادر أتحمل، حاسس إنني راح أموت من البرد."
وتابع بنبرةٍ قاهرة، "أنا داخلي بتعذب، وما فيّا أتحمل الوضع اللي إحنا فيه، بدي أطلب من الله الرحمة، لأنه البرد والأمطار والشدة اللي عايشين فيها كبيرة، وإحنا مش عارفين وين نروح ولا من مين نطلب المساعدة."
وختم حديثه قائلاً: "أنا بقول لكل الحكام في العالم، خصوصًا الحكام العرب: بكفي معاناة، بكفي عذاب، بكفي قسوة علينا".
القهر يجمع المواطنين على كلمةٍ واحدة، قالت نازحة أخرى في خيمة على شاطئ البحر، "عندي بنت من ذوي الاحتياجات الخاصة، وهي عانت معاناة كبيرة، خاصة في هالجو البارد، ما كان في عندها أغطية تكفي، وكانت بحاجة لعلاج مستمر، لأن حالتها كانت تتطلب زراعة أنابيب نطق وسمع."
وأضافت في مقابلةٍ لـ "وكالة سند للأنباء"، "المعاناة ما كانت سهلة، وأنا كمان عانيت بشكل كبير، خيمتي كانت موجودة على شط البحر، ومع الطقس القارص، ما كان في أي شيء يساعدنا نتدفى، ما كان في أغطية، وما كان في وسيلة للتدفئة، وكلنا كنا مغطين بالبرد، رغم أن وضع بنتي كان يتطلب اهتمام خاص".
وتعرضت الأراضي الفلسطينية، بما فيها قطاع غزة، الليلة الماضية إلى منخفض جوي هو الأشد منذ بدء موسم الشتاء الحالي، تخلله تساقط غزير للأمطار، ورياح عاصفة وصلت سرعتها إلى 100كم/ الساعة، وفق ما ذكرته الأرصاد الجوية الفلسطينية.
ووثقت مقاطع مصورة، اقتلاع الرياح العاصفة عددًا من خيام أهالي قطاع غزة، بينما غرق آخر في ظلمات الليل وتحت زخات المطر.
وتسبب الدمار الذي خلفته حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة في البنية التحتية وشبكات الصرف الصحي، والطرقات، بتجمع المياه وتكون السيول والبِرَك في معظم المناطق.
ووفق الإحصاءات الحكومية، فقد تعرضت 161 ألفًا و600 وحدة سكنية في قطاع غزة، للهدم الكلي بفعل القصف الإسرائيلي، إلى جانب 82 ألفا أخرى أصبحت غير صالحة للسكن، و194 ألفًا تضررت بشكل جزئي بدرجات متفاوتة.
ويترتب على تلك الإحصائية بقاء عشرات آلاف العائلات بلا مأوى، سوى بعضاً من قُماش مُهترئ تنقل به أصحابه في رحلة النزوح، والقليل من "النايلون"، الذي لا يقي الصغار ولا الكبار من عواصف الشتاء.