كان هنا بيتٌ وضجيج عائلة، والكثير من الدفئ رغم قسوة الحرب، وشبابٌ يطمحون لبعضٍ من حياة كالحياة، لكن عنجهية الاحتلال لا تعرف لغة الحب، فيعمُ الصمت برهةً قبل أن يسقط الصاروخ تتهاوى الجدران عليهم من كل جانب، لتحضنهم كمرة أخبرة وأبدية، "كلهم راحوا، ما ضل حدا، عائلة الدكتور رفيق عايش انمسحت"!
مئات العائلات قضت صواريخ الاحتلال الإسرائيلي على أحلامهم وآمالهم، فلم تكن عائلة "عايش" التي ارتقى جميع أفرادها في قصف غادر أمس الأربعاء في منطقة الكرامة شمال مدينة غزة الأولى، بل سبقتها أكثر من 2180 عائلة مُسحت من السجل المدني، في لحظة غادرة دون رقيب ولا حسيب!
واستُشهد أمس الأربعاء الدكتور رفيق موسى عايش وزوجته إيمان مطير، وأبناؤهما الحفّاظ لكتاب الله: المهندس محمد، وياسين، وعمر، وابنتاهما: الدكتورة وفاء، والمهندسة دعاء، جراء استهداف منزلهم من قبل طائرات الاحتلال في منطقة الكرامة شمال مدينة غزة.
إبادة أكثر من 2180
ووثق المكتب الإعلامي الحكومي إزالة أكثر من 2180 عائلة فلسطينية من السجل المدني حتى الرابع من مايو/ أيار الجاري، بفعل الغارات الإسرائيلية المتواصلة على بيوت وخيام النازحين في جميع مناطق قطاع غزة، والتي ارتفعت حدتها منذ استئناف حرب الإبادة في 18 مارس/ أذار الماضي.
وقال المكتب الإعلامي الحكومي في بيان تلقت "وكالة سند للأنباء" نسخة منه، إن جيش الاحتلال ارتكب جرائم قتل بحق أكثر من 18 ألف طفل وأكثر من 12 ألفاً و400 امرأة، بينما أباد أكثر من 2180 عائلة في قطاع غزة.
وأوضح تقرير سابق للإعلامي الحكومي، أن الاحتلال ارتكب أكثر من 12 ألف مجزرة، منها 11,859 مجزرة ضد العائلات الفلسطينية، وأباد بالكامل 2,172 عائلة بمجموع يفوق 6,180 شهيدًا، إضافة إلى 5,070 عائلة لم يتبق منها سوى فرد واحد فقط، بعد استشهاد ما يزيد عن 9,280 من أفرادها، وفق إحصائية صادرة في 18 أبريل/ نيسان الماضي.
ولا يزال تعداد المفقودين بالآلاف لا يُعرف مصيرهم، وسط الصعوبات التي تواجهها فرق الإنقاذ الطبية والدفاع المدني في الوصول إلى الأحياء المستهدفة، نتيجة استمرار القصف العشوائي ونقص المعدات، والأضرار الجسيمة التي لحقت بالطرق.
كان هنا أمان وملاذ.. كانت هنا عائلة!
"مُسحت من السجل المدني"! ليس نصاً عابراً مرور الكرام، بل وجع يحمل في طياته الكثير من العجز والفقد، ووجع ممتد، وسنين لا تُعد ذهبت في غمضة عين!
ومنذ استئناف حرب الإبادة الجماعية في 18 مارس/ أذار الماضي، عادت "إسرائيل" لتستكمل حربها على قطاع غزة بشنها غارات جوية مكثفة على مختلف مناطق القطاع، مستهدفة منازل سكنية من دون سابق إنذار، مما أدى إلى محو عائلات بأكملها من السجل المدني، وفقا لجهاز الدفاع المدني.
ففي 17 أبريل/ نيسان الماضي، مُسحت 3 عائلات فلسطينية من السجل المدني في أقل من 24 ساعة، هي عائلة "عسلية" والتي ارتقى 7 شهداء من أفرادها بقصف خيمتهم في بلدة جمالية شمال القطاع.
وعائلة "أبو الروس" التي ارتقى 10 شهداء فيها من 4 سيدات و5 أطفال واحدٌ منهم من ذوي الاحتياجات الخاصة حُرق جالساً على كرسيه، بعد قصف خيمتهم في مواصي خانيونس جنوب القطاع.
