في مدينة الحرب كُل شيء أمامك مُغموس بالدماء، والبحث عن لقمة عيش بات كالبحث عن إبرةٍ في كومة قش، إذ أصبحت الحياة ثمناً يُغامَر فيه للحصول على لقمة لا تُسمن ولا تُغني من جوع.
فبينما دمر جيش الاحتلال الإسرائيلي المستشفيات، وتفشت الأمراض وأصبحت المساعدات أداة للابتزاز السياسي، تواصل "إسرائيل" استخدام التجويع كسلاح حرب على أهالي قطاع غزة، كما تقتل كل مَن يحاول الحصول على لقمة عيش.
عاد محمولاً على الأكتاف..
الفتى فايز أبو سمرة (15 عاماً) وحيد والديه على 4 فتيات، فلذة كبد أمه خرج تحت أزيز الرصاص والقصف؛ ليحضر كيساً من الدقيق لأخواته الأربع، لكنه لم يكن يعلم أن الثمن سيكون روحه!
في مشهد يُدمي القلب، سقط الأب مكلوماً على الأرض يبكي ابنه عجزاً وندماً وقلة حيلة، بينما اقتحمت المجاعة بيوت الغزيين ولم تترك منهم أحداً.
وأظهر مقطع فيديو تابعته "وكالة سند للأنباء"، مشهد الأب المكلوم وهو يحمل طفله إلى مثواه الأخير، إلى جناب بناته الأطفال يبكينَ شقيقهم بحرقة أمام صمت دولي مُخزٍ!
"فايز" ليس الحالة الوحيدة التي تدفع روحها ثمنًا لـ حفنة دقيق تسد رمق جوعهم، فما هي إلَا ساعات حتى عاشت عائلة "شمالي" المأساة نفسها، فقد خرج الابن يبحث عن الطحين فقصفته طائرات الغدر الإسرائيلية، ركض والده وشقيقه لإنقاذه فلحقوه واستـشهـدوا ثلاثتهم!
ولم تنتهِ مجازر الحصول على لقمة العيش أو تأمينها، فقد فُجعت 6 عائلات أمس الجمعة، بارتقاء 6 شهداء في قصف شنه طيران الاحتلال الإسرائيلي على مقر تكية تتبع لجمعية قوافل الخير في قطاع غزة.
وبحسب بيانات حكومية، فقد استهدف الاحتلال الإسرائيلي 26 تكية طعام و37 مركز مساعدات منذ بدء حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة، حتى نهاية مارس/ آذار الماضي.
وأمام سيناريو يتكرر، تُعيدنا هذه المأساة إلى مجزرة لقمة العيش، مجزرة الطحين بالقرب من دوار النابلسي في شارع الرشيد غرب مدينة غزة في 29 فبراير/ شباط 2024.
بينما كان يحاول أهالي مدينة غزة وشمالها الحصول على المساعدات الغذائية والطحين من الشاحنات التي دخلت عبر شارع الرشيد، إذ أطلق الاحتلال النار على المتجمعين ما أدى إلى استشهاد 112 مدنيًا فلسطينيًا وأصيب ما لا يقل عن 760 آخرين، قبل أن تسير دبابات الاحتلال على أجسادهم!
مجاعة تتفشى..
وفي خضم الإغلاق المستمر لمعابر قطاع غزة للشهر الثاني على التوالي، يجتاح شبح المجاعة قطاع غزة بقسوة، حيث يواجه 91% من سكانه أزمة غذائية خانقة، وفق بيان رسمي صادر عن وزارة الصحة.
ويعاني أهالي قطاع غزة من أزمة خانقة ونفاداً للمواد الغذائية والمياه، حيث أعلنت مخابز قطاع غزة توقفها عن العمل، في حين المجاعة تهدد حياة أكثر من مليونين وربع المليون إنسان يعيشون تحت وطأة القصف والمجازر وحرب الإبادة".
وأشارت وزارة الصحة في تصريحات تابعتها "وكالة سند للأنباء"، إلى أن 92% من الأطفال والمرضعات في غزة يعانون من نقص غذائي حاد نتيجة الحصار المستمر، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا على حياتهم ونموهم.
ورغم المناشدات الدولية، لا يزال الاحتلال الإسرائيلي يمنع دخول آلاف الشاحنات المحملة بالغذاء والدواء والمساعدات الإغاثية العاجلة، فيما تواصل حكومة الاحتلال انقلابها الدموي على اتفاق وقف إطلاق النار، وتمعن في عدوانها الوحشي وحربها المفتوحة.