لم يكد المواطن منذر العمور يفرغ من مأساة هدم الاحتلال الإسرائيلي لمنزله وتشريد عائلته، حتى تلقى فاتورة من سلطات الاحتلال تطالبه بدفع تكاليف هدم المنزل، لتضاعف من خسائره وتضع عبئا إضافيا على كاهله.
ففي الثاني والعشرين من أبريل/ نيسان الماضي، اقتحمت قوات الاحتلال ترافقها الجرافات قرية التوانة في مسافر يطا جنوب الخليل، وشرعت بهدم منازل ثلاثة منازل بدعوى البناء بدون ترخيص، تعود للمواطنين منذر العمور، وخالد العمور، وأحمد العمور.
وجاء هدم المنازل الثلاثة استمرارا لسياسة الهدم المتواصلة التي ينفذها الاحتلال يوميا وتستهدف مساكن المواطنين، سواء في مسافر يطا أو في مختلف أنحاء الضفة الغربية.
لكن الجديد هذه المرة كان إجبار أصحاب البيوت المهدومة على دفع تكاليف الهدم، ما يُفاقم من الأعباء الاقتصادية والنفسية التي يتحملها أصحاب تلك المنازل الذين يعيشون أصلا في ظل ظروف معيشية صعبة.
منذر العمور، صاحب أحد البيوت الثلاثة، كان قد شرع ببناء منزله البالغ مساحته 115 مترا مربعا في العام 2022، على قطعة أرض يملكها والده،
وقال العمور لـ"وكالة سند للأنباء" إنه عندما بدأ بتسوية الأرض لبناء المنزل تلقى إخطارا من الاحتلال بوقف العمل، لكنه تجاهله وأتم البناء في غضون شهرين، ولسوء أوضاعه المادية استعاض عن سقف بيته بالصفيح، ليوفر منزلا يؤوي عائلته المكونة من 8 أفراد.
وأضاف: "في العام الماضي تلقيت أمرا شفويا من الإدارة المدنية بهدم البيت أو دفع تكاليف الهدم إذا نفذ الاحتلال عملية الهدم".
وأشار إلى أنه لجأ لمحاكم الاحتلال لمنع هدم المنزل، لكن ضباط الاحتلال أبلغوه عندما حضروا لهدم المنزل أن قرار الهدم قد صدر قبل شهر، حتى قبل أن تصدر المحكمة قرارها.
وتفاجأ العمور بعد عدة أيام، بتلقيه فاتورة من الإدارة المدنية تطلب من والده بصفته مالك الأرض، دفع مبلغ 4000 شيكل تكاليف هدم منزله، وحددت له سقفا زمنيا مدته شهر من تاريخ عملية الهدم لتسديد المبلغ.
ولكونها سابقة في الضفة الغربية، لا يعلم العمور ما عواقب رفض تسديد الفاتورة، ويخشى أن يواجه والده الاعتقال، أو مضاعفة مبلغ الفاتورة قياسا على ما جرت عليه العادة في المخالفات المرورية.
وبعد هدم بيته، لم يجد العمور وعائلته سوى الكهوف للسكن لعدم توفر أي مأوى بديل.
وقال: "هذا البيت وضعت فيه شقا عُمري، وليس لدي غيره في أي مكان آخر".
سابقة خطيرة
ويطبق الاحتلال سياسة إجبار الفلسطينيين في القدس على دفع تكاليف هدم منازلهم التي تهدمها طواقم بلدية الاحتلال في القدس بحجة عدم الترخيص.
ويضطر المقدسيون لهدم منازلهم بأيديهم أو استئجار آليات للقيام بالمهمة، تجنبا لدفع التكاليف الباهظة التي سيفرضها الاحتلال عليهم مقابل قيامه بعملية الهدم.
ويؤكد أمير داوود، مدير التوثيق في هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، أن ما حدث في مسافر يطا يمثل سابقة خطيرة لم تحدث في الضفة في السابق.
وأشار داوود في حديثه لـ"وكالة سند للأنباء" إلى أن هذه السياسة يتّبعها الاحتلال في نطاق القدس المحتلة، والتي فرض السيادة عليها منذ العام 1967 وأصدر مجموعة قوانين بشأنها.
ويرى داوود أن استنساخ السياسة ذاتها في الضفة، يدلل على أن الاحتلال بدأ يتعامل مع الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية كما يتعامل مع القدس التي لا يعتبرها مدينة محتلة وإنما خاضعة لسيادته.
وقال: "من الطبيعي أن يتعرض المواطن الفلسطيني لعمليات الهدم أو الاعتداءات في سياق الاحتلال العسكري، ولكن عندما يجبر المواطن على هدم بيته بنفسه أو دفع تكاليف هدم بيته للاحتلال، فذلك مؤشر خطير".
ضم الضفة
ولا يعزل داوود هذه السابقة عن سياسات الاحتلال وتوجهات الحكومة اليمينية في "إسرائيل" لضم الضفة وفرض السيادة عليها.
ويشير إلى ان دولة الاحتلال تقوم بمجموعة كبيرة جدا من العناوين التي تؤكد فيها أنها ذاهبة نحو الضم وفرض السيادة على الأراضي الفلسطينية، ولعل آخرها قانون تسوية الأراضي الفلسطينية الذي أقرّه الكابينت الأمني والسياسي لحكومة الاحتلال يوم الأحد.
وقال: "في الشهور الأخيرة شهدنا سباقا محموما لتقديم عدد كبير من مشاريع القوانين لكنسيت الاحتلال معظمها تؤدي بشكل أو بآخر للضم وفرض السيادة، أوضحها قرار إحالة تسوية الأراضي إلى دائرة تتبع الإدارة المدنية الإسرائيلية".
ويأتي هذا التطور ترجمة لتهديد سابق أطلقه وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش بأن عام 2025 سيشهد عمليات هدم لمبانٍ فلسطينية في الضفة الغربية أكثر مما يتم بناؤه.
وفي كلمة ألقاها خلال اجتماع "وحدة إنفاذ القانون" في "الإدارة المدنية" في فبراير/ شباط الماضي، قال سموتريتش إن عام 2025 سيكون أول عام منذ 1967 يتم فيه هدم أكثر مما يبني الفلسطينيون.
وأوضح أن الأمر لا يتعلق فقط بملاحقة ما وصفه بالبناء "غير القانوني" الفلسطيني، بل يشمل أيضًا "منعًا كاملا للبناء الفلسطيني وإعادة السيطرة الإسرائيلية على الأرض".