في تلك الخيام التي تحترق أمامكم، قتلت إسرائيل ومزّقت وأحرقت خمسة أطفال، أحدهم من ذوي الاحتياجات الخاصة: أحمد، فرح، أحمد، سيف، وآية. كما قتلت أربع نساء: ناهد، تحرير، نور، وآمنة، إضافة إلى شاب في مقتبل العمر.
— Tamer | تامر (@tamerqdh) April 17, 2025
جميعهم من عائلة أبو الروس، في مجزرة راح ضحيتها عشرة شهداء . pic.twitter.com/r14PDvkTZt
كذلك عائلة "العطل" التي قضت في ذات الليلة، بعد استشهاد أفرادها في قصف استهدف خيمة للنازحين في مشروع بيت لاهيا قرب مستشفى كمال عدوان.
بينما مُسحت عائلة "الفرا" الفرا بشارع المارس حي المحطة وسط مدينة خانيونس من السجل المدني، بارتقاء 10 شهداء، 7 منهم أطفال!
أما عائلة "الحطاب" التي استعدت لتناول وجبة السحور، في 19 مارس كانت من بين العائلات التي استشهد منها ثمانية وعشرون فردا بفعل صواريخ الاحتلال، في حين لا يزال هناك أفراد من العائلة تحت الأنقاض، في ظل انعدام الإمكانيات اللازمة لانتشالهم.
بينما استهدفت غارة إسرائيلية منزلا لعائلة "اللحام" في خان يونس جنوبا مطلع العام الجاري 2025، حيث سُوي المنزل المكون من طابقين بالأرض، مما أدى إلى استشهاد 7 فلسطينيين، بينهم عائلة بأكملها مسحت من السجل المدني.
مجازر بحق العائلات لا تُنسى..
وبمرور أكثر من عام ونصف على حرب الإبادة، تستذكر "وكالة سند للأنباء" عدداً من العائلات في قطاع غزة مُسحت من السجل المدني في الأشهر الأولى للحرب الشعواء، فاق عدد شهداؤها المائة.
فلا يخفى على أحدنا مُصاب عائلة "سالم" التي كانت تضم 170 شخصاً بين أطفال ونساء ورجال، قضى عليهم الاحتلال بالكامل في غارتين على حي الشيخ رضوان مطلع ديسمبر/ كانون الأول 2023، ولم يفصل بينهما إلى 8 أيام.
أما عائلة "عوض" إحدى العائلات التي فقدت نحو 100 من أفرادها دفعة واحدة، لم يخرج منهم سوى 10 أحياء بإصابات بالغة ومنهم من بترت أطرافه.
كذلك حال عائلة "فروانة" التي أُزيلت من السجلات المدنية كاملةً بعدما قضى الأولاد والأحفاد في قصف منزلهم بمنطقة تل الهوا جنوب غرب مدينة غزة.
قوافل الشهداء لا تتوقف..
وتتواصل حرب الإبادة الجماعية ببشاعتها ودمويتها على قطاع غزة لليوم الـ 52 منذ استئنافها، وسط استمرار المجازر ومحو عائلات بأكملها من السجل المدني، وارتفاع أعداد الشهداء والجرحى والمفقودين.
وأفادت مصادر طبية فلسطينية، باستشهاد 18 مواطنًا وإصابة العشرات، في غارات إسرائيلية على قطاع غزة منذ فجر اليوم الخميس.
بينما ارتكب جيش الاحتلال الإسرائيلي مجزرةً دمويةً جديدة عصر أمس الأربعاء، بقصفه مطعمًا وسوقًا شعبيًا بشكلٍ متزامن في منطقة الرمال غرب مدينة غزة، ما أدى لارتقاء نحو 39 شهيدًا وعشرات الجرحى، بينهم أطفال ونساء.
وتعد هذه المجزرة استمرارا للمجازر التي يرتكبها الاحتلال بحق الفلسطينيين بمختلف أماكن تواجدهم في قطاع غزة، إذ أفاد المكتب الإعلامي الحكومي، أنّ قصف "التايلندي" والسوق الشعبي المجاور له، هما رابع مجزرة إسرائيلية في غضون 24 ساعة، بعدما استهدف مدرستين تؤويان أكثر من 10 آلاف نازح يوم الثلاثاء وسط قطاع غزة.
تقرير نهائي بأسماء الشهداء في #غزة نتيجة الحرب الإسرائيلية المتوحشة عليها، عائلات بأكملها مسحت من السجل المدني.
— Eman Shamsaldeen (@eshamseddin) October 26, 2023
The final report with the names of the martyrs in #Gaza, due to the savage Israeli war on it, shows that entire families have been wiped out from the civil registry.… pic.twitter.com/XIHbqErPm6