في ساحة المنزل التي كانت تعج بالضحكات و"لمّة" العائلة، تجلس السيدة أم محمد حنني وحيدة تنظر للأطراف، لبوابة المنزل الكبيرة التي اشتاقت أن يطلّ منها أحد أبنائها الأربعة وحفيدها خامسهم، بعد أن غيبتهم سجون الاحتلال، وحرمتها "جمعتهم" في منزلها طيلة شهر رمضان والعيد.
"بقي يومان وينتهي رمضان".. بهذه الكلمات تُحدِّث "أم محمد" نفسها وبناتها، وكأنها تشعر بثقل لا يتسع قلبها في غيابهم عن مائدة الإفطار.
فمنذ نحو عامين، لم تجتمع عائلة الشيخ الراحل حسام أبو حيط "حنني" من بيت فوريك شرق نابلس شمال الضفة الغربية على مائدة واحدة، بعد أن بدأ مسلسل اعتقال أبنائها عقب وفاة والدهم.
وتقول إكرام حنني: "منذ رحيل والدي قبل 3 سنوات لم نعرف طعم الفرح، ولم يمر علينا عيد ونحن مكتملين، حيث اعتقل شقيقي جمال، تلاه اعتقال أشقائي صهيب ومحمد وهمّام، و"محمد" ابن شقيقتي الذي لم يتجاوز 18 عامًا".
وتردف "حنني" في حديثها لـ " وكالة سند للأنباء": "بات منزلنا الكبير خاليًا، تجلس أمي رفقة زوجات أخوتي اللواتي يعانين من أسئلة أطفالهن المتكررة عن آبائهم واشتياقهم لهم دون أن يملكن جوابًا يخفف وطأة الغياب".
واعتقلت قوات الاحتلال جمال حنني قبل 19 شهرًا، وتم تحويله للاعتقال الإداري الذي يتم تجديده باستمرار، تلاه اعتقال شقيقه المحامي صهيب في 9 سبتمبر/ أيلول 2024 بعد توقيفه على حاجز بيت فوريك، علمًا أنه أب لـ3 أطفال.
وفي 29 نوفمبر، اقتحمت قوات الاحتلال منزل شقيقهم الثالث محمد، واعتقلته وصادرت مركبته وعاثت خرابًا بالمنزل، وسط ترويع لطفليه وزوجته، تزامنًا مع اعتقال محمد ابن شقيقته.
وفي 21 يناير/ كانون الثاني الماضي، اقتحمت قوات الاحتلال الإسرائيلي منزل العائلة مجددًا واعتقلت الشقيق الرابع همّام، الذي يعمل ممرضًا، وهو والد لطفلين، وعاثت خرابًا وتدميرًا فيه، وسرقت مبلغًا من المال.
بحزن لا يفارق وجهها، تحدثنا "أم محمد": "البيت فاضي، اقتحموا منزلنا ومنازل أبنائي، لم يتركوا شيئا على حاله، حتى ألبوم الصور الخاص بزوجي المرحوم خلال إبعاده لمرج الزهور سرقوه ولم يتركوا لنا ذكرى منه".
وكان الشيخ الراحل حسام أبو حيط "حنني" والد الأسرى الأربعة، أبرز قادة حركة حماس في بيت فوريك ومن أكبر وجهائها، وهو أحد مبعدي مرج الزهور.
غياب السند ..
"غياب الأخ والسند لا يمر دون ألم، فكيف عندما يغيب الأخوة جميعهم، خاصة في رمضان والعيد"، تقول شقيقتهم "إكرام"، وتضيف: "نحن 4 شقيقات وكلنا متزوجات، وأمي كانت تعيش باستقرار مع اخوتي في المنزل، لكن الآن كل شيء اختلف، والدتي الان تفتقد للاستقرار، فالمنزل بات خاليًا، وغاب أخوتي كلهم من حولها".
أما عن والدتها التي تفتقد أبناءها في كل موقف، تروي لنا: "حتى عندما تمرض ترفض والدتي الذهاب للعلاج، وتقول "مين بدو ياخدني"، لأنه اخوتي كانوا من يصحبوها في خروجها للعلاج أو أي مكان آخر".
وتفتقد الشقيقات الأربع إخوتهن الأسرى اللذين لن يكونوا مع زوّار العيد لهذا العام، فقد غابوا جميعا، وحضر ألم بعدهم.
وعن أحوالهم داخل الأسر تحدثنا، رغم أن المعلومات التي تصلنا شحيحة جدًا، لكن وصلتنا أخبار تفيد بأن صهيب وهمّام أصيبا بمرض السكابيوس، كما علمنا أن صهيب أصيب بمرض ضغط الدم، وفقد 40 كيلو من وزنه".
حلم مؤجل
في حين، تحدّثنا شقيقتها الكبرى آلاء، عن اعتقال ابنها البكر "محمد" رفقة أخواله الأربعة، وتقول: "اعتقلوا ابني واعتدوا عليه بالضرب المبرح أمامنا، اقتحموا المنزل وكنا نائمين، وأيقظوه بالضرب بأسلحتهم على رأسه ووجهه، وكان الدم يسيل من وجهه عندما أخرجوه من المنزل".
وتفتقد آلاء ابنها محمد، وهو الطالب في سنته الأولى بكلية الرياضة، وتحدثنا: "محمد شاب رياضي منذ صغره، أنهى الثانوية العامة والتحق بكلية الرياضة ليواصل تحقيق حلمه وشغفه بالرياضة، لكن الاحتلال حرمه من إكمال الفصل الأول له بالجامعة واعتقله".
ويقبع الأشقاء صهيب ومحمد وهمام وابن شقيقتهم محمد في سجن مجدو، لكنهم محرومون من رؤية بعضهم البعض، حيث يقبع كل واحد منهم في قسم مختلف، بينما يمضي شقيقهم الرابع جمال في سجن عوفر.
وتصاعدت حدة الاعتقالات بالضفة الغربية المحتلة، منذ اندلاع حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، ترافقها عادة اعتداءات وحشية على المواطنين وعائلاتهم وممتلكاتهم.
وبلغ عدد الأسرى في سجون الاحتلال حتى بداية شهر آذار/ مارس 2025، أكثر من 9500 وهذا المعطى لا يشمل معتقلي غزة كافة في المسكرات التابعة لجيش الاحتلال.