حذرت أنقرة، مراراً من الاحتلال الإسرائيلي لمناطق واسعة في جنوب غرب سوريا والهادفة بحسب التصريحات التركية للتوسع في المنطقة، أو تنفيذ ما يسمى بـ"مشروع ممر داوود".
وبحسب خبراء فإن هذا مشروع إذا كانت "تل أبيب" جادة في تنفيذه، فمن المفترض أن يضع "إسرائيل" في مواجهة استراتيجية مع دول عديدة في المنطقة، وخصوصاً مع الدول العربية، ومع تركيا، بعد إقدامها على توجيه ضربة للمشروع الإيراني في سوريا ولبنان.
وترفض "أنقرة" هذا المخطط بشكل قاطع، وصرحت الخارجية التركية في مناسبات عديدة بانها تؤمن أن استقرار الأمن داخل سوريا لن يتحقق إلا من خلال وجود دولة سورية قوية، "لذا، فإننا نسعى إلى دمج جميع الجماعات المسلحة ضمن مؤسسات الدولة تحت سلطة دمشق".
وهو ما تحاول عرقلته إسرائيل تبذل جهود مضنية لذلك مع الأكراد والدروز لخلق مناطق حكم ذاتي في سوريا، حيث تأتي المواقف الإسرائيلية التي تتحدث عن حماية الدروز أو الأكراد، بشكل يسهم في ضرب أي "وحدة وطنية سورية".
يحمل مشروع "ممر داود" جملة أهداف إستراتيجية تسعى لها إسرائيل، أبرزها إعادة تشكيل سوريا بما يخدم مصالحها، عبر تفتيتها وإضعاف السلطة المركزية في دمشق، فالمشروع هو شريط جغرافي ضيق يمتد عبر قلب المشرق يبدأ من مرتفعات الجولان المحتلة في الجنوب الغربي ويمر بالمحافظات السورية الجنوبية المحاذية لإسرائيل والأردن، وهي القنيطرة ودرعا، ثم يتسع شرقًا عبر السويداء في جبل حوران ويدخل البادية السورية باتجاه معبر التنف الإستراتيجي على الحدود السورية العراقية الأردنية.
وتضع إسرائيل عينها على دمشق، يتناقل بالتواتر كلام منسوب لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يقول فيه: "نتلاقى في دمشق"، ومن غير المعروف إذا ما كان يقصد "نتنياهو" الكلام بحرفيته، بمعنى أن التوغل الإسرائيلي في الجنوب السوري سيصل إلى العاصمة وحدودها، أم أنه يقصد النتيجة السياسية للتوغل العسكري الإسرائيلي في جنوب سوريا.
ويشير خبراء إلى أن "نتنياهو" عملياً نجح حتى الآن في كسر كل موازين القوى على مستوى المنطقة، وينطلق من خلفية أن "إسرائيل" ذات مساحة صغيرة لا بد من توسيعها، وهي الكلمة المفتاحية التي قالها الرئيس الأميركي دونالد ترامب، في خطابه خلال لقاء "نتنياهو" هذه الـ"إسرائيل الصغيرة"، والتي تتركز المساعي الاميركية لتكبيرها، وليس لذلك المشروع إلا طريقان، إما توسيع مساحتها الجغرافية من خلال تهجير الفلسطينيين من غزة والضفة، أو التوغل أكثر في سوريا ولبنان وضم مساحات جديدة لها، بحيث تُصبح الدول المجاورة لها كيانات صغيرة، فتصبح "إسرائيل" هي الدول الأكبر فيما بينها.
ويؤكد خبراء على أي نجاح لهذا المشروع الإسرائيلي لن ينحصر تأثيره داخل سوريا، بل سيطال دولاً عديدة، خصوصاً أن الموضوع الكردي يشكل تحدياً استراتيجياً لتركيا، التي سارعت قبل سنوات للدخول إلى شمال سوريا وقطع أي اتصال بين المناطق الكردية لمنع إقامة كيان كردي مستقل بحكم ذاتي، وهنا تسارع "إسرائيل" إلى التدخل، بالإضافة إلى تكثيف الضغط العسكري في جنوب سوريا وباتجاه دمشق، العاصمة التي تعتبر على علاقة قوية بتركيا، وكأن تل أبيب تقول لأنقرة إن المواجهة ضد الأكراد في شرق الفرات، ستقابلها مواجهة ضد الحكم في دمشق.