ست ساعات فقط وربما أقل، هي الفارق بين صرخات ميلاد الفرح، وتلويحة الوداع الأخير، هذه غزة بوجعها الممتد، المتروكة وحدها تواجه جرائم الإبادة الجماعية، وهذا يحيى صبيح ابن المدينة أحد شهود الحقيقة، الذي وثق آلامها بعدسته، رُزق صباح اليوم الأربعاء بمولودته، وقبل أن تُكمل الـ 24 ساعة في دنيا عائلتها، قتله الاحتلال بصواريخه الغادرة.
الصحفي يحيى صبيح من غزة، استشهد عصر اليوم رفقة 31 آخرين، في المجزرة الدموية المزدوجة التي ارتكبها جيش الاحتلال في مطعم "التايلندي" والسوق الشعبي المجاور له، غرب مدينة غزة.
وبحسب شهود عيان، فإن طائرات الاحتلال إسرائيلية قصفت بشكلٍ متزامن المطعم والسوق المجاور له، وهي منطقة عادةً ما تشهد اكتظاظًا سكانيًا كبيرًا، مما أسفر عن استشهاد وجرح العشرات بينهم حالات خطيرة ما يعني أن عدد الشهداء مرشح للزيادة، وأظهرت المشاهد بشاعة المجزرة المرتكبة.
رحيل مؤلم..
يحيى الذي يعمل لصالح عدة وكالات محلية، نشر صباح اليوم على حسابه في "انستغرام" وهو يضم إلى صدره مولودته الجديدة معلنًا قدوم الفرح إلى دُنياه بمجيئها حيث كتب: "نورت دنيتنا أميرة صغيرة.. الحمدلله الذي أكرمنا بقدوم ابنتنا الغالية، جعلها من الذرية الصالحة وأقر بها أعيننا"
ستكبر "أميرته الصغيرة" التي حظيت بعناقٍ وحيد من والدها، على صورة يتيمة تجمعها به، والكثير من المشاعر والتخيلات الجميلة التي ستنسجها في ذاكرتها حين تسمع عن حنان أبيها الذي لم تحظَ به، لأنّ الاحتلال أراد حرمانها إياه.
وفي الصورة التي وثقت استشهاده، يظهر "يحيى" بذات الملابس التي التقط فيها صورته مع صغيرته صباحًا، حاملًا من رائحتها الكثير إلى حيث الخلود، بينما هي فلا كلمات تحيط شعورها حين تكبر وتعرف أنّ يُتمت يوم ميلادها.
الصحفي يحيى صبيح، أبٌ لطفلين براء وكنان وثالثتهما المولودة الجديدة، وعمل خلال شهور حرب الإبادة على نقل آلام ومعاناة الغزيين إلى العالم، وكان آخر ما وثقه تداعيات المجاعة على سكان قطاع غزة، ولجوء الأهالي للمعكرونة كبديل عن الطحين في صناعة الخبز.
وأثارت قصة رحيل الصحفي يحيى صبيح حزنًا واسعًا وسط رواد منصات التواصل الاجتماعي، الذين عبروا عن ذلك بكتابات وصور نشروها على مواقع التواصل.
الكاتب محمود جودة قال على صفحته في فيسبوك: " قتل الاحتلال الصحفي يحيى صبيح وما يزيد عن 25 ضحية قبل قليل بقصف مطعم في غزة، هذه الصورة كانت في صباح اليوم، يظهر فيها يحيى وطفلته التي ولدت صباحًا وربما لم تحمل اسمًا رسميًا بعد، يوم "عيد ميلادها" هو يوم تيتمها، وصورتها الأولى مع أبيها هي صورتها الأخيرة، كل شي للمولدة حصل في أول يوم: ميلاد، وفقد، ذكرى، نظرة أولى، خيالات منسية، حياة وموت كله حصل في نصف يوم، لو كانت هذه قصة في رواية لما صدقناها، فما حصل ويحصل فينا تخطى الخيال".
الصحفية نجلاء نجم كتبت عنه قائلة: " بعد 5 ساعات من ولادة طفلته.. استشهاد الصحفي يحيى صبيح في مجزرة الاحتلال قرب مفترق بالميرا وسط مدينة غزة، ارتقى يحيى بذات الملابس التي كان يرتديها وهو يحتضن أميرته ويأخذ شيئًا من رائحتها قبل أن يرتقي شهيدًا".
والشهيد يحيى صبيح/ هو الصحفي الثاني الذي يرتقي منذ صباح اليوم، بعد استشهاد الصحفي نور الدين عبده، الذي ارتقى أثناء تغطيته لمجزرة مدرسة الكرامة التي راح ضحيتها 20 شهيدًا وعدد من الجرحى والمفقودين.
وباستشهاد "صبيح" يرتفع عدد الصحفيين الفلسطينيين في قطاع غزة إلى 214 صحفياً، ارتقوا باستهدافات مباشرة وميدانية خلال حرب الإبادة الجماعية منذ السابع من أكتوبر/ تشرين أول 2023.